يمكن أن أتفهّم وجود هذه الأعضاء عند الأنثى بحكم الوظيفة المُوكلة إليها خلال عملية الرضاعة مِن أجل إطعام الوليد وتأمين ركائز نظام تغذيته وجهازه المناعي الداعم، لكن عندما يصل الأمر إلى الذكور يجب أن نقف قليلًا ونتساءل، لماذا يمتلك الذكور أشياء غير مفيدة لديهم؟
هذا هو سبب امتلاك الذكور للحلمات على الثديين حتى مع فقدها للوظيفة عندهم في الحالة الطبيعية، علمًا بأنه من الممكن تحفيز الثدي عند الذكور ودفعه إلى إنتاج الحليب، وخلال الأسبوع السادس تبدأ الأجنة الذكرية بإنتاج الهرمونات الذكرية مثل التستوستيرون، عادةً، حلمات الذكور لا تتغير كثيرًا بعد هذه النقطة.
ومع ذلك، فإن في بعض الذكور تتطور حالة تعرف باسم التثدي، فيها تتطور الأنسجة الدهنية حول وتحت الحلمة إلى شيء مشابه للثدي عند الأنثى، وقد يحدث هذا الأمر كلما انخفض مستوى هرمون التستوستيرون، والتثدي، وإن لم يكن حادًا، قد يحدث خلال فترة البلوغ، حيث يمر الذكر والأنثى على السواء بتغيرات جسدية بسبب الإفراز السريع وغير المنضبط للهرمونات، بما في ذلك الاستروجين، حيث أن ارتفاع مستويات هرمون الاستروجين في الذكور يؤدي إلى تورم الحلمة والأنسجة المحيطة بها – وهذا في كثير من الأحيان يمكن أن يبدو مشابهًا للحلمة البشرية النسائية.
وخلال الأسابيع الأولى يكون الجنين الذكري مُماثلًا للجنين الأنثوي تمامًا، وفي هذه المرحلة بالتحديد يتم تطوّر حلمات الثدي لدى كل من الأجنة على حدٍ سواء، لكن بعد نحو 6 إلى 7 أسابيع من الحمل يبدأ التمايز الجنسي بتدخل الكروموسوم Y الذي يقوم بجعل الذكر ذكرًا، وذلك من خلال بداية نمو الخصيتين وبقيّة أعضاء الجهاز التناسلي الخاص به.
وبعد تشكّل الخصيتين، يقوم الجنين الذكر بإنتاج التستوسترون عند نحو الأسبوع التاسع من الحمل مُغيّرًا بذلك النشاط الجيني للجهاز التناسلي والدماغ معًا، أمّا الحلمات فتكون قد بقيت في مكانها دون أي تغير، لأنّها نشأت في مرحلة ما قبل التمايز، فكان الجنين الذكر يُعامل كالأنثى، فبقيت الحلمات في مكانها كتذكار على بداية التطوّر الجنيني.
لربما الآن فهمنا سبب وجود الحلمات في مكانها عند الذكور، لكن ما الذي يدفع الناس لإبقائها؟ هل هناك فائدة مرجوة أو ضرر ما؟
الأمر أقل تعقيدًا من هذا، فالحلمات عند الذكور غير ضارة وليس لها أي قيمة استقلابية في نظام أيض الإنسان، وكونها غير ذات أهمية قصوى أو ضرر بالغ، لم يُوجد توجّه تطوري قوي من أجل التخلص منها واستئصالها من مكانها، وهذا كله في الحالة الطبيعية، لكن في بعض الأحيان ومع انخفاض معدل هرمون التستوسترون لدى الذكور، تنشأ حالة تعرف باسم التثدّي Gynaecomastia أو أثداء الرجال، وهي تضخم في أثداء الذكور بحيث تقارب نوعًا ما الأحجام الموجودة لدى الأنثى.
وتحدث حالة أثداء الرجال هذه بسبب اختلال التوازن لدى هرمونات الجسم بحيث ينخفض هرمون الذكورة ويزداد هرمون الأنوثة، وبالتالي تبدأ الأعضاء التي لها قرابة أنثوية بالنمو وزيادة الحجم، وفي بعض الأحيان تلعب البدانة وزيادة الوزن دورًا في نشوء هذه الظاهرة أيضًا.
أمّا من ناحية العلاج فالأمر قد يسلك سلوكين: الأول علاج تنظيمي يتلخّص في تناول عقاقير لها علاقة بتنظيم هرمونات الجسم وإعادة التوازن فيما بينها إلى الحالة الطبيعية، أمّا الثاني فعلى علاقة بالاستئصال الجراحي لا سيما إن لم ينجح العلاج الأول.
ومن هنا يمكن القول أنّ حلمات الرجال ما هي إلّا تذكار صغير من بداية المرحلة الجنينية للتطوّر البشري، إذ أنّ الكروموسوم Y لم يكن متواجدًا حينها فخضع كل من الذكور والإناث لنفس المخطط الجيني ونشأت الحلمات حينها، لكن فيما بعد تغيّر المسار وبقيت هي كشاهد على ما حدث في بداية الرحلة بأكملها.
التثدي:
هي حالة شائعة عند الفتيان في سن المراهقة وكبار السن من الرجال، حيث يزداد فيها حجم الثديين عن الحجم الطبيعي.
ما هي علامات التثدي؟
تتراوح العلامات بين نمو كمية بسيطة من الأنسجة حول الحلمات إلى تضخم واضح للثديين، مؤثرًا على كلا الثديين أو أحدهما، وقد يصاحب ذلك بعض الألم.
ما هي أسباب التثدي؟
يحدث التثدي نتيجة لأسباب متعددة:
1. خلل في توازن الهرمونات
قد يكون التثدي ناتجًا عن خلل في التوازن بين هرموني الجنس التستوستيرون والإستروجين.
الإستروجين هو الهرمون المسؤول عن نمو الأثداء، ويُفرز عند الرجال بكميات صغيرة، بينما يمنع هرمون التستوستيرون الإستروجين من إنماء نسيج الثدي، حيث يُفرز الأول بكمات كبيرة عند الرجال، وفي بعض الحالات تكون العلة التي سببت هذا الخلل مجهولة.
2. السمنة
السمنة من الأسباب الشائعة التي تسبب التثدي، حيث تؤدي إلى زيادة في إفراز هرمون الإستروجين، إلا أنه وفي حالات أخرى قد لا يكون للموضوع علاقة بالسمنة، فيُلاحظ أن التمارين الرياضية لا تجدي نفعًا.
الأطفال الذكور حديثي الولادة
عادة ما يختفي التثدي عند المواليد الجدد بعد أسابيع من الولادة، حيث يكون مؤقتًا. وفي هذه الحالة يكون ناتجًا عن انتقال هرمون الإستروجين من الأم إلى جنينها عن طريق المشيمة.
3. سن البلوغ
يكون الفتيان معرضين للتثدي في هذه السن نتيجة لتفاوت كمية الهرمونات المفرزة، فينمو الثديان نتيجة لزيادة إفراز هرمون الإستروجين، وعادة ما يتلاشى من تلقاء نفسه حين يستقر معدل إفراز الهرمونات.
4. التقدم بالسن
مع تقدم الرجال بالعمر، يقل معدل إفراز هرمون التستوستيرون، كما يميل الجسم إلى تكديس كمية أكبر من الدهون؛ مما يزيد من إفراز الإستروجين، وهذا بدوره يجعل كبار السن من الرجال عرضةً للإصابة بالتثدي.
5. أسباب أخرى
1. في حالات نادرة ينتج التثدي بسبب:
2. الآثار الجانبية لتناول بعض الأدوية كمضادات القرحة، وأدوية أمراض القلب.
3. العقاقير غير المشروعة كالمواد المخدرة والمنشطات.
4. الإكثار من شرب الكحول.
5. الفشل الكلوي وأمراض الكبد.
6. متلازمة كلاينفلتر "اضطراب وراثي نادر".
7. أورام أو التهابات الخصيتين.
علاج التثدي
من المهم مراجعة الطبيب في حال تطوّر التثدي إلى مرحلة مقلقة، والشعور بكتل واضحة، وقد يقترح نوعين من العلاج، إما تناول العقاقير المنظمة لإفراز الهرمونات، أو علاج آخر جراحي وذلك في حال لم يستجب الجسم للعقاقير المنظمة، وزيادة الشعور بألم في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى عدم وجود علاقة بين التثدي وسرطان الثدي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر