تدخل المشاورات الرامية إلى إخراج الوضع الحكومي من التأزم في إجازة قسرية لإفساح المجال أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري، سعيا وراء إنضاج الظروف لتحقيق مصالحة، خصوصا أنه استجاب لرغبة أطراف أساسية في الحكومة لتجديد وساطته. وتتلازم هذه الوساطة مع توجّس «الحزب التقدمي الاشتراكي» من التطورات التي طرأت على تكليف المحكمة العسكرية متابعة التحقيق في حادثة الجبل.
وأكدت مصادر قيادية في «التقدمي» أنه بدأ يرتاب من تدخّل أحد الوزراء في الفريق الوزاري المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون وقيادة «التيار الوطني الحر»، الذي أدى إلى تكليف القاضي مارسيل باسيل تولي التحقيق في الملف الخاص بالحادثة.
ولفتت مصادر «التقدمي» إلى أن الحزب فوجئ بهذا التدبير لأنه يشكل من وجهة نظرها خطوة غير مسبوقة في الملفات التي تحال إلى المحكمة العسكرية، خصوصاً أن القاضي باسيل ليس في عداد القضاة المناوبين في المحكمة خلال العطلة القضائية. ورأت أنه كان يُفترض أن يُحال الملف إلى أحد القضاة المناوبين له، مع أنها كانت تتوقع الإبقاء على الملف لدى قاضي التحقيق العسكري الأول بالوكالة فادي صوان، ليس لأنه من القضاة المناوبين فحسب، وإنما لأنه جرت العادة في السابق أن توكل مثل هذه الملفات إليه.
وقالت المصادر في «التقدّمي»، إنها لا ترى مبرراً للإقدام على هذه الخطوة، وكشفت أن قيادة الحزب أُحيطت بمعلومات حول قيام فريق وزاري بممارسة ضغوط كانت وراء التبدّل الذي حصل بخصوص إحالة الملف.
في هذا السياق، تُبدي المصادر خشيتها من عدم الأخذ بالمفاعيل الواردة في ملف التحقيق الذي تولته «شعبة المعلومات» في قوى الأمن الداخلي، بناءً على طلب مدّعي عام التمييز بالوكالة القاضي عماد قبلان، وتقول إن ما توافر لها من معطيات تدحض ما يُشاع من حين لآخر حول وجود مخطط لاغتيال هذا الوزير أو ذاك أو لنصب كمائن.
وأضافت المصادر أن التحقيق أشار إلى أن مرافقي الوزير صالح الغريب هم من بادروا إلى إطلاق النار. وقالت إنه خالٍ من وجود أي ثغرة، وإن عدم اكتماله يعود إلى تمنُّع النائب طلال أرسلان عن تسليم عدد من محازبيه ممن شاركوا في إطلاق النار.
وحذّرت من وجود مداخلات لتحريف بعض ما ورد في تحقيق «المعلومات» بغية تبرير الدوافع لاستهداف الحزب، أو للضغط، بهدف اللجوء إلى ختم التحقيق لاحقاً، بذريعة ألا صلاحية للمحكمة العسكرية للنظر في الحادثة، ما يوحي بأن هناك من يخطط لإحالة الملف إلى المجلس العدلي.
وقالت المصادر نفسها إن لا مشكلة بين «التقدّمي» والقاضي باسيل، لكن من حقها التعامل بريبة حيال ما يحصل، وبالتالي وضع أكثر من علامة استفهام حول تخطّي الآلية المعقّدة في الإحالة أو التكليف.
وأكدت أن «التقدّمي» أعد خطة للتحرّك على المستويين السياسي والقضائي، وقالت إنها تبدأ في مطلع الأسبوع المقبل، ويهدف الحزب إلى توضيح موقفه وتبيان الدوافع التي أملت عليه التوجّس والريبة، وصولاً إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم في ظل وجود مخطط لاستهداف رئيس الحزب وليد جنبلاط، ومحاصرته، مع أن مثل هذا المخطط في حال قرر أصحابه التمادي فيه سيؤدي إلى الإخلال بالتوازنات السياسية والإطاحة بالميثاقية.
أما على صعيد معاودة الرئيس بري تهيئة الأجواء أمام تحقيق مصالحة يمكن أن تُسهم في خفض منسوب التوتر السياسي، علمت «الشرق الأوسط» أن رئيس البرلمان يحتفظ لنفسه بالآلية التي سيتبعها على طريق إنضاج الظروف لإنجاحها. وتأكد أن الرئيس بري لم يقرر تجديد مسعاه لتحقيق المصالحة إلا بعد حصوله على مباركة تدعم تحرّكه من أطراف أساسية فاعلة، من بينها «حزب الله»، فيما نفت مصادر مقربة من الرئيس الحريري ما تردّد بأنه يحاول عقد اجتماع يرعاه هو شخصياً ويقتصر على المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل وجنبلاط، بناءً على طلبه، لأنه في حاجة إلى ضمانات من الحزب.
وأكدت مصادر وزارية أن توفير الظروف لإتمام المصالحة يمكن أن يشكّل المدخل لمعاودة الحوار بين جنبلاط و«حزب الله» على قاعدة التجديد لتنظيم الاختلاف بينهما، خصوصاً في الموقف من النظام السوري. ولم تستبعد المصادر أن يقطع الرئيس الحريري زيارته الخاصة إلى أوروبا التي بدأها أمس، إذا نجح الرئيس بري في إقناع الجميع بعدم مقاطعة المصالحة، كما تتوقع بأن يحمل النص الأول من الأسبوع المقبل معطيات يمكن من خلالها استقراء ما إذا كانت الطريق معبّدة سياسياً أمام تحقيق المصالحة.
قد يهمك أيضًا
رئيس مجلس النواب اللبناني يعلق علي الوضع الاقتصادي في البلاد
تصاعد التوتر بين "حزب الله" ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" في لبنان
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر