واشنطن - يوسف مكي
لا تزال اضطرابات الإبصار لدى الأطفال في مناطق واسعة من العالم تنال عناية أقل بكثير مما يجدر عليه الحال، رغم تأكيد كثير من المصادر الطبية أن مشكلات الإبصار لدى صغار السن، وخصوصًا أولئك الذين في عمر ما قبل دخول المدرسة، لها تأثيرات عميقة في تطور القدرات البصرية المستقبلية للطفل وفي تطور القدرات الحركية ووظائف الإدراك والتفكير، ويُمكن أن تُؤدي إلى عواقب نفسية سلبية، وضمن عدد 8 مايو "أيار" الجاري من مجلة جاما طب العيون ، طرح الباحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا نتائج دراستهم الواسعة بشأن مدى تفشي اضطرابات الإبصار لدى الأطفال الصغار في عمر ما قبل الدخول إلى المدرسة، ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن أكثر من 175 ألف طفل أميركي يُعانون من اضطرابات في الإبصار يُمكن معالجتها والتغلب عليها، كما تضمن عدد 23 مارس آذار الماضي من مجلة جاما طب العيون، عرضًا لباحثين من جامعة متشيغان لنتائج دراستهم بشأن مدى الممارسة الفعلية في الولايات المتحدة لتلقي مرضى السكري صغار السن لفحص العيون، ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن أكثر من نصف مرضى النوع الثاني من السكري وأكثر من ثلث مرضى النوع الأول من السكري لا يتلقون فحص العيون وفق ما تنص عليه الإرشادات الطبية للعناية بسلامة وصحة العيون لدى مرضى السكري، وكانت "فرقة الخدمات الوقائية الأميركية" U.S. Preventive Services " قد أصدرت في 28 فبراير شباط الماضي مسودة نسخة تحديث إرشادات العناية بعيون الأطفال، والتي كان قد صدر آخر تحديث لها عام 2011.
وتضمنت المسودة نصيحة لجنة الخبراء بأن يتم إجراء فحص لعيون الأطفال على أقل تقدير مرة واحدة قبل بلوغ عمر خمس سنوات لتتبع مدى وجود الإصابة بالعين الكسولة Lazy Eye، أو ما تعرف طبيًا بحالة "الغمش" ومنع الإصابة بفقد دائم في قدرة إبصار العين الكسولة لاحقًا بما لا يُمكن تفاديها .
وعرض خبر دراسة الباحثين من جامعة جنوب كاليفورنيا تحت عنوان "مشاكل الرؤية غير المعالجة... طاعون أطفال مرحلة ما قبل المدرسة"، وأفاد الباحثون في نتائج دراستهم بأن نحو 175 ألفًا من أطفال ما قبل المدرسة يُعانون من أنواع اضطرابات الرؤية الشائعة القابلة للتعديل والمعالجة ولكنهم لا يتلقون أي معالجة لها، وأن هذه الأرقام من المتوقع أن ترتفع بشكل حاد في خلال الأعوام المقبلة، وتحديدًا كشف الباحثون بأن نسبتهم في عام 2060 ستكون 26 في المائة من بين جميع الأطفال في عمر ما قبل المدرسة.
وعلق الدكتور روهت فارما، الباحث الرئيس في الدراسة ومدير مركز روسكي للعيون في جامعة جنوب كاليفورنيا، بالقول:"«النسبة المرتفعة حاليًا للأطفال الذين لديهم اضطرابات في الرؤية يُمكن بسهولة منع حصولها ومعالجتها، هي نسبة مزعجة، وتعني بأن ثمة ضرورة مُلحّة لرفع فحوصات العيون ورفع مستوى الوعي بشأن أهمية فحص العيون للأطفال ما قبل بلوغهم سن الدخول إلى المدرسة"، ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن نحو 70 في المائة من اضطرابات الرؤية غير المعالجة لدى هذه الفئة من الأطفال والتي تتسبب بعدم وضوح الرؤية لديهم هي بسبب "خطأ الانكسار" Refractive Error للضوء عند المرور عبر تراكيب العين والذي يتسبب بعدم قدرة تراكيب العين على تحقيق تركيز دقيق للضوء على شبكية العين، ما يُؤدي إلى عدم قدرة الدماغ على صناعة مشهد واضح لما يراه الطفل أمامه، أي بعبارة أخرى أن يكون لدى هؤلاء الأطفال إما أن لديهم حالة "بُعد نظر" Hyperopia لا يُمكنهم من رؤية الأشياء البعيدة بوضوح، أو أن لديهم حالة "قصر نظر" Myopia لا يُمكنهم من رؤية الأشياء القريبة بوضوح، وفي هاتين الحالتين يكون ثمة اضطراب في شكل العين.
وفيها يكون وصف عدسات تُثبت في إطار النظارة هو الحل الأمثل والكافي في غالبية الحالات للتغلب على مشاكل وصعوبات الرؤية، ولكن ببساطة، كما قال الباحثون، هذه الوسيلة العلاجية لا يتلقاها هؤلاء الأطفال.
وأضاف الدكتور فارما قائلًا "النصيحة هو أن يتلقى جميع الأطفال على الأقل فحصًا واسعًا وكافيًا للعين مرة واحدة على أقل تقدير بحلول السنة الثالثة من عمر الطفل، ولكننا وجدنا أن فقط 12 في المائة من الأطفال تلقوا هذا الفحص المنصوح به والذي يشمل توسيع حدقة العين بالقطرة قبل بلوغهم عمر خمس سنوات".
واستطرد قائلًا "المشكلة شائعة، ذلك أن حتى الأطفال الذين يُعانون من حالات مرضية في قدرة الإبصار من النوع الواضح للعيان عند النظر إلى الطفل، مثل كسل العين أو الحول، فإن أقل من 30 في المائة من الأطفال الذين لديهم كسل العين يتلقون فحصًا كاملًا للعين بعمر أربع أعوام".
ولم يُبد ألفرد سومر، أستاذ طب العيون في كلية طب جامعة جون هوبكنز، أي دهشة بشأن النتائج، وأشار إلى أن هذا الوضع معروف جيدًا، وقال الباحثون إن معنى نتائج دراستهم هو أن فحص العين للأطفال الصغار في عمر ما قبل الدخول إلى المدرسة والتدخل المبكر في معالجة أي اضطرابات في قدرات الإبصار هو تدبير يمنع إعاقات لا مبرر لاستمرارها في الرؤية لديهم، وهي الإعاقات البصرية التي ترتبط بتأخير التطور كضعف مهارات القراءة.
عيون مرضى السكري
ومعلوم أن العيون، وتحديدًا شبكية العين، هي عنصر محوري في قدرات الإبصار، وهي في الوقت نفسه من المناطق المستهدفة بالضرر في الجسم كأحد مضاعفات وتداعيات السكري، وتنص الإرشادات الطبية على ضرورة إجراء فحص شامل للعيون لدى مرضى النوع الثاني من السكري للكشف عن أي مظاهر لـ"الاضطرابات المرضية في الشبكية بسبب السكري"، بمجرد تأكيد تشخيص أي إنسان، وفي أي عمر كان، بهذا المرض، كما تنص على ضرورة إجراء فحص شامل للعيون بعد خمس سنوات من تشخيص إصابة صغار السن بالنوع الأول من مرض السكري، ولاحظ الباحثون من جامعة متشيغان أن كثيرًا من الصغار في السن المرضى بالسكري لا يتلقون العناية اللازمة بالعيون، وتحديدًا إجراء فحص شامل للعيون، مؤكدين أن "الاضطرابات المرضية في الشبكية بسبب السكري"، هي من المضاعفات والتداعيات المهمة للسكري، وفيها يحصل تسريب من الأوعية الدموية الصغيرة، ما يُؤدي إلى تلف في الشبكية العينية وتدني قدرات الإبصار، ولاحقًا قد تتسبب بالعمى وفق ما تذكره المؤسسة القومية للعيون في الولايات المتحدة U.S. National Eye Institute. وتضيف قائلة إن هذه الحالة قد لا تتسبب بأي أعراض مرضية واضحة وتدل عليها في بداية الأمر، ما يجعل من المفيد ضرورة إجراء توسيع لحدقة العين من قبل طبيب العيون وفحص شبكية العين بشكل دقيق، وشمل الباحثون في دراستهم هذه 5400 مريض بالنوع الأول من السكري، ممنْ متوسط أعمارهم 11 عامًا، كما شملوا أيضًا 7200 مريض بالنوع الثاني من السكري ممنْ متوسط أعمارهم 19 عامًا، ولاحظ الباحثون أن فقط 65 في المائة من مرضى النوع الأول من السكري، وفقط 42 في المائة من مرضى النوع الثاني من السكري، يتلقون بالفعل فحص العيون وفق الإرشادات الطبية المنصوح بممارستها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر