أثار كلام رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، والمتصل بملف النازحين السوريين، ضجّةً سياسيّةً واسعة، باعتباره مقدِّمة لتطوير العلاقة مع النظام السوري في اتجاه التطبيع الكامل.
قال الرئيس عون إنّ “شروط العودة الآمنة للنازحين السوريين أصبحت متوافرة، فالوضع الأمني في معظم أراضي سورية أضحى مستقرًا، والدولة السورية أعلنت رسميًا وتكرارًا، ترحيبها بعودة أبنائها النازحين، ولكن في المقابل ترتسم لدينا علامات استفهام حول موقف بعض الدول الفاعلة والمنظمات الدولية المعنية الساعية إلى عرقلة هذه العودة، وكأني بالنازحين قد تحوّلوا رهائن في لعبة دولية للمقايضة بهم عند فرض التسويات والحلول، وهذا ما قد يدفع لبنان حكمًا إلى تشجيع عملية العودة التي يجريها بالاتفاق مع الدولة السورية لحلّ هذه المعضلة التي تهدّد الكيان والوجود”.
عندما يتكلم رئيس الجمهورية على “تشجيع عملية العودة التي يجريها بالاتفاق مع الدولة السورية”، فيعني المزيد من الشيء نفسه، أي من خلال القنوات الموجودة إن الديبلوماسية او الأمنية من خلال اللواء عباس إبراهيم، وإذا تبيّن وجود حاجة فعلية لا صورية لتنسيق وزاري فالأمور ليست مقفلة.
ويبقى الأساس في ملف اللاجئين هو عودتهم، فإذا كان من ثمة خطة عملية في إطار آلية زمنية محددة وواضحة المعالم تؤدي إلى عودة كاملة وإقفال هذا الملف ضمن فترة 6 أشهر كحدّ أقصى، فلا اعتراض على ذلك، لأنّ ما يؤدي إلى عودتهم الفعلية هناك استعداد جدي للبحث فيه باستمرار، شرط ألّا يتّخذ هذا الملف ذريعةً لفكّ الحصار عن نظام الأسد وحجة لتوجيه رسالة الى المجتمعين الدولي والعربي ومطيّةً للعودة السياسية الى لبنان، الأمر الذي يعرِّض لبنان لعقوبات لا طاقة له على تحمّلها ومن دون عودة فعلية للاجئين.
أقرأ أيضا :
الرئيس اللبناني يدين الاعتداءالإسرائيلي على ضاحية الجنوبية في بيروت
ولكن لو كان النظام السوري يريد عودة أبنائه فعليًا، لكان أعادهم بتنسيق ومن دون تنسيق، وإذا كان يبحث عن ثمن سياسي لعودتهم فيعني انه لا يريد عودتهم، فضلًا عن أنّ ثمة ثلاث عقبات لم تجد الحلول المطلوبة لها بعد:
العقبة الأولى، رفض المنظمات الدولية توفير المساعدات للاجئين خارج الأراضي اللبنانية، ما يعني أنّ عودتهم الى سورية تعني وقف هذه المساعدات لعائلات تعتبر أنها في حاجة الى تلك المساعدات في ظلّ عدم توافر فرص العمل في سورية، وبالتالي لن تتجاوب مع العودة الطوعية، ما يعني أنّ موقف الرئيس عون من تلك المنظمات على حق، ولكن ما العمل على هذا المستوى؟ وكيف يمكن إقناع تلك المنظمات بمواصلة مساعداتها بعد عودتهم إلى ديارهم؟
العقبة الثانية، تكمن في توقف الكلام على إعادة إعمار سورية وربط هذه الخطوة بالاتفاق السياسي النهائي وليس بانتهاء الأعمال الحربية، ما يعني انّ المناطق التي كانت مسرَحًا للحرب ستبقى مدمَّرة بانتظار الحلّ النهائي، ما يعني صعوبة العيش فيها.
العقبة الثالثة، تتعلق برفض النظام العودة المفتوحة للاجئين، وإلّا لكان فتح الحدود أمام عودتهم، ولا خلاف على ما قاله رئيس الجمهورية عن “عودة ما يزيد عن 250 ألفًا ولم ترد أيّ معلومات عن تعرّضهم لأيّ اضطهاد أو سوء معاملة”، ولكن هؤلاء العائدين هم خارج لوائح الأمم المتحدة، أي أنهم لا يتلقّون المساعدات، كما أنهم حصلوا على موافقة مسبقة مقابل لوائح بعشرات الآلاف رفض النظام الموافقة على عودتهم.
والمؤسف أنّ النقاش في هذا الملف يخضع للتسييس بعيدًا عن النقاش الجدي، فيما “القوات اللبنانية” تقدمت بمبادرتين عمليتين ومن دون أن تحظيا بالبحث المطلوب بسبب عامل التسييس، المبادرة الأولى تتعلق بنقل اللاجئين من لبنان الى الحدود اللبنانية-السورية من الجهة السورية بإشراف روسي ورعاية أممية، وإمكانية إقناع المنظمات الدولية بمواصلة مساعداتها ممكنة لأنّ العودة النهائية لم تتحقق بعد، والمبادرة الثانية توزيعهم على الدول العربية التي تملك المساحات الشاسعة والإمكانات المطلوبة.
وفي الوقت الذي يبدي فيه رئيس الجمهورية حرصًا شديدًا على عودة اللاجئين ويضع هذا الملف ضمن أولوياته، إلّا أنه يبدي الحرص نفسه بالمقابل، ومن دون أدنى شك، على ثلاثة جوانب أساسية:
أولًا، حريص على علاقات لبنان العربية، وتحديدًا مع الدول الخليجية، خصوصًا مع المملكة العربية السعودية، وبالتالي لا يمكن ان يقدم على خطوة تفتقد الى الغطاء الداخلي وتستفز الدول العربية، علمًا أنّ الدولة السورية لم تستعد مقعدها داخل الجامعة العربية، كما أنّ الرئيس لن يفتح نافذة ويقفل أبوابًا.
ثانيًا حريص على تجنيب لبنان العقوبات الدولية، ومن أسباب تعليق إعادة الأعمار ليس فقط رفض المجتمعين الدولي والعربي المساهمة، إنما أيضًا خشية تعرّض أيّ دولة تقرّر المساهمة للعقوبات، ولا يستطيع لبنان أن يتحمّل عقوبات دولية.
ثالثًا حريص على الاستقرار السياسي في لبنان في مرحلة أحوج ما يكون فيها البلد للاستقرار من أجل تجاوز القطوع الاقتصادي الكبير والخطير، وهذه المرحلة لا تحتمل الانقسامات، ومعلوم أنّ هذا الملف سيعيد الفرز السياسي الى سابق عهده بين ٨ و ١٤ آذار ويؤدّي الى شلّ الحكومة وتعطيل المؤسسات.
فالرئيس سعد الحريري وبفعل موقفه الشخصي أولًا، وموقف بيئته ثانيًا، وموقف الدول العربية ثالثًا، والموقف الدولي رابعًا، لن يوافق على تضمين بند الإقرار الرسمي للتطبيع ضمن جدول أعمال مجلس الوزراء، وفي حال طرحه من خارج الجدول يغادر الجلسة فترفع على غرار موقفه من حادثة البساتين ورفضه إحالتها على المجلس العدلي، ويخطئ مَن يراهن على إمرار أو تهريب مسألة من هذا النوع.
فلكل هذه الاعتبارات والأسباب مجتمعة لن يقدم الرئيس عون على لقاء بشار الأسد لا في قصر المهاجرين ولا في خيمة على الحدود ولا في قصر بعبدا بطبيعة الحال.
قد يهمك أيضا :
مسؤولون يؤكّدون أنّ عباس يستعد للدعوة إلى انتخابات تشريعية أمام الأمم المتحدة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر