شهد اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب المغربي، مساء الثلاثاء، نقاشًا حاد بين أحزاب الغالبية والمعارضة من جهة والحكومة ممثلة في وزير العدل والحريات من جهة ثانية.
ودار النقاش الحاد حول القانون المتعلق بتنظيم السلطة القضائية الجديد، الذي جاءت به وزارة العدل والحريات لتنزيل توصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي دارت رحاه حوالي عام كامل.
واشتد الجدل بين الغالبية والمعارضة، إلى حد اتحد فيه جزء من الغالبية مع جزء من المعارضة، بينما اتحد الجزأين الباقيين مع بعضهما معلنين نهاية جدل الغالبية في مواجهة المعارضة في هذا القانون بالضبط.
وأكد مصدر مطلع من اللجنة، أنَّ الموضوع الذي حظي باهتمام كبير بين أعضاء اللجنة يتمثل في موضوع النيابة العامة، موضحًا أنَه بعدما اقترح مشروع الحكومة إعلان استقلالية جهاز النيابة العامة عن سلطة وزارة العدل، جاء من الغالبية من رفض فكرة الحكومة هذه، وطالب بالإبقاء على الوضع الحالي الذي توجد عليه النيابة العامة، والمتمثل في تبعيتها إلى سلطة وزير العدل.
ويتعلق الأمر، وفق المصدر، بكتلة "العدالة والتنمية" التي عارضت مشروع حكومتها بقوة، واعتبر برلمانيو هذه الكتلة أنَّ منح الاستقلالية لجهاز النيابة العامة عن وزارة العدل، بعدما ستصبح النيابة العامة تحت سلطة مسؤول معين من قبل الملك، سيجعل أمر مراقبة التجاوزات التي يمارسها هذا الجهاز مستحيلة، لأنه يصعب من الناحية السياسية محاسبة جهاز خاضع لسلطة الملك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وهو الرأي الذي يسير فيه جزء من نواب المعارضة، لاسيما البرلمانيان عن كتلة "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، حسن طارق، والبرلماني عن حزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض عبد اللطيف وهبي.
ويطالب هذا التيار داخل البرلمان وزير العدل بالتراجع كليًا عن القرار الحكومي القاضي بمنح الاستقلالية لجهاز النيابة العامة، متسائلين حول ما إذا تم إقرار هذه الاستقلالية فمن سيحاسب البرلمان؟ وكيف سيفعل؟، مشيرين إلى أنه لا يمكن استدعاء رئيس النيابة العامة لحضور جلسات البرلمان من أجل مساءلته عن التجاوزات، عكس ما يحدث الآن، إذ يتم استدعاء وزير العدل في كل مرة يتم فيها ارتكاب تجاوزات من قبل النيابة العامة، الأمر الذي يدفع وزير العدل بدوره إلى متابعة المتورطين في ارتكاب هذه التجاوزات في النيابة العامة، تحت طائلة المتابعة وتفعيلا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأبرز مصدر إلى "المغرب اليوم" أنَّ وزير العدل والحريات المصطفى الرميد أكد للبرلمانيين أنه ملزم بتنزيل توصيات الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي أوصى من بين ما أوصى به "ضرورة استقلال النيابة العامة عن سلطة وزير العدل".
وبيَّن مصدر آخر إلى "المغرب اليوم" أنَّ وزير العدل مصطفى الرميد، مقتنع كشخص تمامًا بالرأي الذي تطالب به كتلة "العدالة والتنمية" وجزء من برلمانيي المعارضة، وفي مقدمتها حسن طارق، وعبد اللطيف وهبي، لكن مسؤوليته على قطاع حكومي تفرض عليه الحياد، وتنزيل توصيات الحوار الوطني الذي جرى في هذا الموضوع بين المهنيين في قطاع العدالة في المغرب.
لكن جزء من الغالبية وجزء من المعارضة يرى خلاف ما يراه التيار الآخر في هذا الموضوع، إذ يشدد هذا التيار على أنَّ استقلال القضاء في المغرب كما ينص على ذلك الدستور لا يمكن أن يتحقق إلا بمنح الاستقلالية للنيابة العامة لتكون مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية التي هي الحكومة، معتبرًا أنَّ هذا الفصل يعد تحقيقا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي ينص عليه الدستور الجديد.
ويرى ذات التيار الذي يدعمه نادي قضاة المغرب، الذي يعتبر أبرز المطالبين بالاستقلالية، أنه من غير المعقول القول باستقلال السلطة القضائية في حين تبقى النيابة العامة تحت وصاية وزير العدل، ملمحين إلى أنَّ وزارة العدل تتدخل في قرارات النيابة العامة وتوجهها إلى اتجاهات معينة.
ونوَّه المصدر إلى أنَّ هذه النقطة لم يتم الحسم فيها اليوم، ويرتقب أن يتم الحسم فيها بعد تقديم تعديلات مدققة في الموضوع من قبل الأغلبية والمعارضة. ولمح المصدر إلى أن البرلمانيين يحاولون تقوية الأطروحات التي تقوي رأي الاستقلالية في مواجهة الأطروحة الأخرى.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر