أجرى المريض براين وليامز 15 عملية منظار داخلي على مدار 15 عامًا، وهو ليس لديه ما يدعوه للشك للقيام بهذا الإجراء. والمنظار هو عبارة عن أنبوب رفيع وطويل ومرن مصحوب بضوء وكاميرا عالية الوضوح في نهايته يتم تمريره داخل الجسم ويتم من خلاله التقاط بعض الصور، وفي أغلب الأحيان عينات من الخلايا، ويتم هذا الإجراء تحت تأثير التخدير. أما إذا كان المنظار سيمرُّ عن طريق الحلق كما هي حالة براين، فإنه يتم استخدام مخدر رش موضعي (وأحيانًا بعض المخدر الخفيف).
ويستخدم المنظار بشكل أساسي لتشخيص أسباب الحموضة المعوية والغثيان والتقيؤ وآلام الصدر وللبحث عن مؤشرات لوجود التهابات والقرح والأورام في المريء والمعدة. ويعد المنظارأحد أكثر الاختبارات شيوعًا في الخدمات الصحية الوطنية ويقوم به حوالي 54 ألف شخص شهريًأ.
وكان المنظار الأول الذي أجراه براين قبل 15 عامًا. وكشف الاختبار أن لديه "باريت المريء" وهي حالة تسبق السرطان وتؤثر على حوالي شخصين من بين 100 شخص في بريطانيا حيث الخلايا المبطنة للمريء تتغير بسبب المادة الصفراء الناتجة عن الحموضة المعوية المستمرة ، بينما لا تتطور معظم حالات المرضى إلى سرطان باستثناء رجل واحد من بين 20 رجلًا وسيدة واحدة من بين 33 سيدة. ولكن غالبًا ما يتم كشف الحالة في وقت متأخر عندما لا يصبح لها علاج.
ويقول براين الذي يبلغ 69 عامًا من "فارنهام" في ساري دائمًا ما أتعرض للحموضة المعوية بعد تناول أطعمة معينة مثل البصل والكاري والأطعمة الغنية بالتوابل أو تناول الطعام في أوقات متأخرة من الليل ولكنها أكثر المصادر إزعاجًا تصل لما هو أبعد من تناول جافيسكون. وأضا: كان من الصادم معرفة انني أعاني من الباريت، ويتم وضع براين على مضخة بروتون وهو دواء مثبط يعمل على تقليل إنتاج الحامض كما يقوم بإجراء منظار كل عامين لرصد حالته.
وكان تناول براين للعقار قد قلل من إصابته بالحموضة المعوية إلى حد كبير ولكن قبل خمس سنوات كان براين قد أجرى منظارًا في مستشفى "سانت توماس" في لندن كشف من خلاله عن مزيد من التشوهات الكبيرة في خلايا المريء ليصبح من بين الواحد من مئة الذي لم يحالفه الحظ. فقد ساء باريت المريء، وهو ما تطلب علاجًا عاجلًا حيث إن هناك فرصة بنسبة 60% لتتطور حالته لسرطان المريء خلال الخمس سنوات المقبلة.
وحتى وقت قريب كان العلاج المعتاد هو إجراء عملية جراحية لإزالة معظم المريء ورفع المعدة لعمل مريء جديد والإقامة لمدة لا تقل عن يومين في العناية المركزة مع تصريف للصدر وأنابيب تغذية (حيث أن حوالي ثلث المرضي يواجهون صعوبة في تناول الطعام بعد إجراء العملية) ولا تزال هذه الطريقة تستخدم في معظم مستشفيات بريطانيا حتى وقتنا هذا.
ومع ذلك فقد لجأ براين إلى عالم الأبحاث المتقاعد الدكتور جايسون دون وهو استشاري أمراض الجهاز الهضمي في "غاي آند سانت توماس" التابعة لمؤسسة خدمات الصحة الوطنية في لندن الذي قام بعلاج منظاري جديد بأقل تدخل جراحي مدته 40 دقيقة ويتم تحت تأثير مخدر وتتضمن التقنية الجديدة إدخال المنظار وأدوات صغيرة أخرى أسفل الحلق تقوم بقطع جزء من البطانة المتضررة ويتم استخدام هذه التقنية الجديدة في 40 مستشفى في بريطانيا.
وبعد شهرين من إجراء الجراحة فإن الجزء المتأثر الباقي من المريء الخاص ببراين تم علاجها من خلال ترددات راديوية وهي جرعات كبيرة من الموجات الراديوية تعمل على تدمير البطانة وتسمح بنمو بطانة صحية جديدة، ونجح العلاج الجديد.ويذهب براين الى المستشفى مرة واحدة كل عام لإجراء فحص باستخدام المنظار. ومع ذلك في ما يخص شقيقه الأصغر كولين وهو مهندس ميكانيكي تعرض لنفس مشاكل الحموضة المعوية ولكن كانت قصته أكثر اختلافًا وحزنًا. فعلى الرغم من وجود أعراض الحومضة المعوية وصعوبة في البلع إلا أنه لم يكلف نفسه عناء زيارة الطبيب، وبعد سنوات من مشاكل الارتجاع قرر كولين الذهاب لعمل اختبارات بعد 3 سنوات من معاناته بشكل خاص من صعوبة البلع ووجد أنه في مرحلة متقدمة من سرطان المريء وأصبح الوقت متأخرًا للتعامل مع هذا النوع المتقدم من السرطان. وتوفي كولين منذ عامين في سن 66 عامًا. وقال براين لو لم أكن أذهب لإجراء الفحص والمنظار بشكل منتظم لأصبح هذا مصيري أيضًا. وأضاف من المهم جدًا الحول على مساعدة كلما كان الوقت مبكرًا.
وتضم بريطانيا أعلى معدل للإصابة بسرطان المريء من بين دول الاتحاد الأوروبي وربما يعود هذا إلى أن لديهم قابلية وراثية لهذا المرض وحتى الآن ووفقًا للبحث الأخير الذي أجري العام الماضي من قبل الصحة العامة في انجلترا فإن هناك الكثير من الناس لا يدركون أن هناك علاقة بين الارتجاع والمرض على الرغم من أن حوالي 10% من الذين يعانون من
الحموضة المعوية لديهم باريت وقد كشف البحث أن ما يقرب من ثلثي الناس لا يعرفون أن الحموضة المعوية قد تكون علامة على الإصابة بسرطان، ومشكلة أخرى هي الكثير من المرضى الذين يعانون من ارتجاع مستمر لا يذهبون إلى طبيبهم العام للحصول على مساعدة بدلًا إدراة حالتهم بتناول الكثير من الوصفات العلاجية وحتى عندما يذهبون فإنهم لا يذهبون لإجراء منظار ويقول الدكتور دون :غالبًا ما تكون هناك أعراض قليلة أو لا تكون هناك أعراض بين المرضى، وغالبًا ما يأتون في وقت متأخر عندما يصبح سرطان المريء في مرحلة متقدمة ولا تكون هناك فرص للعلاج. وأضاف: التحدي هو تحديد المريض الذي يعاني من الباريت في المريء في وقت مبكر والتدخل في هذه الحالات الأكثر تعرضًا للمخاطر قبل تطور السرطان.
وفي محاولة من بريطانيا لتحسين سجلها الكئيب في هذا النوع من السرطان فقد أطلقت وزارة الصحة العامة حملة العام الماضي لرفع الوعي بين المواطنين بأن هناك ارتباطا بين الحموضة المعوية وسرطان المريء لتشجيع المرضى للذهاب إلى الطبيب إذا كانت لديهم أعراض معظم الأيام لمدة 3 أسابيع أو أكثر، وفي خطوة منفصلة فقد قام المعهد الوطني للصحة والعناية الفائقة بالحث على تحديد مواقع لإرسال المرضى على نطاق أوسع والمحتمل وجود أعراض الإصابة بالسرطان بينهم (مثل ألم في البطن وفقدان غير المبرر للوزن) للقيام باختبارات في محاولة لضمان تشخيصهم المبكر قد الإمكان.
وفي حين تبدو هذه الحملة ناجحة إلى حد ما وقيام ضعف عدد المرضى بالقيام بمنظار إلا أنها تمدد خدماتها لنقطة الانهيارفي وحدات المكافحة لمواكبة الطلب، وينتظر المرضى لأكثر من 6 أسابيع للقيام بالمنظار ووفقًا للأرقام الأخيرة التي أعلنتها خدمات الصحة الوطنية في إنجلترا فإنه على الرغم من انخفاض الأعداد الموجودة في قوائم الانتظار إلا أن 3.6% من المرضى عليهم الانتظار لـ6 أسابيع أو أكثر لإجراء المنظار عبر الحلق (الهدف الوطني أقل من 1%).
والمشكلة هي أسوأ ما في اختبارات المنظار الأخرى مثل منظار للأمعاء يسمى بالمنظار السيني المرن والذي أدى إلى تراجع الوفيات بسبب سرطان الأمعاء بنسبة 40% عندما وضع كجزء من البرنامج القومي للفحص وعادة ما يكون الانتظار فيه لمدة أسبوعين فقط. وتشير الأرقام خارج هذا النطاق بإن 4.3% من المرضى ينتظرون لـ6 أسابيع أو أكثر للقيام بهذا
الإجراء. ويقول الدكتور آندرو فيتش وهو استشاري أمراض الجهاز الهضمي في "رويال ولفرهامبتون" التابعة لخدمات الصحة الوطنية : الفكرة هي ذهاب المرضى للأخصائيين بأسرع وقت حتى نتمكن من اكتشاف السرطان في مرحلة مبكرة أو مرحلة ما قبل وجود السرطان لتحسين النتيجة.
ويستطرد الدكتور فيتش في حديثه قائلًا : ومع ذلك فهناك مشكلة كبرى مع قدرة المنظار مع المشكلة الفورية الكامنة في نقص الأطباء والممرضين المدربين على تقديم الزيارات السريعة تلبية لطلب الخدمات، فعلى مدار الـ10 سنوات الماضية تحسنت مستويات التنظير وكفاءتها في الخدمات الجارية في بريطانيا. وتسعى دول أخرى لتكون مثل بريطانيا للمساعدة في تحسين خدماتها، ومع ذلك فإن عوامل من بينها الشيخوخة بين السكان تعني أن هناك زيادة بمعدل 10% تتطلب إجراء منظار كل عام كما أننا ندعم المبادرات لزيادة الكشف المبكر عن السرطان على الرغم من وجود حملات لتحقيق أكبر قدر من الوعي بشأن الأعراض وهو ما يضع مزيد من الضغوط على الخدمة، والكثير من الخدمات الروتينية التي تعمل على مدار 6 أيام في الأسبوع، وفي بعض الحالات 7 أيام ونحن حريصون على الحصول على المرضى في وقت مبكر لبدء العمل معهم، ولكن هذا تحدٍ مع القوى العاملة والمرافق المتاحة لدينا، إنها ليست مستدامة ولكننا بحاجة إلى العمل بأكبر قدر من الكفاءة ولكننا بحاجة أيضًا إلى مزيد من الأطباء، وتنبع المشكلة من حقيقة أنه يلزم عام على الأقل لتدريب الأطباء والممرضين المتخصصين للقيام بهذه الإجراءات كما أن وزارة الصحة تمنحنا 6 أشهر محذرة بأنها ستنفذ حملة التوعية ولكن الأمر يتطلب عامًا لتدريب المزيد من فريق العمل.
وأضاف : إذا كنا قد بدأنا بالتدريب على الفور فسيكون هناك فارق في الوقت قبل أن يكون لدينا فريق عمل كاف لديه المهارات ليبدأ بتنفيذ الاختبارات. ويوجد في الوقت الحالي حوالي 3500 طبيب وممرض مدرب للقيام بالمنظار في إنجلترا. ولكن هناك حاجة الى مزيد من المئات ومع ذلك فقد حث الدكتور دون أي شخص يعاني من ارتجاع للحمض باستمرار أو لديه تاريخ عائلي من البرايت أو سرطان المريء أن يتوجه لطبيبه العام لأنه قد يكون بحاجة للقيام بمنظار وعلق أيضًا إذا تعرضت لارتجاع حمض لأكثر من 3 أسابيع عليك استشارة الطبيب وخاصة إذا تجاوز عمرك 55 عامًا، وعلاج باريت المريء أصبح أكثر فاعلية الآن لذا من الضروري طلب المساعدة الطبية في وقت مبكر إذا كانت لديك هذه الأعراض.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر