“أدوية أساسية في حالة احتكار، وارتفاع نسبة الضريبة على القيمة المضافة، فضلا عن زيادة هوامش ربح الصيدليات مقارنة بالدول المعيارية”، في ظل إطار قانوني ضبابي، كانت هذه أبرز الاختلالات المسجَّلة في تدبير منظومة الأدوية بالمغرب من طرف الوزارة المكلفة بالصحة، رصدها التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لعام 2021، قبل أن يُجمِل خلاصاته وتوصياته في “ضرورة وضع سياسة دوائية وطنية ترتكز على تحفيز الإنتاج المحلي”.
إطار تنظيمي “غير واضح”
بعد مهمة مراقبة شملت الفترة الزمنية الممتدة بين 2014 و2021، سجل قضاة المجلس الأعلى للحسابات “بعض النقائص ذات الصلة بالإطاريْن القانوني والإستراتيجي”، لافتين إلى أنها “تُعيق عمليات الإذن بالعرض في السوق ومراقبة وتحديد سعر بيع الأدوية”، فضلا عن “غياب نظام معلوماتي مندمج”.
وقام المجلس بمراقبة عمليات الإذن بالعرض في السوق ومراقبة وتحديد سعر بيع الأدوية بـ”هدف التأكد من أن هذه العمليات تضمن توافر أدوية عالية الجودة وتمكن من تسهيل الولوج إليها اقتصادياً”، حسب التقرير الذي اطلعت عليه هسبريس؛ وخلص في هذا الصدد إلى أنه رغم “التحسينات التي عرفتها آليات تدبير هذه المنظومة فإن الإكراهات التي تواجه تطبيقها فعلياً، من حيث عدم وضوح بعض المقتضيات القانونية وغياب نظام معلوماتي مندمج، لا تمكّن من ضمان توافر الأدوية بشكل كامل وتتبعها ومراقبة جودتها بشكل فعال، وضمان الولوج إليها اقتصاديا عبر اعتماد أثمان تراعي القدرة الشرائية”.
كما يطال “القصور” عمليات الإذن بالعرض في السوق والمراقبة وتحديد ثمن بيع الأدوية ومراجعتها؛ لاسيما ما يخص استكمال الترسانة القانونية وتحديثها، وكذا إعداد المخططات التنفيذية الخاصة بالإطار الإستراتيجي وتنزيلها.
وأوصى المجلس بالعمل على استكمال الإطار القانوني المنظم لقطاع الأدوية والحرص على تحيينه بانتظام، داعيا إلى “إرساء سياسة دوائية وطنية ترتكز على تحفيز الإنتاج المحلي للأدوية، والحرص على تتبع تنزيلها”.
ربُع الأدوية “محتكَرة”
أبانت المهام الرقابية المنجزة من طرف “مجلس العدوي” أن 1229 دواء من بين تلك التي يتم تسويقها في السوق المغربية (أي ما يمثل نسبة 25 في المائة) توجد في “وضعية احتكار”، مُورداً أن “الأدوية في حالة احتكار يُقصد بها أدوية يتم تسويقها من قبل مؤسسة صيدلية صناعية واحدة”، دون غيرها.
كما “كشفت المقارنة بين قائمة الأدوية تحت الاحتكار وقائمة الأدوية الأساسية أن 315 دواءً أساسياً يوجد في حالة احتكار، ونتيجة لذلك يصعب التفاوض مع المؤسسات الصيدلية المسوِّقة لهذه الأدوية قصد تحديد سعر بيع معقول”، يعلق التقرير.
وتابع المصدر ذاته بأن “المؤسسات الصيدلية الصناعية لا تقوم جميعها بالتصريح بوضعية مخزونها الاحتياطي للأدوية وفي المدة المحددة، لدى المرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية التابع لمديرية الأدوية والصيدلة” بالوزارة الوصية، مسجلا انسحاب الملاحظة نفسها على “المؤسسات الصيدلية التي توزع الأدوية بالجملة”.
ووضع قضاة المجلس عمل “المرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية” تحت مجهر التدقيق، مؤكدين أنه “لا يتتبّع بشكل منهجي مدى امتثال المؤسسات الصيدلية لإلزامية الاحتفاظ بالمخزون الاحتياطي من الأدوية”؛ فيما أبان فحص البيانات التي قدمها المرصد سنة 2020 عن “عدم الاحتفاظ بالمخزون الاحتياطي القانوني لما مجموعه 666 دواء”.
وفي ردها، أكدت وزارة الصحة أنه “لا يتم التصريح، من طرف كل المؤسسات الصيدلية الصناعية، بوضعية مخزونها الاحتياطي لدى المرصد الوطني للأدوية والمنتجات الصحية في المدة الزمنية المحددة”، مشيرة إلى أن مديرية الأدوية والصيدلة تقوم بـ”مراسلات تذكيرية وبعمليات تفتيش آنية”.
وبخصوص تطوير سوق الأدوية الجنيسة، أكدت الوثيقة الرسمية ذاتها أن “مدة براءة اختراع الأدوية الأصلية في المغرب ما بين 20 و25 سنة، حسب ما يحدده القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، تظل طويلة نسبيا مقارنة بدول أخرى”، قبل أن يلفت إلى أن “هذه الفترة تمتد لـ10 سنوات فقط في بلدان الاتحاد الأوروبي”.
مراقبة قطاع الأدوية
اتضح لقضاة المجلس الأعلى للحسابات أن “بعض النصوص القانونية (قانون 17.04) المتعلقة بمراقبة قطاع الأدوية استغرقت وقتا طويلا من أجل اعتمادها ونشرها، بينما لم تتم صياغة نصوص أخرى”.
وهكذا، استنتج التقرير أن “المرسوم رقم 2.18.878 المتعلق بكيفيات ممارسة المراقبة من طرف الصيادلة المفتشين لم يُنشر إلا بتاريخ 8 سبتمبر 2021″، في حين أن “النصوص القانونية المتعلقة بقواعد حسن إنجاز الأعمال الصيدلية وقواعد حسن إنجاز الصنع والتوزيع المنصوص عليها في المادتين 20 و31 من القانون رقم 17.04 لم تخرج بعد إلى حيز الوجود”.
ونتيجة لذلك، سجل التقرير ملاحظة مفادها أن “مفتشي الصيدلة يعتمدون لتنفيذ مهامهم على معايير الممارسات الجيدة الفرنسية، وكذا معايير المعهد المغربي للتقييس سنة 2017”.
وشكلت عدم فعالية عمليات مراجعة سعر البيع للعموم التي تم القيام بها خلال الفترة ما بين 2014 و2021 إحدى أبرز خلاصات التقرير واستنتاجاته؛ إذ “لم يكن لها أثر ملموس على سعر البيع للعموم لبعض الأدوية”، قبل أن يَعزو المجلس ذلك بصفة أساسية إلى “الصيغة المعتمدة في مراجعة أسعار الأدوية الأصلية”، موردا أن “اختيار الدول المعيارية يستدعي دراسة مسبقة”، ومنبها إلى “ارتفاع هوامش الربح والـTVA مقارنة بالدول المعيارية”.
المجلس أوصى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بـ”تعزيز استقلالية وحكامة وموارد مديرية الأدوية والصيدلة لتمكينها من أداء دورها المتمثل في مراقبة وتتبع قطاع الأدوية بشكل فعال”؛ مع “الحرص على إنشاء آليات تحفيز وتطوير دخول الأدوية الجنيسة إلى السوق الوطنية”، ومراجعة عملية تقييم الاحتياجات الدوائية الوطنية بصفة منتظمة، مشددا على “تزويد مديرية الأدوية والصيدلة بنظام معلوماتي مندمج”، مع “دمج عمليتيْ تحديد سعر البيع والإدراج في قائمة الأدوية المعوَّض عنها برسم نظام التأمين الإجباري عن المرض”.
قد يهمك أيضاً :
الصحة العالمية تحذر من أدوية سعال مميتة في الأسواق
«منظمة الصحة العالمية» تحذر من 14 نوعاً من أدوية الأطفال
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر