تاركة بصمات تحول عميقة على المجتمعات، لم تخلّف جائحة “كوفيد-19” آثارا على صحة الأفراد فقط، بل طالت تداعياتها “مستوى القيم وعادات الاستهلاك”؛ ذلك ما كشفه استطلاع أجرته الوكالة الاستشارية الدولية “ماركو”، مفيدا بأن الأزمة الصحية قد أحدثت تغييرا واضحا على المجتمعات، والمغاربة ليسوا بمنأى عن ذلك.
وأبرز “استطلاع ماركو” أن 75 في المائة من المغاربة المستطلعة آراؤهم، المنحدرون من طبقات اجتماعية وأجيال وجهات متنوعة، صرحوا بأن “الوباء قلب عاداتهم (الحياتية) رأسا على عقب”، كاشفا عن تحول بارز يتمثل في “مطالب ملحة تبنّاها المغاربة تجاه العلامات التجارية والمقاولات، وليس فقط من حيث جودة المنتجات أو قيمتها المالية مقابل الجودة”.
وهمت الدراسة، التي استطلعت خلال شهريْ ماي ويونيو 2022 آراء عيّنة من 14200 شخص يتوزعون على 14 بلدا، موضوعات (thématiques) منتقاة عن “مسؤولية العلامات التجارية والبيئة ومصادر المعلومات، وشبكات التواصل الاجتماعي والعملات المشفرة والميتافيرس”.عموما، جاءت “حماية البيئة والاستدامة ورفاهية العاملين وقيم التنوع” في صدارة المعايير التي حدد بها المغاربة خياراتهم الحياتية خلال الجائحة وبعدها، وكانت “للنساء مواقف أكثر حزما بكثير بشأن هذه القضايا التي تتطلب مسؤولية العلامات التجارية”.
الإقبال على “السوشال ميديا”
الاستطلاع أكد “الاتجاهات الجديدة” المتنامية بين المغاربة في استعمال وولوج الشبكات الاجتماعية التي أضحت من بين مصادر المعلومة؛ إذ “يستخدم 53 في المائة فيسبوك، و51 في المائة واتساب، و46 في المائة إنستغرام”. ويسود استعمال “فيسبوك” أكثر بين الرجال (55 في المائة)، بينما يعد “إنستغرام” هو المصدر الأول لـ 62 في المائة من النساء اللواتي أبدين إعجابا أيضا بـ”واتساب” (58 في المائة).
“العملات الرقمية”
الاستطلاع كشف أن 50 في المائة من المغاربة قد استثمروا بالفعل في العملات المشفرة، 31 في المائة من النساء فقط أخذن زمام المبادرة، فيما سجلت الفئة العمرية 40-65 أعلى نسبة من الأشخاص الذين استثمروا في العملات المشفرة على الإطلاق مع 64 في المائة من المستجوبين.
من جهة أخرى، صرح 61 في المائة من المستجوبين بأنهم يعرفون ماذا يعنيه عالم “الميتافيرس” (الفضاء الافتراضي المُعزَّز)، وخاصة في أوساط الرجال (64 في المائة). أما عن الفائدة التي قد يستفيدون منها من “الميتافيرس”، أشار 50 في المائة منهم إلى ألعاب الفيديو، و41 في المائة للحفلات الموسيقية والموسيقى، و31 في المائة للتسوق، بينما يستخدمها 30 في المائة للتعليم.ويشهد “الميتافيرس” انتشارا متصاعدا بين الفئة العمرية الأصغر من المغاربة؛ إذ إنها “الأكثر اهتماما بهذا الكون الافتراضي”، خاصة بالنسبة لألعاب الفيديو والموسيقى.
“التأقلم مع الأحداث الطارئة”
تعليقاً على نتائج الدراسة، قال الدكتور محسن بنزاكور، خبير في علم النفس الاجتماعي، إن “العادة في السلوك الإنساني تحيل إلى عدم التفكير”، شارحا أنها “من الناحية العلمية، فهي تأخذ بُعد التكرار والتحول”، مؤكدا أنه “وجب الاستثمار في استمرار العادات”، مُحمّلا مسؤولية ذلك إلى المسؤولين والفاعليين لتأكيد استثمارها في الصالح العام ونهضة المجتمع”.
وأشار بنزاكور، في تصريح لهسبريس، إلى أن “الجائحة تسبّبت في صعوبة التأقلم مع الأحداث الطارئة”، مضيفا أن “كوفيد فرَض عادات جديدة مسّت جميع مناحي الحياة، ولعل نتائج هذه الدراسة جاءت لتؤكد ذلك بالدليل والمعطيات المُرقمة”.
“كان تغيير العقليات يأخذ وقتا كبيرا في الغالب، إلا أنه بعد الوباء العالمي لوحظ تسارع في وتيرة إحداث التغيير الذي طال فئات متعددة، عمرياً، مهنيا واجتماعيا”، يسجل أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية العلوم الإنسانية بالمحمدية، موردا أن “الجفاف، الذي نعيشه مؤخرا، ربما ساهم أيضا في مراعاة المغاربة للمعيار الإيكولوجي في تعاملهم مع منتجات الشركات والعلامات التجارية”، بينما “يفرض تغيير العادات، الإيمان بشكل قَبْلي بجدوى تغيير العادات”، وهو ما أكدته مرحلة كوفيد وما بعدها.
ولاحظ بنزاكور “ارتفاع نسبة الاستجابة الكبيرة للمغاربة المستجوبين في ما يخص تأثير الوباء على عاداتهم” (75% من المغاربة)، واصفا الرقم، في حديثه مع هسبريس بأنه “هائل ومعبّر جدا”.
من جهة أخرى، أشار المتحدث ذاته إلى أن “العادات السلوكية اليومية المبنية على الاستهلاك قد تراجعت نسبيا مع كوفيد”، مفسرا بأن “ذلك مَنح حسّا لدى نصف المغاربة للاستثمار والادخار الرقمي، بعدما ارتفع الاستهلاك بشكل كبير قبل الجائحة”.
“سند نفسي”
بنزاكور فسّر تزايد استخدام المغاربة لـ”السوشيال ميديا” بـ”تشوّقهم لاكتساب المعلومة بسرعة في زمن التحولات الكبيرة التي تفرض نقل الخبر أسرع في وسائل التواصل الاجتماعي”، خالصا إلى أنها “كانت سندا نفسيا للكثيرين”. وزاد أن “التلفزيون يكرّس نمط حياتي يسوده الكسل والرتابة عكس وسائل التواصل التي تنقل بسرعة خيالية كل ما يقع مع إتاحة هامش النقاش والتعليقات”.
وختم بنزاكور بالقول: “إنه مجتمع المعلومة الذي صار توّاقاً”، منبها إلى كون “التلفزة أسرية بينما الهواتف فردية تتيح بسرعة وصول المعلومة ونقاشها”.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر