القدس - ناصر الاسعد
رصاصة واحدة أطلقها قناص حاقد في الجيش الإسرائيلي، أمس كانت كفيلة لوضع حد لحياة الزميلة شيرين أبو عاقلة (51 عاماً) مراسلة قناة "الجزيرة"، في فلسطين عندما أصابتها في رأسها عن قرب خلال تغطيتها لعملية اقتحام واسعة شنها جيش الاسرائيلي في مخيم جنين.
وأحدثت موجة حزن وغضب، وصدمة واسعة بين المواطنين الفلسطينيين الذين تعودوا على إطلالات أبو عاقلة في الأوقات الصعبة خلال الـ 25 سنة الماضية، وانهالت بيانات الإدانة والشجب الفلسطينية والعربية والدولية لقتل الصحافية التي حظيت طوال فترة عملها بالتقدير والاحترام لشجاعتها وموضوعيتها، ولدورها البارز في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم.
شذا حنايشة صحافية كانت على بعد خطوات قليلة من شيرين الشهيدة أبو عاقلة لحظة استشهادها.
تقول شذا "كنا متوجهين لتغطية الاقتحام الإسرائيلي في مخيم جنين، وتواجدنا أربعة صحافيين في منطقة مكشوفة ليرانا الجنود قبل التقدم للأمام، وجميعنا يرتدي الزي الصحافي الكامل وهو السترة والخوذة، ولم يكن بيننا أي من المسلحين، ولم يكن هناك أي إطلاق نار في تلك المنطقة تحديداً".
وأضافت حنايشة التي تعمل مراسلة لموقع "ألترا فلسطين": "وصلنا إلى منطقة يصعب الرجوع منها، وأمامنا فقط الجنود، وخلفنا جدار، وبدأ إطلاق النار علينا من جهة الجنود، فأصيب الصحافي علي السمودي، وعندها صرخت الزميلة شيرين بأن علي أصيب، أما أنا فحاولت الاحتماء بجذع شجرة، وشيرين لم تستطع التحرك نحوي، فأصيبت برصاصة في رأسها أسفل الخوذة، ثم سقطت أرضاً، واستمر الجنود بإطلاق النار علينا بعد ذلك، حتى تسلق أحد الشبان الجدار الذي من خلفنا بشكل التفافي لسحب شيرين إثر إصابتها البالغة، واستمر الجنود بشكل متعمد في إطلاق النار علينا".
وأعلنت وزارة الصحة استشهاد أبو عاقلة برصاص جيش الاحتلال، وإصابة الصحافي علي السمودي برصاصة في كتفه اليسرى، خلال اقتحام قوات الاحتلال مدينة جنين ومخيمها.
وروى السمودي الذي نقل إلى مستشفى ابن سينا التخصصي في مدينة جنين، أنه كان يتواجد برفقة الزميلة أبو عاقلة ومجموعة من الصحافيين في محيط مجمع مدارس وكالة الغوث على مدخل مخيم جنين، وكان الجميع يرتدي الخوذ والزي الخاص بالصحافيين.
وأضاف: إن قوات الاحتلال استهدفت الصحافيين بشكل مباشر ومتعمد، ما أدى إلى إصابته برصاصة اخترقت كتفه اليسرى، واستشهاد زميلته أبو عاقلة بعد إصابتها برصاصة في الرأس.
وأكد السمودي أن المكان الذي تواجد فيه الصحافيون كان واضحاً لدى جنود الاحتلال، ولم يكن هناك أي مسلح أو حتى مواجهات في تلك المنطقة، وأن استهدافهم جرى بشكل متعمد.
وكانت قوات كبيرة من جيش الاحتلال اقتحمت مخيم جنين، وحاصرت منزلاً لاعتقال شقيقَي الشهيد عبد الله الحصري، ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة واشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال الذي أطلق الرصاص الحي تجاه الشبان وطواقم الصحافيين.
وقال الشاب الذي تمكن من الوصول إلى جثمان الشهيدة أبو عاقلة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة: إنه اضطر إلى القفز عن الجدار الذي كان يحتمي به الصحافيون عندما صرخ أحدهم بأن شيرين أصيبت برأسها.
وأضاف الشاب: "قفزت بلا شعور عن الجدار، وساعدت صحافية على مغادرة المكان، وعندها بدأ جنود الاحتلال يطلقون الرصاص الحي بكثافة صوبنا، إلا أن هذا الأمر لم يهمني على الإطلاق بقدر ما كان همّي محاولة إنقاذ الصحافية المصابة، فقفزت صوبها بشكل سريع وحملتها رغم كثافة النيران من قبل جنود الاحتلال، وكانت بلا حراك والدماء الغزيرة تنزف من رأسها، وعندها تيقنت أنها استشهدت، وحملتها حتى أوصلتها إلى مكان أكثر أمناً، بينما كان عدد من الصحافيين والمواطنين على مقربة من المكان دون أن يتمكنوا من فعل أي شيء بفعل إطلاق النار الكثيف من قبل جنود الاحتلال".
وأشارت المصادر إلى أن قوات الاحتلال حاصرت منزلاً لأقارب الشهيد عبد الله الحصري في منطقة الهدف، وطالبت أحد أقاربه بتسليم نفسه، لكنها لم تجده، وخلال ذلك أطلق قناصة الاحتلال الرصاص باتجاه الصحافيين، ما أدى لإصابة أبو عاقلة والسمودي بجروح، ونقلا إلى مستشفى ابن سينا بمدينة جنين بمركبة خاصة، ولاحقاً أعلن عن استشهاد أبو عاقلة.
و أكدت معاينة الأطباء لجثة الزميلة شيرين أن الرصاصة تسبّبت بتهتك كامل للدماغ
، و قال مدير معهد الطب العدلي في جامعة النجاح، ريان العلي: إن نتيجة التشريح الأولي الذي قام به المعهد لجثمان الصحافية الشهيدة، أظهرت أن الرصاصة التي أصابتها تسببت بتهتك كامل للدماغ وعظام الجمجمة.
وأوضح خلال مؤتمر صحافي، نظّم أمام مقر المعهد في نابلس، أمس، أن الرصاصة التي أصابتها كانت قاتلة بشكل مباشر، وأن السلاح المستخدم يتمتع بسرعة عالية.
وقال: تم التحفّظ على مقذوف مشوّه، وستتم دراسته مخبرياً، وسيتم توثيق كافة الملاحظات ضمن تقرير سيسلم للجهات الرسمية.
وبيّن أن الحالة حوّلت للتشريح بأمر من النائب العام، للوقوف على السبب المباشر للوفاة، ومحاولة إيجاد أي أدلة يمكن ربطها بالجهة المسؤولة عن استشهاد أبو عاقلة.
و وصف وليد العمري:قتل زميلته شيرين بأنه قتل متعمد
ولفت مدير مكتب قناة "الجزيرة" القطرية وليد العمري، إلى أن إطلاق النار على أبو عاقلة كان متعمداً، لأن الإصابة كانت مباشرة، وذلك بعد ترجلها من مركبة بقليل، حيث كانت ضمن مجموعة من الصحافيين.
وقال: ما أبلغنا به شهود العيان أن النيران أطلقت من الجهة التي تواجد فيها جنود الاحتلال، وأنهم يرجحون أن يكون مصدرها قناصاً، لأن القناصين كانوا منتشرين على أسطح المنازل هناك.
وأوضح أنه تم استهداف أبو عاقلة رغم ارتدائها زياً صحافياً "درع وخوذة"، مضيفاً: "من الواضح أن من أطلق النار على صحافي يرتدي الملابس اللازمة، كان يستهدف هذا الشخص بعينه، لأنها كانت بين مجموعة من 6-7 صحافيين، والمسافة بينهم كانت قليلة، وفوجئوا بما حصل لأنهم كانوا في منطقة لا توجد فيها مواجهات مسلحة أو خلافها مع مقاومين، بل كانوا في منطقة بعيدة عن الجانبَين في منطقة مقبرة الشهداء في جنين".
وذكر أن أبو عاقلة وزملاءها كانوا في منطقة مكشوفة، وكانوا ظاهرين، مؤكداً أن "الجزيرة" تنوي متابعة القضية حتى النهاية.
وأضاف: أبو عاقلة بالنسبة لـ"الجزيرة" ليست مجرد صحافية أو مراسلة، بل جزء من هذه القناة منذ إنشائها تقريباً، والكل يعرف من هي أبو عاقلة من الناحية المهنية والإنسانية والأخلاقية، ومن الواضح أن "الجزيرة" ستلاحق كل من له علاقة بعملية إطلاق النار عليها.
وقال: الرواية المتوفرة لدينا من شهود العيان، وتدعمها التقارير التي ستصدر من قبل المعهد، من الجلي أنها توثّق أن هناك استهدافاً، متهماً قوات الاحتلال "بتنفيذ عملية اغتيال ميداني".
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
البيت الأبيض يدين بشدّة مقتل الزميلة شيرين أبوعاقلة ويطالب بإجراء تحقيق فوري وشفّاف
" الشبكة الدولية للصحافيين العرب والأفارقة" تدين اغتيال الصحفية"شيرين أبو عاقلة "
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر