الرباط ـ كمال سعيد
طالب ضحايا الزيوت المسمومة في المغرب، الناجين من موت محقق في العام 1959، حكومة عبدالإله بنكيران بتسوية ملفهم، حيث يعاني معظهم من إعاقة شديدة في خريف عمرهم. ويحكي أحد المتضررين، بنبرة متذمرة، "في ذلك اليوم المشؤوم قامت زوجتي باستعارة قليل من الزيت من الجيران لقلي الفلفل، لكن بعد أكلها أحسسنا بمغص شديد في أمعائنا، والرغوة تخرج من فمنا، فتم نقلنا إلى المستشفى الخاص بالجنود الفرنسيين آنذاك،
حيث كانت هناك مجموعة من الأطباء المعمرين يشرفون على علاجنا، خصوصًا أن حالة من الاستنفار قد شهدتها العاصمة الإسماعيلية عقب الكارثة، الأمر الذي حدا بالسلطات آنذاك إلى الاستعانة بأطباء من جنسيات عدة".
وتسرد ضحية أخرى حكايتها، والدموع تنهمر من عيناه، "الكل مصابون بإعاقة جسدية دائمة، حيث كانت القلة القليلة منهم، هي التي تمكنت من المشي اعتمادًا على العكاكيز، أو بواسطة الكراسي المتحركة، وهذا راجع إلى تأثير الزيوت المسمومة على أعصاب الضحايا، فقد كانت والدتي تعمل لدى أحد الأطباء الأجانب، حيث عمري آنذاك ست سنوات، وقدمت الوالدة للطبيب وصفًا دقيقًا لطبيعة الأعراض المشتركة لدى أفراد العائلة مع تقديم شكوكها بشأن زيت المطبخ، ليسارع الطبيب إلى إخبار اللجنة الطبية بتصريحات المشتكية وشكوكها بشأن زيت (لاروي)، أو الغزالة الظاهرة على العلبة الصفيحية، الذي كان يُصنّع في أحد المصانع بالقرب من ضريح مولاي اسماعيل والذي لا يزال مغلقًا حتى الآن، بعد أن سحبت من صاحبه الرخصة".
وتقول شهادات الضحايا، "يخصص اليوم المصنع كمستودع لقنينات الغاز، كما يرى متتبعون مركبة من مواد أضيفت إليها نسبة مهمة من زيت صيانة محركات الطائرات هي مادة سامة يسري مفعولها على الجسم بعد مرور أيام قليلة على تناولها وبالرجوع إلى جزء من تفاصيل الكارثة".
وقد أسفرت التحقيقات التي قامت بها قوات الأمن، حسبما أوردت إحدى المجلات الدورية، عن اكتشاف تاجر ينحدر من مدينة صفرو، هو الذي باع كميات من الزيوت المسمومة إلى صاحب زيت لاروي والهلال في مكناس، والذي باع كميات أخرى تُقدر بـ 2 طن و65 صندوقًا في كل صندوق، و24 علبة لتاجر من مدينة فاس، كما بيعت كمية لتاجر في مدينة الدار البيضاء، هؤلاء وجدوا في كميات الزيوت المسمومة فرصة لجني أرباح كبيرة، لكن المثير في القضية هو اكتشاف عمليات تهريب وإخفاء الزيوت بكميات هائلة في إحدى المزارع في ضواحي فاس.
وأكد رئيس العصبة المغربية لضحايا الزيوت المسمومة جويليل الحسن اليماني، في مستهل متابعته للملف، أن العصبة المتواجد مقرها في مدينة مكناس وجمعيات عدة سبق أن وجهت مجموعة من الشكايات، وعلى امتداد سنوات إلى كل الجهات المسؤولة وعلى امتداد الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام في البلاد، لكن كلها كانت غير قادرة على اتخاذ مبادرة تضع حدًا لمأساة المنكوبين جراء جريمة بطلها إنسان ضد أخيه الإنسان، خلّفت أضرارًا بدنية وجسمانية ومآسي إنسانية، وأن الضحايا الناجين من الموت المحقق بأعجوبة في العام 1959، وهم في سن الطفولة لكن بإعاقة شديدة مدى الحياة، حرموا من إعانة مخصصة لهم بظهير شريف رقم 1.60.231 يحدث بمقتضاه لفائدة مصابي الزيوت المسمومة حق تنبر إضافي في الوصولات بالتصريح ( الأوراق الرمادية) عن العربات ذات المحرك أو المقطورة بناء على القرار الوزاري رقم 2.58.1431 الصادر في 13 شعبان 1377 الموافق 5 آذار/مارس 1958 بشأن الحقوق المستخلصة في ميدان مراقبة السير والجولان، أصدرنا أمرنا بما يلي:
الفصل الأول: يحدث لفائدة مصابي الزيوت المسمومة حق تنبر إضافي قدره أربعة دراهم عن الوصولات المسلمة عن التصريح باستخدام العربات بالمحرك ذاته أو المقطورة( الأوراق الرمادية)، وذلك زيادة على الحق المقرر في الفصل الثاني من المرسوم المشار إليه أعلاه المؤرخ في 13 شعبان الموافق 5 آذار/مارس 1958، وتحدث كيفيات تطبيق ظهرينا هذا بموجب قرار مشترك لوزير الاقتصاد الوطني والمال وزير الأشغال العمومية، ويجري العمل به بعد مضي شهر واحد على نشره في الجريدة الرسمية، رغم أن الظهائر الملكية كيفما كانت طبيعتها تشريعية أو تنظيمية سواء في الحالات العادية أو الاستثنائية فلا يجوز التطاول عليها لتجاوزها أو رفضها أو عدم تطبيقها أو التهاون في تنفيذها العمل، بمقتضياتها فور صدورها يُعتبر إلزاميًا اعتبارًا للصبغة القانونية الملزمة فور صدورها، وأن هذه الفئة حرمت من التعويض الذي تقرره القوانين الوطنية والدولية ذات الصلة بجبر الضرر المادي والمعنوي، وتعرضوا لسياسة القهر الناتج عن الظلم وبشكل ممنهج، وهو ما تُحرّمه المواثيق والمعاهدات التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الإنسان، والتي أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من الدستور الجديد، وأنه من الواجب الأخلاقي والإنساني والقانوني تطبيقها والعمل بمقتضياتها باعتبار الدولة تعهدت من خلال الديباجة التي تضمنها دستور 2011 باحترام حقوق الإنسان، عملاً بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي أنهت أعمالها مع نهاية العام 2005 .
وكشف اليماني، أن حكومة إدريس جطو اتخذت مبادرة بناءة تحمل كل القطاعات الحكومية مسؤوليتها لتعويض هؤلاء المنكوبين عما لحقهم من أضرار جسيمة، وذلك من خلال تصريح وزير الصحة في الحكومة السالفة الذكر أمام مجلس النواب بتاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 2003، مفاده أن الحكومة بصدد صياغة خطة تقضي بأن يتحمل كل قطاع حكومي مسؤوليته لتعويض ضحايا الزيوت المسمومة عن الأضرار اللاحقة بهم، لكن هذا التصريح لم يُكتب له النجاح لسبب واحد هو أنه جاء في وقت كان الجميع يعتقد أن التعويض ستتحمله الدولة من موازنتها الخاصة، مطالبًا في الوقت ذاته بالتعجيل بالرفع من قيمة الإعانة المرصودة من عائدات الإعانة من ألف درهم إلى 7500 درهم شهريًا، وإعطاء الأمر إلى القطاعات الحكومية المعنية بالنازلة لعقد اجتماع موسع بمشاركة رؤساء الجمعيات الإقليمية ورئيس العصبة المغربية عملاً بمنهجية التشاركية المنصوص عليها في الدستور، وذلك للنظر في مسألة التعويض والاتفاق على مبلغ مالي محدد ينال رضى الطرفين، عملاً بالقوانين الوطنية والدولية ذات الصلة بجبر الضرر، باعتبار أن لكل ضرر تعويض وكذا بتالتعويض والاتفاق على مبلغ مالي محدد ينال رضى الطرفين، عملاً بالقوانين الوطنية والدولية ذات الصلة بجبر الضرر، باعتبار أن لكل ضرر تعويض وكذا مكين المنكوبين من السكن الاجتماعي المقرر منذ 25 أيار/مايو 2010، والذي طال انتظاره، مبرزًا أن "الاستجابة للمطالب المطروحة تتم اعتمادًا على أموال الإعانة التي ظلت تجمع في كل من الخزانة العامة والخزانة الرئيسة منذ أول شباط/فبراير من 1961 إلى الآن، لكن ولمدة خمسين عامًا في ذمة الدولة، علمًا أن عدد الباقين على قيد الحياة من الضحايا حتى الآن لا يتجاوز 700 مصاب، وأن الضحايا ورغم العجز الذي لحق بمعظمهم، لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فالمتبقين منهم، أو الناجون من الموت المحقق بأعجوبة في 1959 والذين كان معظمهم في سن الطفولة، هم اليوم يتحركون بإعاقة شديدة مدى الحياة، فتعاقب الحكومات والمسؤولين ففي أكثر من مناسبة طالبوا خلالها بتنفيذ مقتضيات ظهير 7 كانون الأول/ديسمبر 1960 الصادر لفائدة مصابي الزيوت المسمومة في 1959، لكن دون جدوى عضو في العصبة، توقف عند مسار قضية مماثلة في الجارة إسبانيا، حيث تم الإفراج عن تعويضات لأكثر من 20 ألف ضحية للزيوت المسمومة، ونتجت عن وفاة ما بين 600 إلى 1200 مصاب، بعد أن حكمت إحدى المحاكم الإسبانية في أواسط التسعينات من القرن الماضي بحكمها القاضي بتعويض الضحايا بعد ثلاث عشرة عامًا من التسمم، هذا في الوقت الذي لا يزال ضحايا الزيوت المسمومة في المغرب ينتظرون أكثر من خمسين عامًا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر