أكدت ديانا مقلّد، إعلامية لبنانية ومؤسِّسة مشاركة وسكرتيرة تحرير في موقع "درج" الإلكتروني، على أن الدولة التي أُعيد تشكيلها حول حزب الله غداة انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1990 وصلت إلى شفا الانهيار. وأضافت ديانا مقلد قائلة إنه سرعان ما سيجد حزب الله نفسه في مواجهة واقع أن مَن دفع بهم إلى النزول إلى الشارع لترهيب المحتجّين وإطلاق الهتافات "شيعة، شيعة"، هم أيضاً جياع ومغلوبون على أمرهم وعاطلون عن العمل، علمًا بأن انقسامات واضحة بدأت تظهر في صفوف الحزب. ثمة أشخاص كانوا يثقون بحزب الله، وهم يعلنون اليوم دعمهم للانتفاضة. لقد اكتشف اللبنانيون أن دولتهم، منظومتها المالية، ومصرفها المركزي، وقطاعها المصرفي، سرقت مدّخراتهم بأساليب عدّة، بما في ذلك من خلال الفساد المستشري على نطاق واسع. وحزب الله ورعاته الإقليميون هم في صلب هذا النظام.
ورصد مايكل يونغ، محرر مدونة "ديوان" ومدير تحرير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، آراء عدد من الخبراء والإعلاميين حول مدى تأثير الانتفاضة اللبنانية على مستقبل حزب الله. يأتي الرصد، الذي تم نشره في باب "عقول باحثة" على موقع مركز كارنيغي، في إطار سلسلة من الاستطلاعات يقوم بها يونغ بشكل دوري لآراء الخبراء حول الأمور المتعلقة بالسياسة والأمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فجوة بين القيادة والقاعدة الشعبية
وقال علي هاشم، مراسل "بي بي سي" للشؤون الإيرانية، إنه كانت أمام حزب الله فرصة كبرى للبناء على الاحتجاجات الشعبية في مستهل الانتفاضة اللبنانية. فقد كان سجل الحزب نظيفاً في ما يختص بفساد الدولة، مقارنةً مع الأفرقاء الآخرين في النخبة السياسية في لبنان. بيد أن رد فعل الحزب على الحراك الشعبي بدأ بموقف شديد التشكيك وانتهى بالعداء للحراك، ما ولّد هوةً بينه وبين شريحة من قاعدته الشعبية قرّرت البقاء في الشارع. وقد واجه الحزب أزمة أولويات اكتسبت طابعاً حسّاساً لناحية تأثيرها على جاذبيته، على ضوء الرسائل المتناقضة التي بعث بها. لكنه لا يرى، حتى اللحظة، أن الانتفاضة تحوّلت إلى تهديد للحزب، إذ إنه تمكّن من الترويج لسرديته لدى القسم الأكبر من مناصريه الذين بدأوا يتعاطون بطريقة سلبية مع المتظاهرين. لكن الخطر الحقيقي يُهدّد، بحسب رأي علي هاشم، مصداقية الحزب على خلفية الحملة، التي أعلنها بنفسه ضد الفساد قبل انتخابات 2018.
تشكيك غير مسبوق في الشعبية
وترى أوريلي ضاهر، أستاذة مساعدة في جامعة باريس-دوفين وفي كلية العلوم السياسية في باريس، وهي أيضا مؤلِّفة كتاب "حزب الله: التعبئة والنفوذ" أنه مع نزول اللبنانيين إلى الشارع احتجاجاً في أكتوبر، سرعان ما تردّد أن حزب الله وجد نفسه في مواجهة تشكيك غير مسبوق في شعبيته داخل الطائفة الشيعية، التي تُعتبَر بيئته الطبيعية. بيد أن تشكيك الطائفة بشرعية بعض قادة الحزب ونزاهتهم ليس بالأمر الجديد. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى النائب عن الحزب، حسين الحاج حسن، الذي واجه صيحات الاستهجان في الانتخابات النيابية في عام 2018. وينطبق الأمر نفسه على وفيق صفا، المسؤول الأمني في الحزب ورئيس لجنة الارتباط والتنسيق مع مؤسسات الدولة، وعلى نجل الشيخ محمد يزبك الذي اتُّهِم ببيع الأسلحة إلى الثوّار السوريين في العام 2012.
أنصار لحزب الله
ويتابع مركز كارنيغي أن الانتقاد لا يعني هجر الحزب والتخلّي عنه. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن أمين عام الحزب، حسن نصر الله، لم يتعرض مطلقاً للإساءة والشتم، حتى في بداية الاحتجاجات. ففي أفضل الأحوال، رُفِع التحدي في وجهه وطالبه المحتجون بمعالجة هواجس الناس. لكن الشيعة لم يعتبروه على الإطلاق واحداً من السياسيين الذين يدينهم المحتجّون. والحال هو أنه لم يكد يدعو إلى وقف الاحتجاجات حتى امتثل مناصروه على نطاق واسع. لايزال رابط الثقة والطاعة قائماً.
ويضيف أن حزب الله، يحتل منذ نحو 15 عاماً تقريباً موقعاً محورياً في اللعبة السياسية الوطنية، استناداً إلى ركيزتَين اثنتين، تتمثل الأولى في العلاقة الاستثنائية التي تربط أكثرية ساحقة من الشيعة بقيادة الحزب، ولاسيما نصر الله. والحال أننا لا يوجد لدى أي طائفة أخرى رابطاً قوياً بهذا القدر يوجّه الإعجاب والثقة والعطف نحو الجهة السياسية الأساسية التي تمثّل الطائفة. أما الركيزة الثانية فكناية عن منظومة فاعلة من التحالفات مع أفرقاء خارج الطائفة الشيعية. وقد أتاحت هذه التحالفات لحزب الله توسيع نطاق رافعات النفوذ التي يمكنه استخدامها في أجهزة الدولة، وسمحت له أيضاً ببناء قاعدة دعم تمتد إلى خارج الطائفة الشيعية. ويبدو، حتى تاريخه، أن هاتين الركيزتين تحافظان جيداً على صمودهما. وعليه، ليس لحزب الله أن يقلق، في المدى المتوسط، من تعرُّض مركزيته للتحدي على المستوى الوطني.
التحدي الأشد خطورة
ويشير مهند الحاج علي، مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، ومؤلّف كتاب "القومية والرابطة العابرة للقومية والإسلام السياسي.. هوية حزب الله المؤسسية"، إلى أن الانتفاضة اللبنانية، لأسباب مالية وسياسية، تمثل التحدّي الأشد خطورة لمستقبل حزب الله منذ النزاع مع إسرائيل في العام 2006. فعلى الصعيد المالي، يواجه الحزب مأزقاً كبيراً نظراً إلى أن طائفته، والبلاد بأسرها، ينزلقان سريعاً نحو الفقر، في ظل ضآلة الخيارات أو الإمكانات المتاحة له للتخفيف من هذه الأزمة. وهذا أمرٌ جديد. ففي أعقاب الدمار الذي تسبب به نزاع 2006، سارع الحزب إلى تأمين السيولة من إيران للآلاف من أبناء الطائفة الشيعية في لبنان تفادياً لرد فعل غاضب من جانبهم.
وبادرت الدول الخليجية أيضاً إلى تقديم مساعدات لإعادة الإعمار. أما اليوم فمستوى المعاناة الاقتصادية في إيران وعلاقة العداء بين حزب الله وبين دول الخليج تحولان دون تكرار تجربة المساعدات المربحة، التي توافرت في العام 2006. ويواجه حلفاء حزب الله في سوريا والعراق تحديات مماثلة، وهم عاجزون عن تأمين المساعدات. بدأت تظهر بدائل شيعية عن حزب الله ودائرة النفوذ الإيراني. فالحزب هو اليوم بمثابة خط حماية أساسي للوضع القائم حيث يستشري الفساد، من خلال أدائه دوراً ناشطاً في قمع الاحتجاجات في بيروت وكذلك في البلدات ذات الأكثرية الشيعية في الجنوب وسهل البقاع. بات لتفكير حزب الله في مجال نظرية المؤامرة تأثير أضعف من أي وقت آخر، وتراجعت فاعليته في إقناع الشيعة اللبنانيين بالخروج من ساحات الاحتجاج، لا سيما أن الوضع الاقتصادي يزداد تدهوراً.
ويعد الرابط العراقي مهما أيضا حيث إن الشيعة في لبنان تجمعهم روابط دينية وثقافية بإخوانهم العراقيين الذين التحق عددٌ كبير منهم بالاحتجاجات تنديداً بالنفوذ الإيراني في بغداد. ويتجلى الأثر بصورة خاصة في الميدان الديني، فقد التحق رجال دين مرموقون في لبنان، على غرار جعفر فضل الله، نجل الإمام الراحل السيد محمد حسين فضل الله، بالاحتجاجات، ما يُقوّض المحاولات التي يبذلها حزب الله لشيطنة الحراك. إنها نزعةٌ جديدة سيكون لها تأثير على احتكار ثنائي حزب الله وحركة أمل للتمثيل الشيعي في لبنان.
قد يهمك أيضًا :
قنصلية إيران في النجف تشتغل للمرة الثالثة خلال أسبوع رفضًا لتدخلات طهران في الشأن العراقي
مقاتل سابق يوضِّح تفاصيل ما يجري داخل "حزب الله"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر