تكاثرت حالات الانتحار، خلال الفترة الأخيرة، في مجموعة من المدن المغربية، الأمر الذي جعل العديدين يتساءلون عن الدوافع التي تقف وراء تنامي الظاهرة " هل يتعلق الأمر بأسباب اقتصادية واجتماعية من الدرجة الأولى؟ أم هناك عوامل عقائدية ومَناطِقية تتدخل في تفسير الموضوع الشائك؟ وما هي الفئات العمرية الأكثر تعرّضًا للانتحار؟ وهل نسبة الذكور أكبر من الإناث؟..
وتبقى كلها أسئلة غامضة في ظل غياب بيانات رسمية مُفصلة بشأن الموضوع، باستثناء بعض التقارير، التي تصدرها منظمة الصحة العالمية تزامنًا مع تخليد اليوم العالمي لمحاربة الانتحار. ويرى بعض المهتمين بأن عوامل الانتحار متعددة الجوانب، حيث لا يمكن حصرها في عامل اقتصادي أو اجتماعي أو نفسي، وإنما تُفسر الظاهرة في مجملها، لأن جميع العوامل سالفة الذكر متداخلة ومتكاملة، مشيرين إلى أن ضعف الطب النفسي يساهم في تفاقم الظاهرة.
وقال الطبيب النفسي جواد مبروكي إن "دوافع الأشخاص الذين يقدمون على عملية الانتحار تكون في معظم الأحيان نفسانية، بفعل الاكتئاب أو الاضطراب المزاجي ذي القطبين أو كل حالات الذهان , كما يمكن أن تنتج عملية الانتحار عن وجود أزمة اقتصادية أو ارتكاب جريمة كيفما كان نوعها، وكذلك بعد وقوع فضيحة ذات صبغة اجتماعية في الأساس".
وأضاف مبروكي، في تصريح أدلى به أن "محاولة الانتحار تندرج ضمن الطوارىء في الطب النفسي، لأنها تهدد حياة المريض، مما يجعل المسؤولية تقع على عاتق الطبيب والعائلة لحماية حياته، وهو ما يستوجب إخضاعه للعلاج الفوري، لاسيما عندما يعبّر عن فكرة انتحارية بشكل شفهي أو مكتوب، وكذلك حينما يُقدم على محاولة الانتحار".
اقرأ أيضاً : ارتفاع حالات الانتحار بين الشباب في قطاع غزة مع تشديد الحصار
وبشأن علاقة المعتقدات الدينية بظاهرة الانتحار، أكد الخبير على كون "جميع الأمراض النفسية عبارة عن أمراض بيولوجية لا تجمعها أي صلة بالإيمان أو الضعف الروحي لأن العديد من المنتحرين مؤمنون، بل حتى رجال الدين".
وأوضح أن "استخفاف المجتمع المغربي بخطورة الانتحار نابع من اعتباره محاولة الانتحار نتيجة للضعف الروحي، حيث يتعامل مع هذه المحاولة بكل برودة كأنها شيء بسيط وعادي للغاية، بينما تبقى حالة المريض في خطر، بفعل تكرار المحاولات الانتحارية في أي وقت، إن لم يوضع تحت مراقبة طبية لتوفير الخدمات العلاجية".
وفي رده على سؤال بشأن طريقة تعامل المراكز الاستشفائية مع هذه الحالات، أبرز المحلل النفساني أن "الأخطر في الموضوع يكمن في تقديم بعض الإسعافات الأولية للمريض، لمّا ينقل إلى قسم الطوارى عقب محاولة الانتحار، ليتم إرجاعه إلى المنزل من دون إخضاعه إلى فحص طبي نفسي كافٍ".
ويُفسّر الطبيب النفسي دوافع إقبال الفئات المُسنة على الانتحار بالقول: "الانتحار لدى المسن له خصوصية مختلفة عند المراهق أو الشاب، لأن المسن لا ينتحر بطريقة انفعالية واندفاعية بهدف إثارة انتباه المحيط، بل يأتي بعد تفكير طويل يقتنع فيه بأن الموت يعتبر الوسيلة الوحيدة لتخليصه من العذاب"، مضيفًا أن "الأمراض المزمنة التي يعانيها المسن أو انهيار قواه الفيزيولوجية أو حصوله على التقاعد بعد إنشاء الأبناء لحياتهم الخاصة أو وفاة شريك الحياة يمكن أن تؤدي إلى الانتحار".
وفيما يتعلق بحالات الانتحار لدى الأطفال، أكد المحلل نفسه أن "الطفل يمكن أن يقوم بهذا التصرف بشكل مفاجئ، بدون أن يقوم بتقييم المخاطر الحقيقية الناجمة عن الفعل، مثل فقدان الحياة على سبيل المثال , لكن يمكن اعتبار ذلك وسيلة لحل مشاكله المدرسية والعلائقية والأسرية، وقد يأتي في سياق تقليد لعبة معينة أو مغامرة , ويصعب علينا كمهنيين الجزم بأن الانتحار لدى الطفل فعل ناجم عن التفكير الممنهج والمقصود" , أما الانتحار في صفوف المراهقين، يوضح مبروكي، "فينتج في غالب الأحيان عن علاقة مرضية بين الأبوين والابن، حيث يأتي الانتحار إثر دافع غير متحكم فيه من قبل المراهق، أو التصرف الموالي لنوبة غضب معينة، وكذلك للتعبير عن تعرضه للظلم أو انفصال عاطفي أو خيانة".
قد يهمك أيضاً :
اكتشاف جهاز يساعد الإنسان على تخفيف ألم ومعاناة الحياة
طبيب أسترالي يكتشف آلة تُساعد الإنسان على تخفيف ألم الحياة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر