في يوم 19 دجنبر 1955، تسلم عدي وبيهي من يدي السلطان محمد الخامس ظهير تعيينه عاملا على تافيلالت، وقد بلغ من العمر وقتها 58 سنة، وولد هذا الزعيم الأمازيغي الذي كانت نهاية حياته غامضة سنة 1897 بمنطقة كراندو قرب الريش، والده بيهي نايت رهو كان قائدا على تافيلالت.وهو في عمر 22 سنة حمل السلاح ليس كمقاوم لفرنسا، ولكن كداعم للسلطات الفرنسية فيما كانت تسميه بـ"التهدئة"، مثله مثل عدد كبير من المغاربة الذين علمتهم فرنسا واشتغلوا تحت إمرتها ينفذون أوامرها في إخضاع القبائل أو بعض أفرادها من الذين يرفضون التواجد الفرنسي بالمنطقة.
وقد شارك رفقة والده تحت القيادة الفرنسية في العمليات العسكرية في المنطقة بين سنتي 1919 و1921، وذلك بحسب المعطيات الرسمية التي حررها عنه ضباط الاستعلامات الفرنسية، بعد ذلك، عينته فرنسا على رأس مفرزة تعلالين العسكرية مدة 12 سنة، أي بين 1921 و1933. وحصل على وسام جوقة الشرف من رتبة فارس سنة 1928، وكان للتو قد أكمل ربيعه الحادي والثلاثين.
أوسمة ونياشين
وهي تضع اللمسات الأخيرة لمسلسل "التهدئة" بمنطقة الجنوب الشرقي بعد بسط سيطرتها على آخر ثغور المقاومة، عينت السلطات الفرنسية عدي وبيهي، وهو في عمر 36 سنة، قائدا على تعلالين وقبائل أيت إزدڭ سنة 1933، وحصل على وسام من درجة ضابط سنة 1941، واستمر قائدا على تلك القبائل حتى حدود 1947، قبل أن يحصل على "وسام الجيش"، ووسام علوي، ونيشان الافتخار.
وعلى الرغم من أن الرجل اشتغل تحت القيادة الفرنسية لسنوات طويلة، إلا أن بداية خلافه مع الفرنسيين، بحسب مصادر تاريخية، تعود إلى تقسيم المنطقة التي كان قائدا عليها إلى أربع مناطق أخرى، ثم أثناء توشيح قواد هذه المناطق سنة 1949، حيث ضع الوسام الذي تلقاه في عنق كلب احتجاجا، فتم إبعاده نحو منطقة برشيد، لكنه لم يكن ضمن القواد الموقعين على عزل السلطان محمد بن يوسف سنة 1953.
عامل تافيلالت
بعد ذلك، جاء قرار تعيينه من لدن السلطان محمد الخامس، الأمر الذي أغضب الفرنسيين بتافيلالت؛ فالتقارير التي حررت عنه في تلك الأشهر التي سبقت الإعلان عن استقلال المغرب، تبين أن السلطات لم تكن تنظر بعين الرضى إلى الرجل.فما كان يحرره رئيس منطقة تافيلالت ويبعث به إلى رؤسائه في تلك الفترة، يبين ليس فقط أن الفرنسيين خصصوا مراقبة لصيقة لعدي وبيهي وتسجيل كل تحركاته الصغيرة والكبيرة، كما سنرى في حلقات مقبلة، بل أيضا كيفية استقباله من قبل السلطات الفرنسية بعد تعيينه عاملا على تافيلالت، كما جاء في إحدى الوثائق المحتفظ بها في مركز الأرشيف الدبلوماسي بنانت الفرنسية.
وجه العقيد نيوكس، رئيس منطقة تافيلالت، رسالة إلى رئيس جهة مكناس يخبره فيها بوصول "العامل عدي وبيهي" إلى قصر السوق (الراشيدية حاليا)، بعد تعيينه بظهير 16 دجنبر 1956.
العقيد نيوكس، في هذه الوثيقة التي تحمل تاريخ 10 يناير 1956 وطابعا بالأحمر يحمل عبارة "سري"، استعرض "بعض المشاكل التي ظهرت من الآن بسبب المهام المتبادلة بين العامل ورئيس المنطقة".
وحتى يبعد الصراع عن نفسه ويظهر أن الأمر لا يتعلق به شخصيا، فقد كتب هذا العسكري الفرنسي يقول: "بعض المغاربة المعنيين بدؤوا من الآن يطرحون الأسئلة، ويريدون معرفة إن كان سيعوضني".ثم أضاف مستدركا وهو يتحدث عما إذا كان عدي وبيهي سوف يشغل تلك المهام التي كان العقيد نيوكس يشغلها في تافيلالت: "على أي، فإنني أتمنى أن يكون تحديد الدور والمهام المنوطة بكل شخص عاجلا وبشكل كامل".
مجيء عدي وبيهي إلى المنطقة عاملا عليها، وهو ابن هذه الربوع وفيها ترعرع، خلط أوراق الفرنسيين في تافيلالت، بما فيها قصر السوق وقتها، لذلك كتب هذا المسؤول الفرنسي يتساءل عن علاقة بعض الأجهزة والأشخاص والمؤسسات التي كانت السلطات الفرنسية تتعامل معها وتعطيها أوامرها بعد هذا المستجد، الذي هو تعيين عدي وبيهي بظهير شريف عاملا على المنطقة.
وقد سردت الوثيقة هذه الأجهزة والمؤسسات التي يجب تحديد من سيعطيها التعليمات بعد ظهور هذا العامل، ومن بينها: "القواد والشيوخ، المحاكم العرفية، الجْماعة في القبائل والقصور، الجماعات القروية".أشار العسكري الفرنسي إلى أن اللبس يحيط كذلك بتدبير بعض القطاعات بعد هذا التعيين، وذكر منها "الإحصاء ودفع الترتيب، القوافل الطبية وتدبير تجمعات السكان، وتنفيذ المشاريع والأشغال (المائية، والمدنية...) ".
وقد سطر محرر الوثيقة على عبارة "حفظ النظام" ضمن تساؤلاته الموجهة إلى رئيسه، مضيفا: "ضمن تعليمات الحكومة المغربية للعامل (رقم 1124، بتاريخ 20 دجنبر 1957)، نجد: حفظ النظام واحترام القانون يفترض تواصلا مباشرا بالساكنة"، وقد استنجد العقيد الفرنسي بتافيلالت برئيسه في جهة مكناس لكي يزوده بالتعليمات الواجب اتباعها لتفادي أي احتكاك بالعامل الجديد.
وقد يهمك ايضا:
طلاق السلطان محمد الخامس وملكة جمال موسكو السابقة بالثلاثة رسميًا
القصر الملكي الماليزي يُعلن تخلي السلطان محمد الخامس عن العرش
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر