أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الجمعة، أوامر لأجهزته الأمنية بـ«تقليص مستوى التنسيق الأمني» مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، إلى «الحد الأدنى المطلوب»، وطالبته فصائل المعارضة بإجراءات أكثر حدة، ومنها الانسحاب من اتفاقيات «أوسلو».
ورد اليمين الإسرائيلي مهددا بأنه «يجب أن يدفع الفلسطينيون ثمن موقفهم هذا، واقترح المتطرفون الإسرائيليون هدم قرية الخان الأحمر قبيل الانتخابات».
وجاء إعلان عباس في إطار قراره وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، عقب عدة تطورات كان أهمها إقدام إسرائيل على هدم منازل فلسطينيين في مناطق خاضعة للسلطة الفلسطينية قريبة من مدينة القدس، إضافة إلى الأجواء المشحونة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، خصوصاً بعد وقف تل أبيب تحويل أموال ضريبية لصالح السلطة الفلسطينية، ما وضعها في أزمة مالية خانقة، عوضاً عن الإجراءات الأميركية المتخذة ضد السلطة الفلسطينية، ومنها إغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ووقف الدعم المقدم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
واتخذ عباس قراره بعد التشاور مع قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وقال عقب اجتماع القيادات الفلسطينية مساء الخميس، في مقر الرئاسة (المقاطعة) في مدينة رام الله: «لن نرضخ للإملاءات وفرض الأمر الواقع على الأرض بالقوة الغاشمة، وتحديداً في القدس، وكل ما تقوم به دولة الاحتلال غير شرعي وباطل». وتابع: «أيدينا كانت وما زالت ممدودة للسلام العادل والشامل والدائم؛ لكن هذا لا يعني أننا نقبل بالوضع القائم أو الاستسلام لإجراءات الاحتلال، ولن نستسلم ولن نتعايش مع الاحتلال، كما لن نتساوق مع (صفقة القرن)، ففلسطين والقدس ليست للبيع والمقايضة، وليست صفقة عقارية في شركة عقارات».
وشدد الرئيس عباس على أنه «لا سلام ولا أمن ولا استقرار في منطقتنا والعالم، من دون أن ينعم شعبنا بحقوقه كاملة، ومهما طال الزمان أو قصر سيندحر الاحتلال البغيض وستستقل دولتنا العتيدة». وبعد أن أعرب عن شكره لكل دول العالم الصديقة والشقيقة التي تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة في المحافل الدولية، طالب عباس بخطوات عملية، وتنفيذ القرارات الأممية على الأرض، ولو لمرة واحدة.
ورأى مراقبون أن القرار له معنى وطني قد يسهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية الداخلية على الأقل، وظهرت مؤشرات إلى ذلك، بترحيب حركة «حماس» بالقرار الذي اعتبرته «خطوة في الاتجاه الصحيح، تتوازى مع متطلبات المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وتصحيح لمسارات خاطئة لطالما حرفت المسار السياسي الفلسطيني».
وأضافت الحركة أن «ما يتطلع إليه شعبنا هو إجراءات عملية حقيقية عاجلة، تترجم هذه القرارات إلى أفعال، وفي إطار برنامج عملي يبدأ بإعلان فوري عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال».
وحثت حركة «حماس» على «دعوة الإطار القيادي الفلسطيني المؤقت لتدارس سبل تنسيق العمل المشترك، وتبني استراتيجية ترتكز إلى خيار المقاومة لمواجهة (صفقة القرن) وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ويلات، وحمايته من الإجرام الإسرائيلي المتواصل».
وأصدرت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بياناً رحبت فيه هي أيضاً بالقرارات، وطالبت بالانسحاب الفلسطيني من اتفاقيات أوسلو.
وأعلن نائب رئيس حركة «فتح» اللواء محمود العالول، أن الجانب الفلسطيني «سيوقف العمل بالاتفاقيات كافة، حتى توقف إسرائيل جرائمها، ليس في المجال الأمني فقط؛ بل في كل شيء». وأوضح العالول أن اللجنة المقررة ستضع آليات تنفيذ القرار المتخذ ابتداء من اليوم، بما يشمل جميع الاتفاقيات. واعتبر العالول أن هذا القرار بمثابة «صرخة فلسطينية أمام الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، من عمليات الهدم والدمار والقتل، وبأننا لا يمكن قبول استمرار الوضع القائم على ما هو عليه». وأشار العالول إلى أن «الاتفاقات الموقعة بيننا وبين الإسرائيليين تم خرقها بفظاظة من الجانب الإسرائيلي».
ورحبت حركة «المبادرة الوطنية الفلسطينية» بقيادة النائب مصطفى البرغوثي، بقرار وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني بكل أشكاله. ودعت إلى تنفيذ هذا القرار فوراً، بعد أن خرقت إسرائيل كل الاتفاقيات وبدأت بعملية ضم فعلي للصفة الغربية.
وقال أمين سر حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، فتحي أبو العردات، إن قرار الرئيس عباس والقيادة بوقف العمل بكافة الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، موقف تاريخي ومهم، ويضع الجميع أمام مسؤولياته في التصدي للسياسات العنصرية التي تنتهجها حكومة الاحتلال ضد أبناء شعبنا ومقدساته الإسلامية والمسيحية؛ خصوصاً في مدينة القدس المحتلة. وأضاف أبو العردات في حديث لـ«وفا» أن موقف الرئيس يأتي في ظل هجمة أميركية إسرائيلية شرسة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء مشروعنا الوطني الفلسطيني، مشيراً إلى تطابق الموقفين الأميركي والإسرائيلي تجاه فلسطين، والتبني الأميركي لكافة القرارات والانتهاكات والجرائم الإسرائيلية التي ترقى إلى مستوى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية.
وردت إسرائيل على الموقف الفلسطيني باستخفاف. وقال وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي إيلي كوهين، وهو عضو في المجلس الوزاري الأمني المصغر، إن عباس، لم يكن ملتزماً أصلاً بالاتفاقيات مع إسرائيل التي أعلن وقف العمل بها. وهدد: «الشعب الفلسطيني هو من سيدفع الثمن». وقال كوهين: «ما الذي سيفعله أبو مازن (عباس) الآن؟ هل سيعود إلى التحريض في المدارس ضد إسرائيل؟ أم سيدفع رواتب لعائلات منفذي العمليات؟ عفواً، فهو دائماً يقوم بذلك. إنه لم ينفذ ما ورد في الاتفاقيات مع إسرائيل؛ بل كان محرضاً على تنفيذ عمليات الإرهاب ضدنا».
وفي اليمين المتطرف أكثر، طالبت حركة «ريغافيم» الاستيطانية بالإطاحة بما أسمته «دولة الإرهاب الفلسطينية التي تقام خلف المنعطف». وزعمت هذه الحركة، التي تضم في صفوف قياداتها وزير المواصلات، بتصلئيل سموتريتش، أن «الفلسطينيين بنوا 28651 مبنى جديداً في المنطقة (C) التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، بموجب اتفاقيات أوسلو، وذلك تحت أنف الحكومة الإسرائيلية. ولذلك يجب التخلص من هذه السلطة والبدء بالعمل فوراً من أجل منع دولة إرهاب في ساحتنا». ودعت إلى البدء بهذا عملياً بواسطة هدم قرية الخان الأحمر، الواقعة جنوبي القدس، فورا.
قد يهمك أيضا:
عبدالله الثاني يُطالِب الأسرة الدولية بالتحرُّك لوقف ممارسات إسرائيل الاستيطانية
الملك عبدالله الثاني يبحث مع محمود عباس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر