القاهرة - شيماء مكاوي
تحلّ يوم 26 من الشّهر الجاري الذّكرى ال 39 من وفاة المطرب الكبير فريد الأطرش، لم يكن هذا المطرب مطرب اللّحظة، ولكن كانت له سمة تميّزه عن غيره من المطربين من أبناء جيله، حيث ترك بصمات واضحة في الموسيقى والغناء العربي ويعد من أعلام الفنّ العربي. اسمه الحقيقي هو فريد فهد فرحان إسماعيل الأطرش ولد في سورية في 21 من نيسان/أبريل عام 1910 .
ينتمي المطرب فريد الأطرش إلى "آل الأطرش" وهم أمراء وإحدى العائلات العريقة في جبل العرب جنوب سورية هذه المنطقة المسمّاة جبل الدّروز أيضا نسبة لسكانها الدّروز.
وعانى منذ طفولته من حرمان رؤية والده ومن اضطراره إلى التنقل والسفر من سورية إلى القاهرة مع والدته هربا من الفرنسيّين المعتزمين اعتقاله وعائلته انتقاما لوطنية والدهم فهد الاطرش وعائلة الأطرش في الجبل الذي قاتل ضد ظلم الفرنسيّين في جبل الدّروز في سوريّة.
وعاش فريد في القاهرة في حجرتين صغيرتين مع والدته عالية بنت المنذر وشقيقه فؤاد وشقيقته المطربة الكبيرة أسمهان.
ونفد المال الذي كان بحوزة والدته وانقطعت أخبار الوالد، وهذا ما دفع والدته للغناء في روض الفرج لأن العمل في الأديرة لم يعد يكفي، وافق فريد وفؤاد على هذا الأمر بشرط مرافقتها حيثما تذهب.
حرصت والدته على بقاء فريد في المدرسة ودخل معهد الموسيقى، عزف فريد على العود ضمن اختبارات دخوله إلى المعهد وتم قبوله فأحس وكأنه ولد في تلك اللحظة، إلى جانب المعهد بدأ ببيع القماش وتوزيع الإعلانات من أجل إعالة الأسرة، وبعد عام بدأ بالتفتيش عن نوافذ فنية ينطلق منها حتى التقى بفريد غصن والمطرب إبراهيم حمودة الذي طلب منه الانضمام إلى فرقته للعزف على العود، أقام زكي باشا حفلة يعود ريعها إلى الثوار، أطلّ فريد تلك الليلة على المسرح وغنّى أغنية وطنيّة ونجح في طلّته الأولى.
و بعد جملة من النصائح اهتدى إلى بديعة مصابني التي ألحقته مع مجموعة المغنين ونجح أخيرا في إقناعها بأن يغني بمفرده، ولكن عمله هذا لم يكن يدر عليه المال بل كانت أموره المالية تتدهور إلى الوراء، بدأ العمل في محطة شتال الأهلية حتى تقرر امتحانه في المعهد ولسوء حظه أصيب بزكام وأصرت اللجنة على عدم تأجيله ولم يكن غريبا أن تكون النتيجة فصله من المعهد، ولكن مدحت عاصم طلب منه العزف على العود للإذاعة مرّة في الأسبوع فاستشاره فريد فيما يخص الغناء خصوصا بعد فشله أمام اللجنة فوافق مدحت بشرط الامتثال أمام اللجنة وكانوا الأشخاص نفسهم الذين امتحنوه سابقا إضافة إلى مدحت، غنّى أغنية "الليالي والموال" لينتصر أخيرا ويبدأ في تسجيل أغنياته المستقلة.
وقام بتسجيل أغنيته الأولى (يا ريتني طير لأطير حواليك) كلمات وألحان يحيى اللبابيدى فأصبح يغني في الإذاعة مرتين في الإسبوع لكن ما كان يقبضه كان زهيدا جدا.
واستعان بفرقة موسيقية وبأشهر العازفين كأحمد الحفناوي ويعقوب طاطيوس وغيرهم وزود الفرقة بآلات غربية إضافة إلى الآلات الشرقية وسجّل الأغنية الأولى وألحقها بثانية (يا بحب من غير أمل) وبعد التسجيل خرج خاسرا لكن تشجيع الجمهور عوض خسارته وعلم أن الميكروفون هو الرابط الوحيد بينه وبين الجمهور.
أما عن تجربته مع التمثيل فاشترك فريد الأطرش في 31 فيلما سينمائيا كان بطلها جميعا وأنتجت هذه الأفلام في الفترة الممتدة من 1941 حتى 1975 ومن أشهر الأفلام على الإطلاق والذي جنى أرباحا طائلة هو فيلم حبيب العمر، لأنه مثل قصة حب حقيقية.
أما فيلم "عهد الهوى" المقتبس عن الكسندر توماس الصغير عن روايته غادة الكاميليا وهذه الرواية لها قصة، ففي العشرينات من القرن الماضي، قام يوسف بيك وهبي بعرض مسرحية عن مادة الرواية، وشاركته البطولة الفنانة روز اليوسف واسمها مرجريت أما اسمه أرمان، وكان هذا العرض أثار ضجّة كبيرة وأرباحا طائلة وهو من أوائل العروض المسرحية الكبيرة ليوسف وهبي، وبعد أعوام طويلة، قام يوسف وهبي بإقناع فريد بدور أرمان ومريم فخر الدين بدور مرجريت أما يوسف وهبه نفسه فاكتفى بدور الأب.
وكان فريد الأطرش يختار القصص بعناية، وبالذات القصص التي تتقاطع ولو قليلا مع قصة حياته، ففيلم عهد الهوى هذا، يمثل فقدان الحبيب بعد أن غفر له كل زلاته أو حتى كبائره، وخداع الآخرين له.
وفيلم حكاية العمر كله، وهو من الأفلام المهمة لفريد، فيمثل ضياع العمر بالنسبة له، وعدم جدوى فائدة البحث عن الحبيب بعد ذلك.
أما فيلم ودعت حبك والذي أثار ضجة كبيرة حين عرضه، بسبب وفاة البطل في النهاية، فلم يقنع المتفرجين سوى خروج فريد فاتحا الستار ليقول للمتفرجين ها أنا ذا لم أمت.
ولا ننسى فيلم رسالة من امرأة مجهولة وكم تقاطعت الأحداث مع قصة حياة الموسيقار الكبير فريد الأطرش ، وكان الفيلم هذا تحولا في حياة الفنانة التي شاركته بطولة الفيلم، لبنى عبد العزيز، وغرس حب الموسيقار وطيبته ، والتي طالما أنصفته وتكلمت بجرأة عنه غير مهتمة بآراء الآخرين التي تريد تذويب قيمة فن ومشوار هذا الموسيقار الكبير.
عرف فريد عادات جميلة وعادات غير مستحبة، فكان اتصاله بالقمار شيئا من تلك العادات السيئة، أدمن على لعب الورق حتى عود نفسه على الإقلاع، وكان محبّا للخيل، وذات يوم وفيما كان في ميدان السباق راهن على حصان وكسب الجائزة وعلم في الوقت نفسه بوفاة أخته أسمهان في حادث سيارة فترك موت أخته أثرا عميقا في قلبه، وخيل إليه أن المقامرة لابد من الإقلاع عنها.
وتعرّض إلى ذبحة صدرية وبقي سجين غرفته، تسليته الوحيدة كانت التحدث مع الأصدقاء وقراءة المجلات، اعتبر أن علاجه الوحيد هو العمل، وبينما كان يكد في عمله سقط من جديد واعتبر الأطباء سقطته هذه النهائية، ولكن في الليلة نفسها أراد الدخول إلى الحمام فكانت السقطة الثالثة وكأنها كانت لتحرك قلبه من جديد وتسترد له الحياة، فطلب منه الأطباء الراحة والرحمة لنفسه لأن قلبه يتربص به، وهكذا بعد كل ما ذاقه من تجارب وما صادف من عقبات عرف حقيقة لا يتطرق إليها شك وهي أن البقاء للأصح.
توفي في مستشفى الحايك في بيروت إثر أزمة قلبية وذلك عام 1974 عن عمر يناهز 64 سنة ولقب بـ(ملك العود) و(موسيقار الأزمان).
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر