نواكشوط - معاوية سليمان
تميز العام 2013 فى موريتانيا باستمرار الأزمة السياسية وحالة المواجهة بين السلطة والمعارضة، حيث كثفت الأخيرة من احتجاجاتها المطالبة بإسقاط نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز. ودخل الصراع السياسي مع نهاية العام (نوفمبر ويسمبر) منعطفا جديدا بتنظيم السلطات للانتخابات التشريعية والمحلية على الرغم من مقاطعة المعارضة الراديكالية لتلك الانتخابات ورفضها الاعتراف بشرعية البرلمان المنبثق عنها.
ومضى النصف الأول من العام وموريتانيا فى حالة قلق من تداعيات التدخل العسكري الفرنسي والحرب فى إقليم أزواد بين الفرنسيين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحيث تدور المعارك في منطقة محاذية لحدودها التي عرفت نزوح ما يقارب 100 ألف لاجئ لا يزالون يقيمون في مخيمات للجوء داخل أراضيها.
أزمة الانتخابات التشريعية
بعد سنتين من التأجيل بلغ فيهما التوتر السياسي ذروته، حسمت الحكومة الموريتانية قرارها بإجراء الانتخابات البلدية والتشريعية في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر 2013؛ بمشاركة أحزاب الموالاة وبعض أحزاب المعارضة؛ مع مقاطعة واسعة من غالبية أحزاب المعارضة الراديكالية. كما لم تثمر مساعي الفرصة الأخيرة التي قادها السفير الفرنسي وسفراء الاتحاد الأوروبي فى نواكشوط (فى شهر أكتوبر) فى إقناع زعيم المعارضة أحمد ولد داداه بعدول المعارضة الراديكالية عن قرارها بمقاطعة الانتخابات مقابل توسط الدبلوماسيين لدى النظام لتأجيلها لبعض الوقت، وهو ما رفضه ولد داداه متمسكا بشروط منسقية المعارضة التى سبق وأعلنتها ومن بينها تشكل حكومة توافقية للإشراف على الانتخابات.
وأسفرت الانتخابات التشريعية التي نظمت جولتها الأخيرة يوم 21 دجمبر 2013 عن حصول النظام على أغلبية مريحة مع حصول المعارضة المعتدلة التي شاركت فى الانتخابات (أحزاب التحالف الشعبي، الوئام وتواصل الإسلامي) مجتمعة على ما يمثل نسبة 20% من البرلمان.
مقاطعة الانتخابات:
تمسك أكثر من 14 حزبا سياسيا منضويا تحت لواء منسقية المعارضة بمقاطعة الانتخابات التشريعية والمحلية، معتبرة أن خرق النظام للآجال الدستورية للانتخابات البلدية والتشريعية (التى كانت مقررة فى نفمبر2011) وتأجل تنظيمها لمدة سنتين، هو ما أدخل البلاد في وضعية فراغ انتخابي، لا يمكن تجاوزه إلا من خلال إجماع وطني، يشترك فيه جميع أطراف الطيف السياسي بالبلد.
واتهمت نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بتعمد الالتفاف على أية خطوة جادة، تخدم الإجماع، راميا عرض الحائط بالدستور وقوانين البلد ومتنكرا لجميع التزاماته السياسية.
التهديد الأمني لتنظيم القاعدة
شكل الوضع الأمني طيلة العام 2013 مصدر قلق للسلطات الموريتانية بالنظر الى التداعيات المحتملة للصراع المسلح فى مالي على استقرار البلد ومنطقة الساحل الافريقي، وخصوصا في ما يتعلق بخطرين رئيسيين تواجههما وحدة موريتانيا وكيانها كدولة:
الخطر الأول: أن تتسبب الحرب فى شمال مالي بين الفرنسيين وتنظيم القاعدة من جهة وبين المتمردين الطوارق والحكومة المالية من جهة أخرى، في تفجير الخلافات بين المجموعات السلفية وانشطارها إلى زمر متناحرة تتخذ من موريتانيا ساحة لمعاركها وميدانا لأنشطتها التخريبية، ومجالا لتعاطي تهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات وممارسة أعمال السطو والابتزاز واختطاف الرهائن وتخريب المنشآت الاقتصادية، سعيا إلى ضرب الاقتصاد الموريتاني وزعزعة الأمن والاستقرار بالبلاد تمشيا مع الخطة العامة التي يهدف “تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي” إلى تنفيذها في المنطقة.
الخطر الثاني: ويتمثل في أن تقود الحرب الدائرة على الحدود مع مالي، بالإضافة إلى الصراع الداخلي على السلطة بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومعارضته، إلى إضعاف السلطة المركزية وخلق حالة من الفوضى يستغلها التحالف القائم اليوم في موريتانيا بين الحراطين (العبيد السابقين) والأفارقة الزنوج من أجل إشعال حرب أهلية أو للوصول إلى السلطة.
حقوق الإنسان: تدويل قضية العبودية
تميز العام 2013 في موريتانيا بحراك اجتماعي نشط واحتجاجات فى أوساط الطلاب والعمال، وتعاملت الحكومة مع مختلف تلك الاحتجاجات بقدر كبير من القسوة والعنف المفرط من طرف قوات الأمن.
وفي مطلع العام، قام مجلس حقوق الإنسان الدولي (مقره في جنيف) بتقييم سجل موريتانيا في مجال حقوق الإنسان فى إطار «آلية المراجعة الدورية العالمية». والتزمت الحكومة بوضع حد لاستخدام التعذيب والمعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة، واستخدام القوة المفرطة على أيدي الشرطة وقوات الأمن، كما التزمت بوضع إستراتيجية وطنية للقضاء على الرق بجميع أشكاله.
وبالرغم من أن الدستور والقوانين الموريتانية تحظر مثل هذه الممارسات، تفوم الشرطة بضرب وإساءة معاملة السجناء و المحتجزين. كما أن الأشخاص الذين لا يملكون المال ولا ينتسبون إلى عائلات ذات نفوذ ولا تربطهم صلات بقبائل قوية هم الأكثر عرضة لسوء المعاملة. وأشارت تقارير الهيئة الوطنية للمحامين خلال 2013 الى أن عمليات التعذيب تمثل إجراءات شائعة في السجون، واستخدام قوى الأمن للتعذيب كأداة تحقيق وقمع من أجل انتزاع الاعترافات، وشملت أساليب التعذيب الصدمات الكهربائية والحرق والضرب واقتلاع الشعر والاعتداء الجنسي.
كما حافظت قضية العبودية على صدارة الأحداث طيلة العام 2013 إذ تعتبر مسالة العبودية من الظواهر المنتشرة فى المجتمع الموريتاني وتثير جدلا واسعا حيث تتهم المنظمات الحقوقية المدافعة عن ضحايا الرق الحكومة الموريتانية بالتمالئ مع الاسياد وتجنب مواجهتهم بحزم بل وتعمد الى مضايقة النشطاء الحقوقيين من أبناء العبيد ورميهم في السجن كما حصل مرات مع زعيم حركة “الانعتاقية” بيرام ولد اعبيدي.
وأحيا تقرير دولي جديد صادر قبل فى شهر أكتوبر 2013 الجدل الاجتماعي حول وجود العبودية كممارسة واسعة فى موريتانيا مع ما تثيره القضية من توترات وانقسام داخل المجتمع الموريتاني بين شريحتي العبيد والأرقاء السابقين (الحراطين) والشريحة العربية (البيظان، الذين يمثلون ملاك العبيد فى السابق).
وأشار التقرير الى أن العبودية في موريتانيا هي في المقام الأول عبودية “تملك” بمعنى أن البالغين و الأطفال من العبيد هم ملك كامل لأسيادهم الذين يمارسون عليهم و على ذريتهم حقوق الملكية الخاصة.
وفى شهر نوفمبر 2013 أخذت قضية العبودية فى موريتانيا بعدا وزخما دوليين بإعلان الأمم المتحدة عن منح الناشط الحقوقي الموريتاني المناهض للرق بيرام ولد اعبيدي جائزة الأمم المتحدة السنوية لحقوق الإنسان عرفانا بجهوده لتحرير العبيد فى موريتانيا.
الاقتصاد: انتشار الفقر وضعف التنمية
لم يسجل الاقتصاد الموريتاني خلال 2013 تحسنا كبيرا فى مؤشرات النمو مقارنة بالعام الذي سبقه، فقد ظل النمو بطيئا ولم تتجاوز نسبته 4.7% فيما وصل العجز فى الموازنة الى 22% ونسبة التضخم الى 7%. وذلك حسب الإحصائيات الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
وقد انعكست الأزمة الاقتصادية على الظروف الحياتية للسكان حيث ارتفعت البطالة فى صفوف الشباب الى معدل 21% وظلت مستويات الأجور متدنية مقابل ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمحروقات التي سجلت زيادات متكررة خلال العام 2013. وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية تراجع مداخيل موريتانيا من العملة الصعبة بسبب تراجع أسعار الحديد فى الأسواق الدولية حيث تمثل صادرات موريتانيا من الحديد الخام ما يمثل 30% من مداخيل الميزانية، وأيضا مماطلة الاتحاد الأوروبي فى التوقيع على اتفاقية الصيد مع موريتانيا والتى تحصل الأخيرة بموجبها على مبلغ 300 مليون يورو مقابل الترخيص للبواخر الأوروبية للاصطياد فى المياه الموريتانية.
ووفقا للإحصاءات الصادرة عن هيئات التمويل الدولية فان نسبة 70% من الموريتانيين يعيشون تحت خط الفقر ويفتقرون الى الخدمات الأساسية من الغذاء الى التعليم والصحة، ورغم ان الحكومة وضعت إستراتيجية خماسية لمكافحة الفقر إلا ان التنفيذ يتميز بالبطئ وضعف الفعالية مع انتشار للفساد والزبونية.
وفى شهر يونيو 2013 بدأ العمل فى أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية فى غرب افريقيا، وتنتج المحطة 15 ميغاوات من الكهرباء مما يساهم في الحد من العجز في الكهرباء الذي تعرفه العاصمة نواكشوط. وتم بناء المحطة بتمويل من الإمارات العربية المتحدة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر