طرابلس ـ عبدالعزيز التليسي
تقترب ليبيا من إجراء الاستحقاق الأهم في تاريخها بعد أن مرت بأصعب كوارث التاريخ والجغرافيا على مدار عشرية غير مسبوقة في دمويتها وظروفها.
كما كانت العشرية السابقة غير مسبوقة في كم التدخلات الخارجية التي تعرضت لها ليبيا وعدد التنظيمات الارهابية التى هبطت على أراضيها لتشكل تهديدا وجوديا لوحدتها وسيادتها وجوارها الإقليمي.
لكن مع تقدم مسار الانتخابات العامة كمخرج من هذا الوضع الصعب، شهدت البلاد أسبوعا من الزخم الدولي والإقليمي والأحداث الداخلية المتعاقبة.
ومصير الانتخابات الليبية بيد المفوضية العليا للانتخابات، هكذا خلصت إليه الأوضاع قبل 3 أسابيع من موعد الانتخابات المقرر في 24 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
سيف الإسلام القذافي وعبد الحميد الدبيبه عادا إلى السباق فيما تعثرت المشاورات لعقد التحالف بين حفتر وعقيلة صالح حتى الآن
بقبول محكمة الاستئناف في سبها طعن سيف الإسلام القذافي على رفض ترشحه للانتخابات الرئاسية وقراراها إعادته للسباق الانتخابي، تكون قائمة لأهم المترشحين واضحة وتضم إلى جانب القذافي، عبد الحميد الدبيبة رئيس الوزراء الحالي، ورئيس البرلمان عقيلة صالح، والمشير خليفة حفتر.
يمكن للمفوضية العليا للانتخابات أن ترفض قرار المحكمة الصادر بعد انتهاء مهلة الـ48 ساعة المحددة للبت في الطعون، لكن مبرر المحكمة هو عدم قدرتها على الانعقاد خلال هذه المدة بسبب حصار مبنى المحكمة ومنع القضاة من الوصول للمقر من جانب مؤيدي خليفة حفتر الذي يرى في القذافي منافساً رئيساً له.
وبموجب رؤية المفوضية، فإن سيف الإسلام القذافي، غير مؤهل لخوض الانتخابات بسبب الأحكام القضائية الصادرة بحقه سلفاً وعدم إمكانية حصوله على «شهادة خلو من السوابق» بينما جاء قرار المحكمة الغير قابل للطعن استناداً إلى أن الأحكام ليست نهائية.
بالعودة إلى سباق الانتخابات فإن عودة سيف الإسلام القذافي ومن قبله رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، للقائمة النهائية المتوقع صدورها الأسبوع القادم من مفوضية الانتخابات قبل البدء بالدعاية الانتخابية التي تستمر إلى ما قبل موعد الانتخابات بيوم واحد، حصرت المنافسة فيها بشكل كبير بين المتنافسين الأربعة، القذافي، والدبيبية، وصالح، وحفتر.
يخشى المتنافسون الأربعة بعضهم البعض في ظل غياب التفاهمات الإقليمية حول دعم مرشح أو الرهان على اثنين من بين جميع المترشحين، في وقت يعتبر الدبيبة المرشح الأقرب للحصول على الدعم من غالبية الأطراف بسبب تواجده القوي في العاصمة طرابلس، فيما قد يتم تزكية القذافي بشكل أو بآخر، في حال قرر الحلفاء الخليجيون التخلي عن عقيلة صالح وخليفة حفتر، إذ يرفض الثنائي التحالف سويا وخوض الانتخابات متعاونين لا متنافسين.
ويخشى من تأثير الضغوط والانتهاكات على عملية الاقتراع بشكل مباشر مما قد يجعل عملية الانتخابات محل طعن وتشكيك حيث يتوقع مشاركة أكثر من مليوني ليبي في مقار الاقتراع بعدما تسلموا بطاقاتهم الانتخابية خلال الفترة الماضية، فيما لا تحبذ المفوضية التي تحظى بدعم دولي إرجاء الانتخابات عن الموعد المحدد.
وفيما تحاول المفوضية أن تبقي تدخلاتها محدودة بالعملية الانتخابية، يسود الأوساط السياسية في ليبا قلق من اتجاهها لاتخاذ قرار بإرجاء العملية الانتخابية على خلفية صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة مع تسجيل حوادث متعددة في الأيام الماضية قد يكون لها تأثير واضح على المسار الانتخابي.
وتجري المفوضية مباحثات مع المؤسسات الأمنية المعنية، حول الأوضاع الأمنية في البلاد ومدى تأثير ما يحصل من أحداث على تعكير الانتخابات مع دراسة إمكانية تأجيلها بحال رصد انتهاكات أو اضطرابات أمنية قد تؤدي لتغيير جذري في نتائج الانتخابات.
مفاوضات المفوضية التي يقودها رئيسها عماد السايح ارتكزت على الصلاحية القانونية بالتأجيل باعتبار "مسألة فنية تخضع لتقدير المفوضية"، وسط ترحيب إيطالي بالتأجيل لمدة شهر على سبيل المثال ورفض عربي وغربي لأي مناقشات لفكرة التأجيل مع الوصول لآخر مراحل خارطة الطريق المتفق عليها ويعقبها إجراء الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني/ يناير 2022.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث السياسي الليبي محمود الشبيكي، "بعودة نجل القذافي ستشهد الانتخابات تحولات كبرى ومشاركة فعالة".
وأضاف الشبيكي، أن الشعب الليبي لفظ العنف والفوضى والدماء على مدار العشر سنوات الماضية، مؤكدا أن الجميع في الداخل الليبي يسعى إلى نجاح الاستحقاق الانتخابي من أجل بناء مؤسسات الدولة.
وسلط الشبيكي الضوء على الاحتفالات التي شهدتها مدن ومناطق ليبية بعد قبول طعن سيف الإسلام، وتظاهر عشرات الليبيين أمام مجمع محاكم سبها، دعما لاستقلالية القضاء من أي ضغوط تمارس عليه وتأكيدا على حق سيف الإسلام في تقديم الطعن وترك الأمر للقضاء ليقول كلمته وفقا للقانون.
لكن عودة سيف الإسلام لم تكن منفردة، إذ أصدرت محكمة استئناف طرابلس، الأربعاء الماضي، حكما لصالح رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، ورفضت طعنين بحقه، وأعادته إلى قائمة مرشحي الانتخابات الرئاسية، وفق ما ذكرته وسائل إعلام محلية.
وأوضحت وسائل الإعلام أن محكمة استئناف طرابلس قبلت طلب استئناف الدبيبة على الحكم المطعون فيه الأحد الماضي، ومن ثم أعيد إلى سباق التنافس على الرئاسة.
وتعليقا على ذلك، قال الشبيكي: "قدم الدبيبة عقب اختياره رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية في فبراير/شباط الماضي، إقرارا خطيا يقضي بعدم ترشحه لأي منصب أو للانتخابات المقبلة".
ولم تمض فترة وجيزة في الداخل الليبي بالوقت الحالي دون موقف أو قرار جديد، حيث أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أمس الخميس، تعرض عدد من المراكز الانتخابية لخروقات أمنية.
ونقلت المفوضية عن رئيس غرفة العمليات الرئيسية سعيد القصبي تعرض 4 مراكز انتخابية تابعة لمكتب الإدارة الانتخابية العزيزية –جنوبي غربي طرابلس- ومركز واحد تابع لمكتب الإدارة الانتخابية طرابلس، لعمليات سطو مسلح انتزعت على إثرها عدداً من بطاقات الناخب عنوة بقوة السلاح.
والثلاثاء الماضي، قال وزير الداخلية الليبي خالد مازن في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة العدل حليمة عبد الرحمن، إن اتساع رقعة الانتهاكات والخروقات سيؤدي للإضرار بالخطة الأمنية وينعكس على سير العملية الانتخابية والالتزام بها في موعدها.
على الجانب الخارجي، تدفع القوى الدولية بكل قوة نحو إنجاح الاستحقاق الانتخابي الليبي المقرر الشهر الجاري، ما يدفع الشبيكي للقول إن الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الشهر الماضي والتصريحات الدولية المستمرة بشكل يومي، تعكس نوايا المجتمع الدولي، معاقبة أي معرقل للعملية الانتخابية.
وأضاف المحلل الليبي أن فرض العقوبات على المعرقلين سوف يأتي من واشنطن قبل أوروبا.
إلى ذلك، يحاول تنظيم الإخوان الإرهابي عرقلة المسار الانتخابي، إذ حاصرت المليشيات في مدن غربي ليبيا عددا من مراكز الانتخابات وأغلقتها وأجبرت العاملين بها على مغادرتها بقوة السلاح.
جاء ذلك عقب دعوة خالد المشري رئيس ما يعرف بالمجلس الاستشاري، لرفض قانوني الانتخابات الرئاسية والنيابية وتنظيم تظاهرات رافضة لإجراء الاستحقاق الانتخابي.
كما دعا سهيل الصادق الغرياني نجل مفتي الجماعات الإرهابية في تغريدة على "تويتر"، إلى مهاجمة المقرات الانتخابية.
والأربعاء الماضي، أفاد تقرير أعده خبراء في الأمم المتحدة بأن "استمرار وجود" المرتزقة في ليبيا "لا يزال يمثل تهديداً خطيراً" للوضع في هذا البلد.
ووفقاً للتقرير المرحلي السرّي الذي تسلّمه أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر مؤخراً، فإن "الوتيرة المكثّفة لإرسال" شحنات السلاح المحظورة إلى ليبيا تراجعت، لكنّ "حظر السلاح يظلّ غير فعّال بتاتاً".
والخبراء الذين أعدّوا هذا التقرير مكلّفون من مجلس الأمن بمراقبة مدى احترام الدول لقرار المجلس المتعلّق بحظر تصدير أسلحة إلى ليبيا.
ويغطّي تقرير الخبراء الفترة الممتدّة بين يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠٢١، وزار الخبراء ليبيا في مناسبتين، الأولى في أبريل/ نيسان والثانية في سبتمبر/ أيلول، كما أنهم تمكنوا من الذهاب إلى بنغازي (شرق) للقاء المشير خليفة حفتر، المرشّح للانتخابات الرئاسية المقرّرة في 24 ديسمبر/كانون الأول.
وحذّر التقرير من أنّه "بالاستناد إلى عمليات النقل التي تمّت في 2020، تظلّ مخزونات الأسلحة في ليبيا مرتفعة وكافية لإشعال أيّ نزاع في المستقبل
وأعرب التقرير عن الأسف لاستمرار وجود المرتزقة في ليبيا، مشددا على أن "اللّجنة ليس لديها دليل على حدوث انسحابات واسعة النطاق حتى الآن" لهؤلاء المرتزقة.
ويعقد الليبيون آمالا كبيرة على إجراء الانتخابات من أجل إعادة الاستقرار إلى البلاد بعد أكثر من عقد من الاضطرابات، لكن البعض يخشى من حدوث انتكاسة ما تعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر