أياما بعد تخليد “اليوم العالمي للصحة النفسية”، المصادف للعاشر من أكتوبر من كل عام، وتزامنا مع إعلان وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالمغرب عن تنظيم “الحملة الوطنية الثانية لمكافحة وصم الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية”، ما بين 17 و27 أكتوبر 2022، تحت شعار “الاضطرابات النفسية حالة طبية.. الكرامة والحقوق ليك وليا”؛ انعقد مساء الإثنين بالرباط لقاء تحسيسي وتواصلي حول موضوع “الصحة النفسية والعقلية في زمن التواصل الاجتماعي”.
الندوة التي جمعت باحثين وأطباء في علم النفس، فضلا عن ناشطين مشهورين على مواقع التواصل، ونظمتها منظمة الصحة العالمية بالمغرب، بشراكة مع “منصة شفاء”، سلطت الأضواء على الاضطرابات النفسية في زمن التواصل الاجتماعي، لاسيما لدى الأطفال والمراهقين.
مريم بيگدالي، ممثلة منظمة الصحة العالمية بالمغرب، نبهت في مداخلتها إلى الاضطرابات السلوكية الناتجة عن إدمان مواقع التواصل؛ مشيرة إلى أن الشباب “يجب أن يسترجع حياته بعدما خطفتها منه وسائل التواصل الاجتماعي وصار أسيرا لها”.
وعرجت بيكدالي في معرض حديثها على “أثر الشاشة”؛ لافتة إلى الارتباط بالصورة وزخمها القوي، لاسيما في فترات الحجر الصحي، ما تسبب في “سلوكيات إدمانية” لدى أغلب مستعملي الشبكات الاجتماعية.
وتأسفت ممثلة “OMS” بالمملكة بشأن “التأثير ذاته الذي أصبح يزحف نحو الأكثر سنا”، ولما قالت إنها “جائحة الأخبار الزائفة Infodémie” التي اجتاحت العالم بالموازاة مع الجائحة الوبائية.
كما أكدت بيغدالي أن “استعمال وسائل التواصل ورصد الإدمان عليها يظل رهين مسؤولية مشتركة تجاه مستهلكي السوشل ميديا”؛ وذلك في ظل غياب أي أرقام ترصد الظاهرة كميا ونوعيا في الأوساط الاجتماعية المغربية.
وجوابا عن سؤال لهسبريس، خلال فعاليات النشاط ذاته، أكدت المتحدثة وجود تعاون مع مؤسسات أممية أخرى تهتم بالصحة العقلية والنفسية، قائلة: “لدينا برنامج عالمي موجه للمراهقين خصيصا بخصوص إدمانهم على مواقع التواصل”، قبل أن تلفت إلى أنه يروم “التربية على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديثة من خلال تكوين المدرسين والآباء على حد سواء”.
وخلصت المتحدثة ذاتها إلى أنه “نظام نسقي ومتداخل المسؤوليات قصد الترافع على الحق في صحة نفسية وعقلية جيدة”، خاتمة: “يجب العمل عليه بتأنٍ نظرا للدور الهام الذي أصبح يشغله من يوصفون بالمؤثرين في فضاءات التواصل الافتراضي”.
بدورها، عبّرت الدكتورة سلمى عزاوي، اختصاصية الطب والعلاج النفسي بالرباط، عن “شكر القائمين على هذا اللقاء وإتاحة فرصة نقاش موضوع لا نتحدث كثيرا عنه”؛ مؤكدة أن “أول المقصّرين في عدم التوعية هم الأطباء النفسانيون أنفسهم وأصحاب الاختصاص والمجال”.
وذكرت عزاوي، ضمن مداخلتها، أرقاما دالة على عدم الاعتناء بالصحة النفسية والعقلية في المغرب، من خلال نقص الأطر الطبية والمستشفيات المختصة جهويا، وزادت: “يجب مضاعفة عدد الأطباء 3 مرات لبلوغ المعدل العالمي”.
الدكتورة ذاتها فصّلت في عوامل تدهور الصحة النفسية والعقلية، مؤكدة أن وسائل التواصل الاجتماعي جزء من الأسباب وليست سببا مباشرا، وعازيةً الأمر في عمقه إلى تأثر الأفراد بعوامل “بيئة جينية وراثية تكون مرتعا خصبا لانتشار الأمراض العقلية؛ ما يعني هشاشة بيولوجية”، على حد وصفها.
كما شددت عزاوي على كون عامل المحيط يظل حاسما في علاقة مباشرة بالاضطرابات العقلية والنفسية؛ مشيرة إلى أن “مشاهدة فيديو مثلا قد تقلب حياة شخص وتسبب له اضطرابات بشرط أن يكون ذا قابلية”.
“هناك أسبوعيا حالات مرضية أستقبلها في عيادتي تتعلق باضطرابات نفسية ذات علاقة باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، تسجل الدكتورة النفسانية ذاتها، مشيرة إلى أن السبب الأساس يعود إلى رغبة الناس في “البحث عن تقدير في السوشل ميديا، لتعويض النقص في التقدير والثقة في الذات”.
وخلصت عزاوي إلى أن “تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية والنفسية في ارتفاع متواصل، بعدما فاقمته جائحة كورونا”، منبهة إلى أن “غالبية الاضطرابات التي تم تسجيلها تجلت في زيادة نسب الاكتئاب والقلق”، ومفسرة الأمر بالعزلة التي عاشها أفراد المجتمع، و”تأثيرها على التقدير الذاتي للشخص وعلى طبيعة تواصله مع الآخرين”.
وتعرّف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المرض العقلي بأنه “مرض مثل أي مرض آخر، معترف به على هذا النحو من قبل منظمة الصحة العالمية، وهو ينشأ من مزيج من العوامل الجينية والبيولوجية والبيئية وتجارب الحياة الشخصية”، معتبرة الاضطرابات النفسية “مشكلة من مشاكل الصحة العامة”.
يذكر أنه حسب معطيات الوزارة ذاتها فإن 48,9 في المائة من المغاربة، ممن تبلغ أعمارهم 15 سنة فأكثر، يعانون من واحد أو أكثر من الاضطرابات النفسية؛ حيث يعاني 26,5 بالمائة من اضطرابات القلق، و6,5 بالمائة من الاضطرابات الذهنية.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر