في محاولاته للتوسط لإذابة الجليد التاريخي بين كوبا والولايات المتحدة، اتخذ البابا فرانسيس خطوة في عالم شائك من الجغرافيا السياسية، حيث أرسل رسائل إلى رؤساء البلدين، واستضاف اجتماعات سرية في أروقة الفاتيكان، بإيعاز من أعداء الحرب الباردة، لوضع نصف قرن من النقد اللاذع وعدم الثقة التي تقف بين البلدين.
ولكن لدى وصوله إلى هافانا السبت الماضي، المحطة الأولى من زيارة البابا المرتقبة إلى كوبا والولايات المتحدة لمدة تسعة أيام، واجه فرانسيس تحديًا جديدًا تمامًا بعد أن ساعد على انفتاح كوبا على العالم.
وقال القس جورج سيلا الذي أشرف على النظام الديني اليسوعي في كوبا من عام 2010 إلى عام 2012، "إنها مناسبة لطلب مزيد من الانفتاح" مضيفاً "العلاقة ليست سهلة".
وكان في استقبال فرانسيس في المطار الرئيس راؤول كاسترو والأطفال الذين رحبوا به بالزهور.
ويعلم فرانسيس التعقيدات والمخاطر والتنازلات الصعبة مع التعايش مع السلطات القمعية ومن تجاربه الخاصة في السبعينات، عندما كانت الأرجنتين تحت الدكتاتورية العسكرية على مدى عقود، وكانت الكنيسة الكوبية حذرة من التحريض على الغضب ضد الحكومة الشيوعية، ولكنها كانت مهمشة بعد ثورة 1959، عندما تم استبعاد الكهنة، وأغلقت المدارس الدينية ، وأعلنت كدولة ملحدة لا دينية.
ويسمي البعض هذا الحذر البراجماتية الحكيمة، مشيرين إلى أن الحكومة الكوبية قد خففت تدريجيًا قبضتها؛ لكن بعض المنتقدين يقولون إن الكنيسة الكوبية كانت خجولة جدًا وحريصة على الحفاظ على علاقات وثيقة مع الحكومة، على حساب الحديث عن قدر أكبر من الحرية السياسية والدينية في المجتمع الكوبي.
وقال القس خوسيه كونرادو وهو كاهن كوبي صريح يقيم في وسط مدينة ترينيداد، في حديث عبر الهاتف: "بإمكاننا أن نفعل ماهو أكثر، يجب أن لا تتراجع الكنيسة، حتى لو كان ذلك مهمة صعبة ومعقدة للكنيسة نفسها."
فرانسيس لديه سمعة عالمية للحديث بصراحة ولفتاته الرمزية كبيرة، لذلك سيتم مراقبة زيارته لكوبا عن كثب. قلة من المحللين يعتقدون أنه سيضغط بشدة في العلن، لكن دبلوماسيون في روما لا يتوقعون منه أن يتحدث عن الحرية الدينية، كما فعل البابا يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس السادس عشر خلال زياراتهم الماضية لكوبا.
ومن المتوقع من فرانسيس أن يضغط من أجل مساحة أكبر من العمل للكنيسة في الحياة الكوبية، حيث يوجد حاليًا أقل من 350 كاهن على جزيرة بها ما يزيد قليلًا على 11 مليون شخص، ويحظر الكنيسة من إدارة المدارس أو المستشفيات.
وذكر سفير الولايات المتحدة لدى الكنيسة المقدسة كين هاكيت أن الكنيسة شريك في تنمية البلاد، لذا فهو يعتقد أنه سوف يتحدث عن حقوق الإنسان والحرية الدينية، والسماح للكنيسة للعب دورها ليس فقط في العبادة، ولكن في مجال الخدمات الاجتماعية.
وتعرض البابا بالفعل لانتقادات عديدة؛ لعدم جعل تلك القضايا أكثر محورية خلال زيارته، وقال القس فيديريكو لومباردي، المتحدث باسم الفاتيكان في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع، أن "البابا لن يعقد أي اجتماعات عامة في كوبا مع المنشقين.
وأوضح وهو ناشط سياسي بارز انطونيو روديلس، ، أنه يشعر بخيبة أمل من قرار البابا، ولكنه لم يفاجأ، مضيفًا أنه من المفترض أن مقابلة المنشقين يشكل جزءًا من جدول الأعمال المحدد، مشيرا إلى أن المعارضين لم يكونوا مدعوون للاحتفالات في سفارة الولايات المتحدة الجديدة في آب/ أغسطس وأنهم في كثير من الأحيان يتم تجنبهم من قبل الوفود الزائرة،
وزاد أنه في الوقت نفسه بدأت الدولة بالقمع قبيل زيارة البابا، واعتقلت بعض المعارضين وتمركز ضباط الشرطة خارج منازل المعارضين.
وأضاف أنه من أجل صنع التغيير في كوبا، يتعين البدء بقول الحقيقة.
وجعلت طريقة واحدة الكنيسة الكوبية تحرز تقدمًا في كوبا، عن طريق توفير الغذاء والخدمات للمحتاجين، التي كانت الحكومة نفسها تجد صعوبة في شرائها. في المقابل، فإن الحكومة سمحت ببناء بعض الكنائس الجديدة للمرة الأولى منذ عقود، كما سمحت للكنيسة بتنظيم الأنشطة الشبابية والحفلات الموسيقية.
وتقدم الكنائس والمراكز الاجتماعية الكاثوليكية وجبات الغداء والملابس، وحصص ما بعد المدرسة، ومجموعات الموسيقى الحرة والمكتبات، حتى أن الكنيسة الآن تجري دورة ماجستير في إدارة الأعمال من مركز ثقافي من الحقبة الاستعمارية في هافانا. وتنشر المجلات، بما فيها مجلة " New Word"، التي تمس القضايا السياسية والاقتصادية فضلًا عن تلك الروحية، ومع ذلك، فإن الكنيسة لا تستطيع الحصول على موجات الراديو في كوبا.
وهناك أيضًا مسألة مدى التأثير الروحي للكنيسة على المجتمع الكوبي نفسه، إذ يقول الفاتيكان أن 60% من الكوبيين كاثوليكون، ولكن وفقًا لوزارة الخارجية، عدد قليل جدًا منهم يحضرون القداس بانتظام، حوالي 4 أو5% فقط.
"ما تعتمد الكنيسة عليه حاليًا في مخاطبة الشعب الكوبي هو تحاول تلبية احتياجاتهم الأساسية"، كما قال اندي غوميز، وهو زميل سابق رفيع المستوى في معهد الدراسات الكوبية والكوبية-الأمريكية في جامعة ميامي. "بمجرد البدء في مساعدتهم على مواجهة احتياجاتهم الأساسية والغذاء والمأوى، يمكنها البدء في الحديث عن الدين، التغير الاجتماعي وبعض من هذه الأمور".
ويعتبر الكاردينال خايمي أورتيغا لوكاس أقوى شخصية في الكنيسة الكوبية رئيس أساقفة هافانا، الذي من المقرر أن يتقاعد، يهاجمه البعض لكونه أكثر توافقًا مع الحكومة الكوبية، ويقول المدافعون عن أنه داهية، والدهاء السياسي في المحافظة على أهمية الكنيسة.
وفقا لرجال الدين الكاثوليك، أن الكاردينال أورتيغا يفضل انتقال أبطأ وأكثر سلاسة من أجل كوبا أكثر ديمقراطية ومستندة إلى السوق العالمية، وهو رأي يشاركه فيه بعض من داخل وخارج الجزيرة الذين يخشون من أن المزيد من التغيير يمكن أن يؤدي إلى الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي، ولكن بعض الأساقفة الكوبية قد أرادوا نهج المواجهة، في حين استاء بعض النقاد الآخرين من استبعاد الكاردينال للمعارضة السياسية في كوبا في المناسبات العامة.
وفي حزيران/ يونيو، أغضب الكاردينال أورتيغا أبناء المعارضة عندما زعم في مقابلة إذاعية أنه ليس لديه علم بالسجناء السياسيين في كوبا.
وبعد شهر، أصبح الكاردينال محل التركيز بالمواجهة الحرجة بعد أن رفض قبول قائمة السجناء السياسيين التي قدمت له من قبل اثنين من المعارضين خلال حفل استقبال في رعاية مصالح الولايات المتحدة، حيث بدأ المعارضين بتوبيخ الكاردينال بصوت عال، الذي هدد باستدعاء الأمن.
وكان هناك بالتأكيد أوقات تحدت فيها الكنيسة الحكومة، في وقت مبكر من التسعينات، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وبدأ.فيدبل كاسترو الذي أيقن أنه في حاجة إلى حلفاء جدد ومصادر جديدة من المال في تليين موقفه من الكنيسة.
ويبدو أن هذه الخطوة نشطت الكنيسة في دعواها للمزيد من الانفتاح على الأفكار خارج الدولة الكوبية..
وفي نهاية المطاف، أغلق الباب على الكنيسة مرة أخرى، حيث تنامت مخاوف فيدل كاسترو بشأن أنشطتها العامة ومن النشطاء المسيحيين الآخرين الذين يسعون إلى إصلاح حكم الحزب الواحد.
وقال السفير البريطاني السابق في كوبا وأستاذ في جامعة بوسطن بول هير واصفا أواخر التسعينات.: "لقد شعر بأنه ينبغي أن يحد من تدخل الكنيسة في السياسية"، "لذلك نأى الكاردينال أورتيغا بنفسه من هذه الأنشطة، ويمكننا رؤية الخلافات واضحة حتى اليوم".
ويعتبر استبدال الكاردينال من أصعب وأهم مهام فرانسيس، ومن المقرر أن يسافر في جميع أنحاء الجزيرة، للقاء أساقفة مختلفين وشخصيات كنسية، وينبغي أن يسمح له بإجراء تقييم شخصي للزعيم المحتمل القادم للكنيسة الكوبية، رغم أن المحللين لا يتوقعون قرارًا في وقت قريب.
واعتبر السيد هير أن زيارة كوبا هي أصعب مهمة للبابا وأنه سوف يعلم أن عليه إيجاد طريقًا جديدًا في كوبا، كما أن لديه أفضل فرصة حتى الآن من خلال خطاباته، خلفية النشاط الاجتماعي وصراحته لإيجاد مفتاح الباب الكوبي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر