سيزيد رحيل رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، التي أعلنت نيتها ترك منصبها من عمق أزمة بريكست، إذ يرجح أن يرغب الزعيم الجديد في انفصال أكثر حسما وهو ما يزيد احتمالات الصدام مع الاتحاد الأوروبي وربما إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، كما طالبت المعارضة العمالية، لا يمكن التنبؤ بنتائجها. ويريد معظم المرشحين البارزين لخلافة ماي اتفاق خروج أكثر صرامة وإن كان الاتحاد الأوروبي قال إنه لن يعيد التفاوض على اتفاق الانسحاب المبرم مع بريطانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وفي خطوة استباقية حذّر رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي من أنّ الاتّحاد الأوروبي لن يقبل بإعادة التفاوض على اتفاق بريكست مع الشخصية التي ستخلف تيريزا ماي. وبعد ساعات على إعلان ماي استقالتها بسبب إخفاقها ثلاث مرات في تمرير اتفاق بريكست في البرلمان البريطاني، قال روتي خلال مؤتمر صحافي في لاهاي إنّ «اتفاق الانسحاب ليس قابلاً لإعادة التفاوض عليه». وأضاف أنّ الغموض المحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «زاد بدلاً من أن يقلّ»، مشدّداً في الوقت نفسه على أنّ «هولندا مستعدة لكلّ الاحتمالات، بما في ذلك سيناريو خروج (بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) من دون اتفاق».
وأضاف رئيس الوزراء الهولندي «المشكلة لا تكمن في تيريزا ماي» بل في الشروط الصارمة التي وضعتها بريطانيا لإبرام أي اتفاق مع بروكسل. وأعلن روتي في مؤتمره الصحافي أنّه اتّصل بماي عقب إعلانها استقالتها. وقال «لقد اتّصلت بها على الفور صباح اليوم وقلت لها إنّني أعتقد أنّ ما قامت به في السنوات الأخيرة كان شجاعاً وأنّها عملت في ظروف غاية في الصعوبة للتوصّل إلى بريكست».
ويعتبر موقف روتي هذا الأكثر تشدّداً بين المواقف التي عبّر عنها القادة الأوروبيون حتى الساعة، وهو يضع بعضاً من الطامحين لخلافة ماي في مأزق لأنّهم قالوا إنهم سيسعون لإعادة التفاوض على اتفاق بريكست الذي أبرمته ماي مع بروكسل.
وكان وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، المرشح الأوفر حظا لخلافة ماي، أول من بادر بالتعليق وقال إنه ينبغي لبريطانيا الاستعداد لترك الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق لإجبار التكتل على عرض «اتفاق جيد». وأضاف جونسون «مهمة زعيمنا القادم يجب أن تكون إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل صحيح وإتمام عملية بريكست بنجاح».
وقال جونسون في مؤتمر اقتصادي بسويسرا مخاطبا مؤيدي الانفصال داخل حزب المحافظين «سنترك الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) باتفاق أو بدون اتفاق». وبهذا فقد ازداد احتمال خروج لندن من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق في وقت لاحق هذا العام.
وقالت ماي في تصريحات أدلت بها خارج 10 داونينغ ستريت حيث بدأ عليها التأثّر إن «عدم قدرتي على إتمام بريكست أمر مؤسف للغاية بالنسبة لي وسيكون كذلك على الدوام». وأضافت وهي تحاول حبس دموعها «سيكون على الشخص الذي سيخلفني السعي للمضي قدما بطريقة تحترم نتائج الاستفتاء».
وأكد وزير الخارجية الحالي جيريمي هنت بعد ساعات من إعلان ماي أنه سيترشح لزعامة الحزب المحافظين الحاكم. وقالت ماي «سأترك عما قريب الوظيفة التي كان شغلها أعظم شرف في حياتي... ثاني رئيسة للوزراء ولكن بالتأكيد ليست الأخيرة». ومضت قائلة «أفعل ذلك وأنا لا أكن أي ضغينة بل أحمل امتنانا هائلا وراسخا لأن الفرصة سنحت لي لأخدم البلد الذي أحبه».
وتستقيل ماي، التي أيدت على مضض عضوية الاتحاد في الماضي، وفازت بالمنصب الرفيع في خضم الاضطرابات التي أعقبت استفتاء الخروج عام 2016. دون أن تنجز تعهدها الأساسي وهو قيادة المملكة المتحدة للخروج من التكتل ورأب الانقسامات.
وقالت ماي، 62 عاما، «أشعر وسأظل أشعر دوما بأسف عميق لعدم تمكني من إنجاز الخروج من الاتحاد الأوروبي» مضيفة أنه سيتعين على خليفتها أن يجد إجماعا للالتزام بنتيجة استفتاء 2016. وقال جيريمي كوربين زعيم حزب العمال المعارض إن على رئيس الوزراء الجديد أن يجري انتخابات برلمانية «ليسمح للشعب بتحديد مستقبل بلدنا». وبهذا تترك ماي وراءها بلدا منقسما بشدة ونخبة سياسية تواجه أزمة تتمثل في موعد الرحيل عن الاتحاد وكيفية إتمام ذلك. والموعد النهائي أمام بريطانيا للخروج من التكتل هو 31 أكتوبر.
وقالت إسبانيا إنه يبدو الآن من شبه المستحيل تفادي ما يسمى بالانفصال الصعب، وأشار الاتحاد إلى أنه لن تطرأ تغييرات على الاتفاقية. وأكد وزير الخارجية الآيرلندي سايمون كوفيني على موقف التكتل بأنه لن يكون هناك اتفاق أفضل. ويعتبر بوريس جونسون، وجه الحملة الرسمية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد في 2016، المرشح الأوفر حظا لخلافة ماي، وقالت شركات مراهنات إن فرصه للفوز بالمنصب تسجل 40 في المائة. ومن الأسماء الأخرى المرشحة لرئاسة الوزراء دومينيك راب وهو من مؤيدي الانفصال ووزير سابق لشؤون الانفصال. وستصبح ماي بين رؤساء الوزراء البريطانيين الذي قضوا أقصر فترات في مناصبهم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ سيتم تذكر حقبتها كإحدى أكثر الفترات فوضوية في تاريخ البلاد السياسي الحديث.
وأفادت المحللة لدى وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني ساره كارلسون، كما نقلت عنها الصحافة الفرنسية، أن إعلان ماي «يضاعف الغموض المحيط ببريكست» مضيفة أنه «يزيد من خطر حدوث بريكست بدون اتفاق». ويتوقع أن يحقق المحافظون نتائج سيئة مجددا في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع والتي ستعلن نتائجها في وقت متأخر الأحد.
وتقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالشكر لتريزا ماي على ما قدمته من عمل. وقال ماكرون في بيان أصدره قصر الإليزيه: «لقد قامت بعمل شجاع لتنفيذ عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) لمصلحة بلادها». وأضاف ماكرون في بيانه: «ستكون فرنسا مستعدة للعمل مع رئيس الوزراء البريطاني الجديد في القضايا الأوروبية والثنائية... ومن السابق لأوانه التكهن بعواقب هذا القرار. ولكننا سنستمر في تطبيق مبادئ الاتحاد الأوروبي، ومن بينها أولوية الحفاظ على العمل السلس للتكتل الأمر الذي يتطلب توضيحا سريعا».
كما أعلنت متحدثة باسم أنجيلا ميركل الجمعة أن المستشارة الألمانية «تحترم» قرار نظيرتها البريطانية تيريزا ماي بالاستقالة إثر فشلها في إقناع النواب البريطانيين بالمصادقة على خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي. وقالت المتحدثة مارتينا فيتز «بشكل عام، تحرص (المستشارة) على أن تحافظ الحكومة الألمانية على تعاونها الوثيق مع الحكومة البريطانية (...) وهذا الأمر سيبقى على هذا النحو»، رافضة التطرق إلى نتائج هذه الاستقالة على ملف بريكست، معتبرة أنها تبقى «رهنا بتطورات السياسة الداخلية البريطانية».
قد يهمك أيضًا:
الولايات المتحدة الأميركية تدرس إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط
البنتاغون يسعى إلى خطة طويلة الأمد لدعم سياسات ترامب حول الهجرة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر