اتفق الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الحرب الاسرائيلي بيني غانتس على تهدئة الأوضاع الميدانية في الضفة الغربية المحتلة، ومنع تدهور آخر للأوضاع، حسبما كشف مصدر إسرائيلي. والتقى عباس مع غانتس الليلة الماضية في منزل الأخير قرب مدينة تل أبيب وسط فلسطين المحتلة، في لقاء أثار عاصفة غضب واسعة في صفوف الفلسطينيين تجاه عباس.
وشهدت الضفة الغربية المحتلة مؤخرًا تصاعدًا في المواجهات بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين من جهة والفلسطينيين من جهة أخرى، بالتزامن مع تصاعد هجمات المقاومة الفلسطينية. كما أعلن غانتس صباح الاربعاء المصادقة على عدة تسهيلات للسلطة الفلسطينية بعد ساعات من استضافته عباس في منزله شرق "تل أبيب". وقالت صحيفة "هآرتس" العبرية إن غانتس أقر سلسلة "تسهيلات" شملت تسوية أوضاع 6 آلاف فلسطيني لا يحملون الهوية الفلسطينية في الضفة الغربية، وتقديم موعد دفع أموال المقاصة بقيمة 100 مليون شيقل، ومنح تصاريح جديدة لرجال الأعمال الفلسطينيين.
كما تشمل منح 3500 فلسطيني الهويات الفلسطينية من سكان قطاع غزة. واتفق كذلك على منح 600 تصريح رجال أعمال إضافية BMC لرجال أعمال فلسطينيين، ومنح 500 منهم تصريح إدخال مركبات إلى "إسرائيل"، وكذلك منح عشرات بطاقات ال VIP لمسئولي السلطة. كما جرى الحديث عن خطوات اقتصادية بما بذلك تخفيض ضرائب الوقود والقيام بتجربة لإدخال حاويات تجارية عبر معبر الكرامة مع الأردن، وإقامة قاعدة بيانات جمركية الكترونية، وإقامة قاعدة بيانات لدفع أجور عمال فلسطينيين عبر مشغلين إسرائيليين بشكل الكتروني. ووصف رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ لقاء الرئيس محمود عباس مع وزير جيش الاحتلال بيني غانتس الليلة الماضية بـ"لقاء الأبطال". وقال الشيخ في مقابلة أجرتها معه إذاعة "كان 11" إن القيادة الفلسطينية تطمح لصناعة التاريخ مع بيني غانتس أو أي من حكومة إسرائيلية كما فعلت ذلك مع رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إسحق رابين.
وأضاف الشيخ الذي حضر اللقاء أمس في منزل غانتس في مدينة "راس العين" قرب "تل أبيب" بأن "الأبطال في النهاية هم من يصنعون السلام وأنه يتوجب على المؤمنين بالسلام أن يتحلوا بالشجاعة وأن يقاتلوا لهذه الغاية حتى اللحظة الأخيرة حتى لا يتم الذهاب إلى أماكن أخرى" على حد تعبيره. ووصف الشيخ خطوة اللقاء كذلك أنه "خطوة شجاعة ومهمة"، لافتاً إلى أن القيادة الفلسطينية كانت تعلم بأنها ستتعرض للانتقاد وأنها أخذت ذلك في الحسبان حيث أراد عباس رفع البطاقة الحمراء لخشيته من الوصول إلى طريق مسدود على حد تعبيره.
وأردف قائلاً إن "هذه الفرصة قد تكون الأخيرة لمنع التدهور وحينها سيكون من الصعب جداً العودة إلى الوراء". وأضاف الشيخ: نعيش مرحلة حاسمة والوضع صعب جداً والمستوطنين يديرون حرباً مفتوحة ضدنا وهذا سيدهور الوضع، ويتوجب التوصل إلى أفق سياسي ودون هذا الأفق فكل ما نفعله قد ينفجر في أية لحظة لدينا ولديكم".
وفيما وصف الشيخ اللقاء بـ"الإيجابي" موجهاً عتاباً لرئيس وزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بعد تصريح له قبل أشهر والذي قال فيه إنه لا يؤمن بإقامة دولة فلسطينية ويعتبر المستوطنين الجدار الأول الذي يحمي "إسرائيل". وقال: "الفجوات كبيرة جداً ولا توجد فرصة حالياً لإحداث اختراق سياسي على الرغم من أملنا بذلك، لا يمكنني انا أقرر من يكون رئيس حكومتكم والمهم بالنسبة لي هل هنالك أفق سياسي أم لا". أما غانتس فقد دافع عن اللقاء قائلاً إن من يرسل الجنود إلى ميدان القتال يعرف أهمية القيام بكل جهد لمنع القتال. أما وزير الخارجية الاسرائيلي يائير لبيد فقد أعرب عن دعمه للقاء قائلاً إنه مهم لأمن "إسرائيل" ولمكانة الاحتلال على الساحة الدولية، لافتاً إلى أن التنسيق الأمني والمدني مع السلطة الفلسطينية حيوي لأمن الاحتلال.
بينما قلل وزير البناء والإسكان في حكومة الاحتلال "زئيف أالكين" من أهمية اللقاء قائلاً إنه لا يوليه أي أهمية، مشدداً على أنه لم يكن ليدعو عباس إلى بيته كونه "يدفع رواتب لقتلة الإسرائيليين" على حد تعبيره. وأضاف:" لا توجد تسوية سياسية في المدى المنظور، والأميركان يعرفون ذلك". ولقي لقاء رئيس السلطة محمود عباس بوزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، استنكارًا واسعًا من قبل الفصائل الفلسطينية. وعبرت الفصائل الفلسطينية عن رفضها للقاء، واعتبرته تنكرا لدماء الشهداء وعذابات الأسرى واستفزازا لأبناء شعبنا ومعاناته جراء جرائم الاحتلال وتصاعد جرائم المستوطنين في مدن وقرى الضفة الغربية. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقدته عقب اجتماع طارئ دعت له حركة الجهاد الإسلامي حول لقاء عباس وغانتس.
وأكدت فصائل العمل الوطني والإسلامي على استنكارها وإدانتها لهذا اللقاء في هذا التوقيت الذي تشهد فيه مدن الضفة الغربية والقدس حالة ثورية تقلق كيان الاحتلال والمستوطنين. ولفتت إلى أنه يأتي في ظل الهجمة الشرسة من قبل ما تسمى إدارة مصلحة السجون والقمع المستمر للأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال. وشددت الفصائل على أن "هذا اللقاء لن يضيف لشعبنا وقضيته الوطنية إلا مزيداً من التغطية الرسمية لحكومة الاحتلال في الاستمرار بمزيدٍ من الاستيطان ومصادرة الاراضي والاستمرار في سياسة القتل والاعتقالات التي يقوم بها جيش الاحتلال". كما يأتي لقاء عباس غانتس في ظل حالة الهرولة والتطبيع من قبل بعض الأنظمة العربية. واعتبرت أن هذا اللقاء يعتبر غطاءً رسمياً للتطبيع المحرم والمجرم من قبل شعبنا وأمتنا. كما لفتت إلى أن هذا اللقاء في هذا التوقيت الذي يدور فيه الحديث عن عقد المجلس المركزي الفلسطيني يعتبر استباقاً للأحداث وتحديداً مسبقاً لما يمكن أن يكون عليه اجتماع المجلس المركزي وما يصدر عنه من قرارات لن يكتب لها التنفيذ في ظل هذه الظروف التي يعيشها شعبنا.
لذلك دعت الفصائل إلى توحيد الجهود على الأرض والعمل على تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، وتشكيل حالة وطنية وشعبية تعمل على التصدي للاحتلال وقطعان المستوطنين. كما دعت للعمل على تعزيز صمود المواطنين بما يشكل حالة ضاغطة على قيادة السلطة للعمل على تعزيز الوحدة الوطنية كأولوية تسبق كافة الأولويات والعودة إلى ما جاء من مخرجات لاجتماع الأمناء العامين الذي انعقد بالتزامن في بيروت ورام الله، كقاعدة للانطلاق من أجل العمل المشترك بما يخدم قضيتنا الوطنية ومشروعنا التحرري. وشدد المجتمعون على تجريم التنسيق الأمني الذي تقوم به أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، مطالبين بوقفه. وفي ختام اللقاء وجهت الفصائل المجتمعة التحية للأسرى والأسيرات الذين يتقدمهم البطل هشام أبو هواش المضرب عن الطعام لليوم الـ 135 على التوالي.
كما وجهت التحية لكل أبناء شعبنا الذين يتواحدون في ساحات الاشتباك المتواصل مع الإرهاب والتطرف الصهيوني. ورأى محللان سياسيان فلسطينيان أن لقاء الرئيس محمود عباس بوزير جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس في المنزل الذي يحتله شرقي "تل أبيب" مرده إلى الشعور بالخطر الذي يتولد لديها من تشكل وتطور حالة مقاومة داخل الضفة الغربية المحتلة ما يهددهما. واعتبر هؤلاء لقاء عباس- غانتس بطابعه الأمني المغلف بقضايا ثانوية لا يخدم إلا قيادة السلطة الفلسطينية للحفاظ عليها بعد انكماش وتهميش دورها وأزماتها الاقتصادية المتلاحقة، ولاستباق الأمور وتطويق حالة المقاومة المشتعلة بمدن الضفة المحتلة. وقوبل لقاء عباس-غانتس بحالة من الغضب الفلسطيني على المستوى الفصائلي والشعبي. وكشفت وسائل إعلام إسرائيليّة عن عقد اللقاء بمنطقة "رأس العين" بـ"تل أبيب"، وأكد غانتس أمام عباس "على المصلحة المشتركة بين السلطة والاحتلال بتعزيز التنسيق الأمني وحفظ الاستقرار".
ودانت الفصائل والقوى الفلسطينية اللقاء، معتبرة أنه جريمة وطنية وإهانة لدماء الشهداء وعذابات أسرانا وتشرعن وتشجع التطبيع العربي مع الاحتلال، فضلا على أنها مؤامرة خطيرة لا تختلف كثيراً عن "صفقة القرن". الكاتب والمحلل مصطفى الصواف يرى أن توقيت اللقاء يدلل على أن هناك شعور بالخطر يتولد لدى قيادتي السلطة والاحتلال من حالة مقاومة تتشكل وتتطور داخل الضفة الغربية المحتلة مما يهدد الطرفين. ويرى الصواف أن عباس يريد استباق الأمور قبل أن تتطور وتنضج هذه التشكيلات المقاومة ويُصعب تطويقها والقضاء عليها، "لكن أعتقد أن الأوان قد فات". ويوضح أن العلاقة التي باتت تربط السلطة بالاحتلال يطغى عليها الطابع الأمني وتتمحور حول "كيف يمكن المحافظة على هذه السلطة ودورها الوظيفي الذي يقوم على حماية المستوطنين وملاحقة المقاومين".
ويقول الصواف إنه "لا توجد أي مصلحة فلسطينية من مثل هذه اللقاءات، ولا ننتظر أي إنجازات من خلفها سوى المحافظة على هذه السلطة وامتيازاتها لعباس ومجموعته أما باقي القضايا التي تخص القدس والوطن والشعب هي آخر ما يهم هذه القيادة". وكانت فصائل فلسطينية قالت "إن اللقاء يعد انحرافًا خطيرًا عن الإجماع الوطني وتجاوزًا لإرادة الجماهير المنتفضة في وجه الاٍرهاب اليهودي والاستيطاني الذي لم يُبق منطقة بالضفة والقدس إلا وجعلها هدفاً لمشاريع الضم الاستعماري، وما هو إلا محاولة في سياق مؤامرة خطيرة". ويبدو أيضًا أن للقاء مصلحة إسرائيلية سياسية داخلية قد تعود على غانتس بالنفع، وفق حديث الكاتب والمحلل حسن عبدو. ويقول عبدو إن اللقاء يعطي دلالات خاطئة بما يتعلق بمسار التسوية بين السلطة والاحتلال كونه يأتي بتوقيت يرفض فيه رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت مجرد لقاء عباس حتى ولو في نطاق إقليمي".
ويؤكد أن الضفة تعيش حالة غليان ردًا على تنامي المشروع الإسرائيلي في الضفة والقدس المحتلتين من ناحية استكمال بناء المستوطنات والتغول على الحقوق الوطنية الفلسطينية مما تسبب بتعاظم المقاومة هناك. ويشير عبدو إلى أن هذا اللقاء يأتي خلافًا للسياق الشعبي الذي يسعى للدفاع عن النفس والأرض والمقدسات، وأنه لا معني سياسي له في مسار التسوية ومخالف لتوجهات الرأي العام الشعبي. وينبه إلى "أن السلطة تعاني من عزلة قيادتها ومن الغضب الجماهيري وأزمات اقتصادية متلاحقة"، لافتًا إلى أن أي توهم بتحقيق إنجازات من خلف اللقاء هو بمثابة خداع للنفس وللرأي العام.
قد يهمك أيضاً :
محمود عباس يُطالب بتطبيق الاتفاقيات مع "إسرائيل" لإحياء عملية السلام
محمود عباس يُجدد دعوته لتحقيق السلام عبر حل الدولتين ومصر تدعو لاستئناف المفاوضات
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر