قرارات جديدة صدرت مؤخرا عن حكومة فايز السراج في طرابلس الليبية، لتثير الجدل على المستويين المحلي والدولي، وتؤجج الصراع في بلد لا يحتمل مزيدا من الانقسامات، كان آخرها الاتفاق المبرم مع تركيا، مما يسلط الضوء على طبيعة تلك الحكومة المطعون في شرعيتها كونها أصبحت مخالفة لاتفاق الصخيرات الذي أتي بها.
ولفهم الصورة بشكل أوضح، لا بد من العودة إلى اتفاق الصخيرات المبرم في عام 2015، الذي أتى بحكومة السراج غير المنتخبة، وجعلها ممثلا ليبيا فاقدا للشرعية، لكن معترف به دوليا، رغم أنه لا يمثل الشعب الليبي.
ففي 17 ديسمبر 2015، تم توقيع اتفاق بين أطراف الصراع في ليبيا، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية، بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر.
والهدف من ذلك الاتفاق كان بسيطا وواضحا، هو إنهاء الأزمة والوصول إلى حلول ترضي الشعب الليبي، وأطراف الصراع المتناحرة في البلد، إلا أن الواقع كان مختلفا تماما.
ونص اتفاق الصخيرات على العديد من البنود، أهمها تلك التي توضح شكل وطبيعة المهام المرتبطة بـ"حكومة الوفاق"، وهي ذات البنود التي تثبت الآن أن حكومة السراج فقدت شرعيتها بالفعل.
فمن بين هذه البنود، ذلك الذي ينص أن "مدة ولاية الحكومة عام واحد فقط، وفي حال عدم الانتهاء من إصدار الدستور خلال ولايتها يتم تجديد تلك الولاية تلقائيا لعام إضافي".
ووُضع هذا البند قبل نحو 4 سنوات، مما يعني أنه لا يوجد مبرر قانوني أو دستوري لوجود حكومة السراج حتى الآن، ولعل هذا هو ما يشجع السراج على الإقدام على اتخاذ قرارات جدلية، مثل مذكرتي التفاهم اللتين أبرمتها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون العودة إلى البرلمان الليبي مصدر التشريع الممثل للشعب.
علامة استفهام
ومذكرتا التفاهم بشقيهما، الأول المتعلق بتعيين الحدود البحرية (دون الأخذ بالاعتبار حقوق الدول المجاورة)، والثانية المتعلقة بالتعاون العسكري والأمني، التي تمهد بلا شك لوجود عسكري تركي على الأراضي الليبية، يشكلان علامة استفهام بشأن الصفة أو الآلية التي اعتمدها السراج، أو منحها لنفسه، للإقبال على مثل هذه الخطوة، فضلا عن المبرر الذي اعتمده رئيس دولة ليبرم اتفاقيات مع حكومة غير شرعية، وغير متوافق عليها داخل بلد يعاني صراعا داخليا.
جانب آخر يؤكد أن حكومة السراج فاقدة لشرعيتها، هو ذلك المتعلق بالبرلمان الليبي، الذي انتخبه أبناء الشعب أنفسهم، والذي رفض أن يصادق على "حكومة الوفاق" مرتين، وبالتالي فهي لم تحصل على صفة شرعية تمارس على أساسها مهامها كحكومة لليبيين.
جدل الصخيرات
وفي هذا الصدد، أوضح الباحث في الشؤون الاستراتيجية فرج زيدان، مجريات الأحداث في اتفاق الصخيرات، المتعلقة بالبرلمان الليبي، قائلا: "تم التوقيع على اتفاق الصخيرات من قبل اثنين من أعضاء لجنة الحوار عن مجلس النواب، وبالتالي لم يتم اعتمادها تحت قبة البرلمان، لأن لجنة الحوار مفوضة من قبل المجلس للحوار فقط وليس لاتخاذ القرار".
وأضاف لموقع "سكاي نيوز عربية": "اتخاذ القرار يتم تحت قبة البرلمان، بالتصويت وفقا للائحة الداخلية لمجلس النواب، باعتبار أن هذا الأمر سيعد تعديلا للإعلان الدستوري الحاكم في ليبيا، وهذا التعديل يتطلب نصاب الثلثين، وهو ما لم يتحقق، ولهذا فإن اتفاق الصخيرات فقد الشرعية الوطنية".
حكومة ميليشياوية
أما النقطة الأخطر، التي توضح ولاءات حكومة السراج، والتي تعكس بدورها عدم شرعيتها، فتتعلق بمهمة أساسية كان يفترض أن تكون من أولوياتها، وهي أن تعمل على دعم الجيش وسحب السلاح من الميليشيات المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، وهو ما حدث عكسه تماما على أرض الواقع.
فحكومة السراج تعتمد اعتمادا تاما على ميليشيات تضم عناصر إرهابية، لحمايتها ومحاربة الجيش الوطني الليبي، لتعمل على تمزيق البلاد أكثر فأكثر.
والمثير للدهشة أن الحكومة تحظى بدعم تلك الميليشيات بشكل علني، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا لمواجهتها، أو لإعادة تسليح الجيش الليبي.
ومن هذه الميليشيات، "كتيبة حطين" بقيادة صلاح بادي، المدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي منذ نوفمبر 2018 بتهمة زعزعة الأمن في ليبيا، إلى جانب قائمة الإرهاب التي أعلنها البرلمان قبل نحو سنتين.
وتضم الميليشيات الداعمة لحكومة السراج أيضا، ميليشيات مصراتة، من بينها "كتيبة محمد الحصان"، بالإضافة إلى ميليشيا "البقرة" و"كتيبة 301" بقيبادة عبد السلام زوبي، وميليشيا أسامة الجويلي من الزنتان، وميليشا اغنيوة و"فرسان جنزور" في طرابلس، وميليشيا أبو عبيدة من الزاوية.
وأشار زيدان في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن التحالف مع الميليشيات بدأ "عندما تم السماح لهذه الحكومة الوليدة التي تسمى بالمجلس الرئاسي، أن تجتمع في طرابلس قبل حل الميليشيات المسلحة، وبهذا أصبح المجلس خاضعا لتلك الميليشيات".
واستطرد قائلا: "المجلس الرئاسي في البداية كان يمارس مهمامه من تونس، ولكي تقبل به الميليشيات في طرابلس، عقد معها صفقة، تم بموجبها احتواء الميليشيات داخل وزارتي الداخلية والدفاع التابعتين للمجلس الرئاسي، ومنحها الأموال والمرتبات العالية".
وشدد الباحث في الشؤون الاستراتيجية على أن هذا "يتعارض مع باب الترتيبات الأمنية في اتفاق الصخيرات، الذي ينص على حل هذه الميليشيات وتسليم ذخائرها، مما أدى إلى اختطاف المشهد السياسي من قبل تيارات فجر ليبيا، التي انقلبت على المسار الديمقراطي، واحتكرت المجلس الرئاسي لنفسها".
ونوه زيدان إلى أن تلك الخطوة دفعت بأعضاء المجلس الرئاسي المقربين من الجيش، إلى تقديم استقالاتهم ومقاطعة الجلسات.
وتابع: "الميليشيات قامت بالعديد من أعمال الإكراه والتهديد بحق أعضاء المجلس الرئاسي المقربين من الجيش، مثل علي القطراني الذي مُنع من أن يأتي إلى طرابلس على الإطلاق، وموسى الكوني الذي تم التضييق عليه وتهديده وقدم استقالته، لأنهم أرادوا إلغاء التوازن السياسي داخل المجلس الرئاسي، ليكونوا هم المحتكرين له".
نتيجة عكسية
كل تلك الأحداث أثرت بشكل سلبي على الداخل الليبي، لكنها لم تدفع المجتمع الدولي ليحرك ساكنا، إلى أن أقبل السراج على خطوته الأخيرة بالاتفاق مع تركيا، التي اعتقد أنها ستفيده، دون أن يدرك أنها ستضعفه دوليا وستبرز عدم شرعيته.
فمذكرتي التفاهم الأخيرتين، خاصة تلك المتعلقة بتعيين الحدود البحرية، تضران بشكل مباشر بدول الجوار الليبي، ودول أوروبية كبيرة، مثل اليونان وقبرص ومصر وإيطاليا وفرنسا، وبالتالي فإن الاعتراف الدولي الذي يعتمد عليه السراج وحكومته، سيُسحب منه شيئا فشيئا.
وقال زيدان: "عندما كانت القرارات التي صدرت من العناصر المتبقية بالمجلس الرئاسي خاصة بالشأن الليبي الداخلي، فإن الدول الأخرى لم تتأثر بذلك، لكن عندما تم اتخاذ قرار التوقيع على مذكرة التفاهم مع النظام التركي، أصبحت المسألة تمس بمصالح الكثير من الأطراف، خاصة الدول الأوروبية".
وتابع: "أدى هذا إلى سحب العديد من الدول المتضررة اعترافها بهذا القرار بالذات، مما يمثل بداية التغيير، كما أن الاتفاق جاء في مصلحة الجيش الوطني والمؤسسات الشرعية والبرلمان، لأنه أصبح ينظر إليه بشكل دولي، على أنه الممثل الشرعي للشعب".
وختم زيدان حديثه، قائلا: "ما قام به السراج من حماقة أصبح يقوي المؤسسات الشرعية، وأصبحت الحكومة الليبية المؤقتة في شرق ليبيا، تتواصل مع أطراف دولية، بالإضافة إلى قيادة الجيش التي تواصلت أيضا بشكل رسمي مع دول في شرق المتوسط".
قد يهمك أيضَا:
الرئيس عبدالفتاح السيسي يُحذِّر مِن المساس أو السيطرة على السودان وليبيا
المجلس الأوربي يؤكد أن المغرب حليف موثوق ووجهة آمنة لاستثمار
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر