كشفت أوساط دبلوماسية غربية ولبنانية ان الموفد الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتين اجرى اتصالات مكثفة مع الجانب الاسرائيلي قبل قدومه الى بيروت، وأنه تبلّغ من المسؤولين في تل ابيب بأنهم ليسوا في وارد السير في أي اتفاق لا يلبّي شروطهم، وانه لا وقف لاطلاق النار قبل اتفاق كامل.
وقالت المصادر ان هوكشتين انكب مع فريقه على صياغة «ورقة العمل» بلغة ذات طابع دبلوماسي، لكنه لم يتمكن من ايجاد صيغة تجعل المطالب الاسرائيلية قابلة لأن تحظى بموافقة لبنان. وهو مهّد قبل زيارته لبيروت، من خلال أوساط دبلوماسية وعبر فريق السفارة الاميركية في بيروت بقيادة ليزا جونسون، بإبلاغ جهات لبنانية عدة بأن لبنان «ليس في موقع من يمكنه النقاش كثيراً، وان عدم اخذه بالمقترح يعني ان الحرب ستتواصل وستكون اكثر قساوة». وقد ساعد العدو الموفد الاميركي بليلة من الغارات الوحشية استهدفت مباني سكنية في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب بحجة تدمير مكاتب جمعية «القرض الحسن».
و وفقاً للمعلومات التي تسرّبت ، حمل الموفد الاميركي الى بيروت ورقة عمل عرضها بالتفصيل على الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي وًحرص على ان يكون اللقاء بغياب مستشاريه، وناقش عناوينها وبعض التفاصيل الخاصة بدور الجيش مع قائده العماد جوزيف عون. كما عقد اجتماعاً مع موظفين دبلوماسيين وأمنيين في مقر السفارة لتقديم «احاطة عامة». وكان اهم ما قاله ان مهمته لا تتطرق على الاطلاق الى ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان، وان على فريق السفارة عدم الحديث عن الامر بصورة تؤذي اصدقاء الولايات المتحدة، داعياً الى عدم الاتيان على ذكر العماد عون كمرشح اساسي لرئاسة الجمهورية، وهو الامر الذي تجاهله هوكشتين تماماً في محادثاته مع بري وميقاتي.
وقالت المصادر ان هوكشتين عرض تصوراً جديداً للقرار 1701 يقوم على مبادئ مختلفة، وان التعديلات المقترحة لا تقتصر على آلية التنفيذ بل على اساس المهمة. وبحسب المصادر فإن ورقة الموفد الاميركي - الاسرائيلي تطلب تعديل نص مقدمة القرار لجعله قراراً «يهدف الى احلال السلام على الحدود بين لبنان واسرائيل ومنع اي وجود مسلح في المناطق اللبنانية القريبة من هذه الحدود». وفي نقطة ثانية «يطلب توسيع النطاق الجغرافي لسلطة القرار الدولي، إلى شمال نهر الليطاني بمسافة عدة كيلومترات، واقله كيلومتران اثنان»، على ان يصار الى «زيادة كبيرة في عديد القوات الدولية العاملة ضمن قوات حفظ السلام، ورفع عديد قوات الجيش اللبناني المفترض نشرها في تلك المنطقة».
وشملت ورقة هوكشتين أيضاً «توسيع مهام القوات الدولية بحيث تشمل الحق في تفتيش أي نقطة او مركبة او موقع او منزل يشتبه بأن فيه اسلحة، والحق في القيام بدوريات مفاجئة الى اي منطقة في نطاق عمل القرار من دون الحاجة الى اذن من السلطات اللبنانية، وان يكون بمقدور القوات الدولية اطلاق عملية مسح متواصلة من خلال المسيّرات فوق كل المناطق التي يشملها النطاق الجغرافي للقرار، وفي حال قررت الدخول الى ممتلكات خاصة، فان لها الحق في ذلك، لكن بالتعاون مع الجيش اللبناني». وكذلك «توسيع نطاق عمل قوات الطوارئ الدولية لتشمل السواحل اللبنانية من الجنوب الى الشمال، بما يشمل المرافئ اللبنانية، والحق في التدقيق في هوية السفن المتجهة اليها، خصوصا الى المنطقة التي تنتشر فيها القوات الدولية.
وكذلك نشر فرق مراقبة في المطارات المدنية العاملة او المقفلة، ونشر ابراج مراقبة ونقاط تدقيق على طول الحدود البرية للبنان مع سوريا من عكار شمالا الى البقاع الغربي وراشيا جنوبا». ولا ينتهي عرض الموفد الاميركي من دون الحديث عن «الحاجة الى وجود إشراف (من دون شروحات) على تنفيذ القرار 1701».
و أكّدت أوساط لبنانية مطّلعة أن الموفد الأميركي حاول تقديم العرض كأنه أمر يغري لبنان، وان موافقة مبدئية من جانب الحكومة والرئيس بري تفتح الباب امام مساعي اقناع اسرائيل بوقف الحرب فوراً. لكنه خرج من الاجتماعات بانطباعات سلبية، ما يوحي بانه قد لا يعود الى لبنان سريعاً، الا في حال حصلت تطورات تفرض عليه تعديل ما يحمل من افكار.
وأُفيد بان رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري كان شديد الوضوح مع هوكشتين بالاشارة الى ان القرار 1701 واضح ولا يحتاج الى اي تعديل، وان هناك توافقاً لبنانياً على تنفيذه، وان اي محاولة لتعديله ستقضي على فرصة تنفيذه، وان على الولايات المتحدة البحث في سبل وقف الخروقات الاسرائيلية للقرار وليس في الحديث عن اجراءات احادية في الجانب اللبناني. فيما نقل عن رئيس الحكومة قوله للموفد الاميركي بأن ما يعرضه لن يقبله احد في لبنان. وسمع هوكشتين عبارات غير واضحة عن ان حزب الله لا يجد ان اسرائيل في وضع يمكنها من فرض الشروط التي يحملها.
و فقاً للمعلومات المتسّربة فان الموفد الاميركي حاول جاهداً معرفة «ثوابت حزب الله» مع محاولة استكشاف حجم «الضعف الذي اصاب المقاومة، من خلال التدقيق في نوع الردود التي سمعها». وقالت المصادر المعنية ان الاميركيين «يعرفون ان الحديث يدور عن معركة دبلوماسية تواكب حرباً شاملة وقاسية يشنها العدو، وبالتالي، فان موقف المقاومة يبقى هو الاساس، بمعزل عن كل اللغو القائم من جهات محلية تعتبر انها هي من يقرر مصير لبنان ومصير المقاومة».
وبحسب المعلومات، فإن الثوابت التي يستند اليها الموقف اللبناني، تقول بانه في حال كانت الولايات المتحدة اعلنت، على لسان هوكشتين نفسه، أن القرار 1701 لم يُحترم من الجانبين، وان هناك حاجة لتعديلات في آليات تنفيذه، فان لبنان لا يمانع المبدأ، لكنه يعتبر ان على الامم المتحدة تقديم آلية جديدة تضمن لمرة نهائية وقف كل انواع الخروقات الاسرائيلية، البرية منها والبحرية والجوية، التي دوّنتها قوات الامم المتحدة اكثر من 30 الف خرق اسرائيلي منذ العام 2006. وقالت المصادر ان أي آلية جديدة يجب ان تقدم خطوات متماثلة على جانبي الحدود بما يضمن عدم حصول خرق للقرار، وان اللبنانيين هم اكثر من يحتاج الى ضمانات تمنع اي نوع من الاعتداءات الاسرائيلية.
و سمع هوكشتين من نبيه برّي أن هناك ثوابت يجب أن يعرفها هوكشتين أبرزها الاتي:
١- ان اي نقاش او بحث لا يمكن ان يتطرق الى سلاح المقاومة خارج النطاق الجغرافي للقرار 1701، وانه لا مجال لتوسعة هذا النطاق تحت اي ذريعة.
٢- رفض مطلق لانتشار القوات الدولية، او اي قوات اجنبية، على طول الحدود مع سوريا، وهو امر يناقض السيادة اللبنانية اصلا، كما ان طبيعة العلاقات بين لبنان وسوريا، التي يقول الدستور اللبناني انها علاقات مميزة، تمنع على لبنان القيام بخطوة من هذا النوع من دون موافقة سوريا وليس بعلمها فقط. علما ان الاميركيين يتذاكون عندما يطرحون هذا الامر، وهم يعلمون بأنهم يريدون استقدام قوات اوروبية الى المناطق القريبة من قواعد روسية اساسية في سوريا.
٣- لا يمكن لمجلس الامن الدولي، او للدول الكبرى، اضافة اي دولة جديدة الى الدول العاملة في القوات الدولية من دون الحصول على موافقة لبنانية كاملة، بمعزل عن هوية هذه الدولة.
٤- ان الحديث عن «اشراف على تنفيذ القرار» يعني بوضوح، محاولة للعودة تماما الى ما سبق للجانب الاميركي ان طرحه خلال المفاوضات التي سبقت صدور القرار 1701 عام 2006. وهو عملياً يقصد ان يكون هناك اشراف اميركي وبريطاني على كل آليات عمل القوات الدولية، وهو امر ترفضه المقاومة بشكل رئيسي، وهي ابلغت من يهمه الامر بأنها لن تقبل، تحت اي ظرف، ان يكون هناك اي دور اميركي او بريطاني او حتى الماني في الاشراف على عمل القوات الدولية او قوات الجيش اللبناني التي سيوكل اليها تطبيق القرار الدولي، سيما وان الاشراف من قبل هذه الدول على وجه التحديد، يعني انه اشراف تلقائي من جانب العدو الاسرائيلي، وهو ما يضرب جوهر القرار الذي يفرض على الجانبين اليات التنفيذ.
و لخّص متابعون للزيارة حصيلة زيارة الموفد الاميركي بأن الاجتماعات كانت عبارة عن طروحات وطروحات مقابلة، وان الجانبين الاميركي واللبناني استمعا الى بعضهما البعض، لكنهما يتصرفان بواقعية انهما امام مرحلة انتظار جولة جديدة من العنف الصهيوني، كون الموفد الاميركي جاء ليفاوض تحت النار. وقال المسؤول اللبناني نفسه ان «هوكشتين جاء مهوِّلا وراغبا في بث الرعب، وانه كان واضحا في كل ما قاله بان بلاده واسرائيل ترفضان العودة الى القرار 1701 بصورتهة القائمة حاليا. وهو قال صراحة ان هذه الصيغة باتت من الماضي». وقال المسؤول ان «الوضع صعب ودقيق جدا، فلبنان لا يمكنه القبول بما حمله هوكشتين لأنه يمثل دعوة صريحة الى الاستسلام، كما ان لبنان يعرف انه يصعب عليه اقناع الولايات المتحدة الان بموقفه بطريقة سهلة، ما يعيد الجميع الى مربع الانتظار لوقائع الميدان». وقالت المصادر انه لم يتم الاتفاق بصورة دقيقة على الخطوات اللاحقة، وان احتمال عودة هوكشتين الى لبنان قبل موعد الانتخابات الاميركية مستبعد الا في حال كان يحمل ما هو مختلف جذريا عما جاء به في هذه الزيارة.
و سرّبت مصادر اسرائيلية لموقع «إكسيوس» ان اسرائيل سلمت الولايات المتحدة «وثيقة تتضمّن شروطها لإنهاء الحرب في لبنان». ونسب الموقع الى مسؤولين إسرائيليين قولهم إنّ «مكتب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سلّم الوثيقة إلى البيت الأبيض»، وهي «حصيلة مناقشات أجراها وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع وزارة الأمن والجيش بشأن الشروط التي تطالب إسرائيل بأن تكون جزءاً من أي حلّ لإنهاء الحرب في لبنان». وتضمنت الوثيقة «اشتراط إسرائيل السماح لجيشها بالمشاركة في تنفيذ فعّال للتأكّد من عدم إعادة تسليح حزب الله، وإعادة بناء بنيته التحتية العسكرية في مناطق جنوب لبنان القريبة من الحدود»، وطالبت بأن «تتمتع قواتها الجوية بحرّية العمل في المجال الجوي اللبناني».
ونقل عن مسؤول أميركي قوله إنّه من غير المرجّح إلى حد كبير أن يوافق لبنان والمجتمع الدولي على هذه الشروط»، فـ «الشروط الإسرائيلية تقوّض سيادة لبنان بشكل كبير».
والى جانب تسريب المعطيات نفسها الى صحف اسرائيلية، كان أهمها ما نسبت الى مسؤول اميركي قوله ان زيارة هوكشتين «تهدف إلى إنهاء الحرب لكن، مع عدم القبول بالشروط التي يريد لبنان فرضها على إسرائيل». وبحسب قوله، فإن المطلوب «هو نشر الجيش اللبناني في جنوب البلاد، مع وصول مساعدات عسكرية له بقيمة 350 مليون دولار. والزيارة تهدف إلى مساعدة الجيش اللبناني والقوات الدولية لضمان انسحاب حزب الله من المناطق الجنوبية وصولاً إلى نهر الأولي».
قد يُهمك ايضـــــًا :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر