مازالت فكرة “الكوفواتيراج” أو “السيارات المشتركة” تستمر في ممارسة غوايتها على “الزّبون” المغربي، الذي صار يقبل بوفرة على هذه الخدمة، وفق تقديرات المهنيين في مجال النقل. ويلجأ العديد من المغاربة، خصوصا في الصيف، للسيارات المشتركة من أجل تقليل حجم التكاليف المرتبطة بالسّفر، ولضمان مسار مضمون في التنقل عبر التوافق مع صاحب السيارة على التوقيت والثّمن، والمسار الذي ستتخذه الرحلة ومدتها.
ملخص الفكرة كالتالي: يتخذ صاحب السيارة وجهة معينة، ويعلن عبر تطبيق افتراضيّ أو عبر شبكات التراسل الفوري مسار الرحلة، فتبدأ الطلبات من “الزبائن”، الذين يتخذون المسار نفسه أو الوجهة نفسها؛ والغاية هي اقتسام التكلفة الإجمالية للسفر، ومن ثمّ، هي، من الناحية المبدئية، “مفيدة” للطرفين معاً، فالسّائق يتمكّن من استعادة جزء من مصاريف الصيانة والغازوال؛ والركاب يضمنون سفراً مريحاً “بعيداً عن وسائل النقل التقليدية”.
الأصل في الفكرة، وفق متتبعين، كان “نبيلاً”؛ فحين انطلقت في فرنسا وإسبانيا كان أساسها هو دفع الكلفة نحو مستويات دُنيا؛ ولكنّ الإشكال الذي حدث في المغرب أنها صارت، بالنسبة للمهنيين، “منافساً غير شريف”، و”ينشط خارج القانون، ويساهم في إضعاف قطاع النقل الذي يعاني من اختلالات كبيرة، من أهمها المأذونيات التي تستعبد الكثير من السائقين”؛ ومع ذلك يسجل العديد من المغاربة “إعجابهم بـ’الكوفواتيراج’، واستمرار إقبالهم عليه في شروط”.
قال عبد الحق، ثلاثينيّ يُقبل على خدمة “الكوفواتيراج”، بين الفينة والأخرى، خصوصا المسافات الطويلة الفاصلة بين مختلف الجهات، إنّ “من حسنات هذه الخدمة أنّها تتيح لك اختيار نوع السّيارة التي تود الذهاب بها والخدمات التقنية التي تقدّمها، كالتكييف، إلخ”، مضيفاً أنّها “تسهّل أيضاً التنقل وتتيح تحديد توقيت السفر الذي يناسب الزبون وأيضاً التوافق بخصوص سعر الخدمة منذ البداية”.
وأورد عبد الحقّ، وهو يتقاسم تجربته مع جريدة هسبريس، أنّ “هذا النقل لديه سلبيات أيضا، لذا على الراغب في التفكير فيه أن يلحّ على مناقشة التفاصيل قبل انطلاق السفر، كالصيانة وجودة العجلات”؛ وزاد: “لدي تجربة سيئة في إحدى المرات، بحيث بسبب تهاون صاحب السيارة بخصوص الصيانة كلفنا سفر زمنه ثلاث ساعات أكثر من عشر ساعات؛ لقد كانت تجربة جد صعبة وقاسية”.
وذكر المتحدّث ذاته أنّ “الذين يريدون الاتجاه نحو توفير خدمات الكوفواتيراج للمغاربة عليهم أن يأخذوا مسائل سلامة الركاب بجدية مطلقة، خصوصا لكونها عملية خارج القانون، وبالتالي حبّذا لو تمكّن الزبون من معرفة هويّة صاحب السّيارة قبل مباشرة أيّ رحلة من هذا القبيل”، مردفا بأنّ “هذه العملية سهلت التنقل، لكنها تظل في حاجة إلى تأهيل قانوني وتواصلي، لكونها تعفي من تفاصيل كثيرة متصلة بالسّفر”.
من جهتها، قالت حسناء (27 سنة)، قاطنة بمدينة تامسنا، إنّ “هذه الخدمة ليست آمنة لكي تنتقل فيها الفتيات بين مدينة وأخرى، نظراً لرواج بعض الحالات التي تعرّضت فيها الفتاة للتّحرش أو للسّرقة في خدمات النقل عبر التّطبيقات”؛ وأضافت شارحة: “أقبل على ‘السيارة المشتركة’ بين تامسنا والرباط، لكن بخصوص المسافات الطويلة لا أستطيع. وما يشجعني أكثر أن السائقة فتاة موظفة مثلي بالرباط.. كأننا نتعاون فقط”.
وأوردت حسناء أن هذه الخدمة عرفت تناميا كبيراً ويقبل عليها الكثير ممن تعرف، خصوصا منذ شهدت أسعار المحروقات غلاء لافتا، بحيث صار الكثيرون ممن يشتغلون معها يفضلون “الكوفواتيراج” لتقليل التكاليف المرتبطة بالنقل؛ وزادت: “الذكور لديهم شجاعة أكثر للسفر عبرها بين مدينة وأخرى، ولكن هذا مشكل حقيقي بالنسبة للفتاة”.واستطردت المتحدثة ذاتها: “أجد بشكل يوميّ بدوري أصحاب العروض المتعلقة بمشاركة النقل عبر ‘فيسبوك’، وحين أنبش أجدها بروفايلات حقيقية وليست مزيفة، بمعنى أنها خدمة ناضجة ورائجة افتراضيّا وحائزة على ثقة كبيرة لدى المغاربة، ويفضلونها؛ ولكنها مازالت تطرح إكراها للجنس النسوي في بعض أشكالها”؛ خاتمة بأنها “خدمة تضمن لك التنقل بسيارة نظيفة وبأريحيّة دون الحاجة إلى الوقوف المتكرر لأصحاب ‘الطاكسيات’ أو ‘الطوبيسات'”.
أكد مصطفى شعون، الكاتب العام الوطني للمنظمة الديمقراطية للنقل واللوجيستيك متعددة الوسائط، أن “الفاعلين في مجال النقل على بينة من تنامي أنشطة ‘الكوفواتيراج’ وانتعاشها إلى جانب النقل عبر التطبيقات”، موضحا أنّ “هذا الانتعاش لا يعكس قانونيتها، فهي نقل سري في معظمه، ولا يشكل أي حماية للمواطن المغربيّ الذي يُقبل عليها”، وزاد: “نحن مع تعزيز تنافسية القطاع، لكن وفق شروط”.وأفاد شعون، ضمن توضيحات خصّ بها جريدة هسبريس، بأن “الإشكال ليس هنا في هذه الخدمة، بل في الجهات المختصة التي من شأنها إصدار القوانين وتعديلها؛ وإذا كان هناك إقبال من المواطنين المغاربة على هذا النّقل فيجبُ تقنينه عاجلاً، لأنّ التّقنين هو الحل الوحيد لتأهيله ليخضع كباقي المهنيين للمعايير المعروفة”، على حد تعبيره.
واعتبر الخبير في قطاع النقل بأنّ “الحكومة والمعارضة لم يقدّما أي إفادة في اتّجاه تقنين ظاهرة تنامت في الواقع، ونعتبرها تنتمي للنقل السّري الذي لا يحفظ كرامة المغربي في التّنقل ويعمق أزمة النقل ببلدنا”، مردفا: “هذا واقع موجود ولا أحد سينكره، لكن ما الحل؟ وهذا سيبقى سؤالا على الحكومة أن تجيب عنه بسد الخصاص القانوني، لكونه يتم دون رخص للنقل، وقد يعرض السائق إما لسحب رخصة السياقة أو حجز السيارة”.
وتابع شعون بأنّه “في بعض الحالات يكون هذا النقل عبارة عن تشارك في مصاريف التنقل، يعني ليس نقلا سريا منظما، لكن هناك من حول سيارته لتكون عربة حصرية للنقل سرا تحت يافطة ‘الكوفواتيراج’؛ وهذا يعكس خللا كبيرا في قطاع النقل ويوضح فشل وزارة الوصية في تدبير الملف”، مشددا على أن “هذه الخدمة رغم حسناتها بالنسبة للمواطنين فهي تهدد مسار الركاب وقد يُعرقلُ سفرهم”.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر