إدريس القري يكشف كيف يمكن للتلفزيون المغربي تكريس المصالحة الاجتماعية
آخر تحديث GMT 11:30:10
المغرب اليوم -
قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل د. حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة منظمة الصحة العالمية تعلن إصابة موظف بجروح خطيرة نتيجة قصف إسرائيلي استهدف مطارًا في اليمن أكرم الروماني مدرب مؤقت لفريق المغرب الفاسي كمدرب مؤقت خلفاً للمدرب المقال الإيطالي غولييرمو أرينا منع تام لحضور جمهور الرجاء الرياضي إلى الملعب البلدي ببركان وليس التنقل الجماعي فقط إيران تعلن استئناف المباحثات النووية مع القوى الأوروبية في يناير 2025 جيش الاحتلال الإسرائيلي يُعلن مقتـل 3 عسكريين بينهم ضابط في المعارك التي تجري مع فصائل المقاومة الفلسطينية شمال قطاع غزة قصر الإليزيه يُعلن تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة بقيادة فرانسوا بايرو التقرير الإحصائي اليومي لعدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الـ444 جيش الاحتلال الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس مُديرية الأمن العام التابع لحركة حماس السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان
أخر الأخبار

يُوضِّح الجوانب الأساسية مِن العمل المُفترَض أن تقدِّمه التلفزات الوطنية

إدريس القري يكشف كيف يمكن للتلفزيون المغربي تكريس المصالحة الاجتماعية

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - إدريس القري يكشف كيف يمكن للتلفزيون المغربي تكريس المصالحة الاجتماعية

التلفزيون المغربي
الرباط -المغرب اليوم

يعزّز التلفزيون المغربي التردّد أمام قيم الحداثة ومعاييرها، ويعزّز مقاومة التغيير الحقيقي والعميق لنسيج الموروث المتجاوَز والمكرِّسِ للغيبيّات والاتكاليّة والزّبونية والريع والعلاقات المصلحية، بدل إغناء وتقوية الخلف الممكن لقيادة الابتكار والإبداع وخزّان النّماذج والقدوات، وفق كتاب جديد للكاتب إدريس القري.وفي مقتطف نورده من هذا الكتاب المعنون بـ"عَتبَات في الجماليّات البصرية: التلفزيون المغربي رافعة التّحديث المؤجلة"، يتتبّع الباحث المغربي إدريس القري أسباب ضعف أثر الاحتجاجات على برامج التلفزيون، ويكشف جوانب أساسية من العمل الذي من المفترض أن تقوم به التلفزات الوطنية، من توفير للتّسلية التي تعزّز الثقافات الوطنية، وأسسها المحلية الغنية والأصيلة في انفتاح على الكونية، عبر إستراتيجية تمسك زمامَ التّحديث، وتنفّس عن الضّغط الاجتماعي بالضّحك الجادّ، وتقوّي الوعي بالانتماء الكوني في صيغته المعتدلة، مع النهوض بأدوار من قبيل فتح الباب لمختلف المواهب لتُكتَشف، ما يشكّل خدمة جليلة وتاريخية للدّولة والمجتمع والأمّة، تغني الخلَف الممكن وتُقَوِّيه.

التلفزيون الذي نحتاجه، وفق الكاتب، بعدما مضى الزّمن الذي كان فيه التلفزيون المغربي رائدا ببرامج اكتشفت مواهب خلُدَت في تاريخنا الإبداعي مثل سميرة سعيد، يجب أن يقطع الطريق على الاستسهال والوصولية والانتهازية المُدَمِّرَة للقِيَم والنّظام الاجتماعي، ويجب، بدل تكريس الاستلاب والاغتراب عن المكوّنات الثقافية الوطنية، أن يكون في تسليته نوع من الحوار الاجتماعي المعمِّق للمصالَحَة الاجتماعية بين الفئات والشّرائح، بالتّحقيق العمَلي لقيم الغيرية وقَبول الاختلاف والتّحسيس بغِناه.

معقولية التسلية ورافعة اكتشاف المواهب

يقوم التلفزيون بدور قوي في المجتمع عبر ثلاثية الإخبار والتسلية والتثقيف من خلال ما يبثه من برامج. ويرى الكثير من الخبراء أن التلفزيون يؤثر بطبيعة برامجه في المجتمع ويدفعه إلى الأمام، أي إلى التقدم نحو ذهنيةِ وسلوكياتِ عقلانيّة، تلتَفُّ حول قِيمِ المُشترك والمُواطنة المستوعبة لمعنى المصلحة العامة والمسؤولية والواجب من جهة، والمحاسبة والكفاءة والتخصص والإنجاز من جهة ثانية، أو أن هذا التلفزيون يجرُّ المُجتمع إلى الخلف، أي نحو تكريس اللامسؤولية وعدم القُدرة على الحَسم في التوجُّه نحو المستقبل. يتم ذلك بعرض برامج ذات مضامين تخلط سلوكيات وذهنيات الشيء ونقيضه دون تصور للخروج من صراعهما بشكل إيجابي. ويسبب هذا الانحباس في ثنائية القيم ضبابيةَ الرُّؤية المجتمعية والفردية معا.

تفسح برامج مثل هذه (درامية كانت أو إخبارية أو حوارية ...) الباب أمام تعميق الإيمان بالاستسهال والتساهل في العمل وفي دواليب الإنتاج والتعامل؛ كما تعمق عقلية التردُّد أمام معايير وقِيم الحداثة في تجازوها لكل ما هو ماضوي وتشييئي أو تبريري، يرفُض في العمق ويُقاوم بشِدة تغييرا حقيقيا وعميقا ومنسجماً لنسيج الموروث المُتجاوَزِ والمُكرِّس للغيبيات وللاتكالية والزبونية والريع والعلاقات المصلحية.

أما عن الاحتجاجات على برامج التلفزيون غير المسايرة للتقدم التحديثي للبلاد، كما يحدث في المغرب منذ سنوات، فنرى، وبالتجربة، أنها غير ذات قيمة على مُستوى تغيير الوضع الإعلامي التلفزيوني لسببين على الأقل:- أولهما أن الأغلبية الساحقة من المحتجين هم في نفس الوقت مستهلكين لتلك البرامج. يعني هذا الأمر تزكيتهم لها في نسب المتابعة والإقبال عليها، وهذا ما يمنحها المصداقية والمردودية الإشهارية وبالتالي الشرعية.

- ثانيهما أن الاحتجاجات لا تهتدي ولا تنتج بدائل نسقية تقترح على الدولة قوة إعلامية تساير رؤيتها للإعلام وأدواره من منظورها السياسي الإستراتيجي، وتضمن اكتفاء واستقلالية لنسق الإعلام لا يهدد الدولة ويشكل دائرة ضغط على سياساتها واختياراتها الكبرى وهي ليست جاهزة للعبة ديمقراطية عميقة يشكل الإعلام فيها قوة مستقلة حقيقية عنها وعن أدواتها للسيطرة والتوجيه ودعم سياساتها.

من أذكى البرامج التي تجعل التلفزيون في قلب، أو على هامش، تحديث المجتمع برامج التسلية واكتشاف المواهب. ولعل أول ما يلاحظه الفرد بهذا الصدد في التلفزيون المغربي هو الضعف الكبير في برمجته لهذا النوع من البرامج. لقد مضى الزمن الذي كان فيه التلفزيون المغربي رائدا ببرامج أدت إلى اكتشاف مواهب خلدت في تاريخنا الإبداعي، (سميرة سعيد)، مع برنامج "مواهب"، على سبيل المثال لا الحصر، من إعداد وتنشيط وتحكيم الموسيقار المبدع المرحوم عبد النبي الجيراري.

التسلية

ليست السيتكومات وحدها برامج تسلية وترفيه. تدخل في برمجة وإنتاج التسلية السكيتشات وما تسمى وصلات الكاميرا الخفية وبرامج الأطفال والمسابقات الثقافية وبرامج اكتشاف المواهب في فن الضحك والسخرية. من التسلية أيضا ما تسمَّى اليوم برامج المشاهير ومتابعة حياتهم والتعريف بهم، على أساس تقديم القُدوة والنماذج، بشكل مباشر أو غير مباشر، لأجيال الأطفال والـمُراهقين والشباب، بل والحائرين الباحثين عن طريق مُمكن للاندماج في المجتمع والنجاح في إيجاد مكان للاستحسان الاجتماعي فيه.

تدخل في باب التسلية أيضا برامج السهرات والتكريمات والحوارات الفنية التي ترفهُ كما تقدم، وفي الغالب تكرسُ، لأنها لا تقدم الجديد إلا لماما.نقصد هنا برمجة التلفزيون المغربي بكل قنواته في برامج متنوعة مُخصَّصة للتّسلِية، أو أنها تدخل في بابها باكتشاف المواهب منها ودون ترتيب أو تصنيف كما حددناها باعتبار جمعها بين التسلية وبين تقديم نماذج:

نجوم الأولى – Stand up – كوميديا – بِناتنا – صباحِيات 2m – رشيد شو – ماستر شاف سليبريتي بالخصوص - بالفن - اضحك تخسر - zoom - بالمغربي Talk - عندي ما يفيد - Chada cover

من وظائف وأهداف التلفزيون التقليدية الرّاسخة والجوهرية الإخبار والتثقيف والتّسلية. نعتقدُ أن الـمِهنيّين والسِياسيين الذِينَ كانُوا وراءَ صِيّاغة هذِه الأهدَاف الثّلاثة أخذُوا بعينِ الاِعتِبار تكامُلها وتلاحُمَها في سِياق "صناعة" الـمُواطن والإنسان، ذي الولاء لِلأنْبَلِ والأعظم والأكثر خُلودًا ودوَاما في المجتمع وفي الدّولة معًا.

إن التسلية والترفيه بابٌ من أبواب معقوليةِ الإعلام ومُساهمتِه، بالتّالي، في بِناءِ مجتمع القيَم الدائمة في سياق كل مراحل بناء مجتمع الحداثة: مجتمع التّواصُل والمعرفة والدّيمُقراطِية في الغرْب، ومجتمع العدالة والحرية وحقوق الإنسان، الإنسان الـمُستوعِب لِقيم المواطنة والمسؤولية والحق في الاختلاف وصِيانةِ فضاءات العيش المشترك بالنسبة لنا.

التسلية بوابة عن طريقها يمارس الإعلام التلفزيوني (سواء أقرَّ ووعى القائمون عليه بذلك أم لم يُقِرُّوا ولم يَعُوا ذلك)، التنشئة الاجتماعية المتجددة. إن مئات الآلاف، بل الملايين من المواطنين المتابعين للتلفزيون المغربي يوميا، لأسباب سوسيولوجية وثقافية، يستمدون نماذجهم في الطموح والسلوك والقيم والعقلية والمواقف مما يقدمه لهم التلفزيون المغربي عبر برامجه المتنوعة ولو كانت مدبلجة؛ فالتسليةُ التّلفزيونية بالضَّرُورة تعْلِيمٌ ومُحاربةٌ للجهل الرّقمي والسمعي البصري والثقافي والذوقي والتّاريخي الوطني والعالمي. تُحققُ التسلية عبر الأعمال التلفزيونية وبرامِجِها وبرمَجَتها أهدافها في اتجاهين مُمكِنَين:

- إما تكريس الاستلاب والاغتراب لدى جماهير المتابعين المتفرجين، عن المكونات الثقافية الوطنية عند افتقادها لإستراتيجية تحديثية أصيلة. ذلك أن الثقافات، والعابرة عبر الثقافة البصرية المعاصرة، تملأ الفراغات وتمرر رسائلها الاستيلابية التي الغرض منها خدمة الإعلام العابر للقارات وقيمه ومصالحه.

- أو تعزيز الثقافات الوطنية وأُسُسِها المحلية الغنية والأصيلة في انفتاح على الكونية، وذلك عبر إستراتيجية إعلامية تلفزيونية تمسك بزمام التحديث والمشروع المجتمعي المتجدد، المرتبط عضويا بنموذج تنموي أصيل ومؤسس على الإنسان وتنمية أوضاعه العامة.

تعتبر التسلية تعميقاً وصيانة لعلاقة المشاهدين المواطنين، دافعي الضرائب، بالمصادر النبيلة للمعرفة ووسيلة للرقي بحياتهم وبمجتمعهم ومستقبلهم ومستقبل دولتهم، (التي تحميهم وتنظم علاقاتهم وتسهر على جودة حياتهم وأمنهم واستقرارهم). يتم هذا التعميق وهذه الصيانة من خلال الحضور الدائم والتكريم المستمر، في البرامج المختلفة للتلفزيون، للكتاب والفيلم والمسرح واللوحة والفكاهة والمعرفة العلمية والإنسانية والرياضة والندوات والمهرجانات، ولكل متفوقة أو متفوق في صناعتها وتطويرها وإضافة الدقيق والاحترافي والجميل المنافس عالميا إليها. تـُمَـرّرُ هذه البرامِجُ، والبرمَـجَةُ، التلفزيونية للمشاهدين المواطنين تصوُّراتٍ وقِيمَ العقلانية والبحث العِلمي والاشتِغال على الذَّات، كما تُمرر من خِلالها قيمَ المواطنة والحب والتآزر والتعايش والتسامح والواجب والمسؤولية والتقاسم والتشارك والوفاء للجماعة وللوطن.

إن التسلية، من منظور وظيفي آخر، تنفيسٌ عن الضّغط الاجتماعي بالضحك الجاد، وبفتح آفاقٍ للرُؤية – الذات والآخر – من منظورات مختلفة، تقوي الإحساس والوعي بالانتماء للكوني في صِيَغِهِ المعتدلة، مقابل التسلية الجوفاء وضحلة المستوى، التي تعمق الإحساس بالصراعات والتناقضات الجهوية وتحقير التعدد والتنوع والاختلاف. إن التسلية بتعبير آخر ومن خلال الإنتاجات الفكاهية وبرامج اللعب والمسابقات الثقافية تحويلٌ للطّاقة السّلبية بتجاوز عقلية الاختزالية والذاتية الضيّقة، لدى الجماهير الـمُشاهدة والـمُتابعة بشغَفٍ للبرامج الشّعبِية الناجحة، في النظر إلى الواقع من زوايا مُتعددة ومتنوعة تفتح آفاق أرحب وأوسع لتقدير الذات ومحبة الأوطان.

- إن التسلية في التلفزيون أخيرا نوع من الحوار الاجتماعي المعمِّقِ للمصالحة الاجتماعية بين الفئات والشرائح، وذلك بالتحقيق العملي لقيم الغيرية وقبول الاختلاف والتحسيس بغناه. يحس المواطن من خلال الرفع من قيمة القيم المذكورة أعلاه بفقر التطابق والتبعية للرأي الوحيد؛ وذلك تحقيق نبيل للتعايش والتسامح وتقدير للآخر كأنًا آخر يماثل الأنا ذاتها.

اكتشاف المواهب

من وظائف التلفزيون الإيجابية في كل مجتمع فتح الباب أمام المواهب المختلفة لكل المواطنين، وخاصة الشباب منهم، لتفتيق مواهبهم والكشف عن ملكاتهم ومهاراتهم الإبداعية في كل الميادين. لا تقدم هذه الوظيفة التلفزيونية خدمة لأفراد بعينهم فقط، بل إنها تقدم خدمة جليلة وتاريخية لدولة ولمجتمع ولأمة:

إنها تُغني وتقوي الخلف الممكن لقيادة الابتكار والإبداع وخزان النماذج والقدوات، التي تشكل مدرسة رفيعة للأجيال، ومفخرة في التاريخ، وقوة منافسة للأمة على المستوى الإقليمي والقاري والعالمي.

يتابع العالم كله اليوم عبر تلفزيونات الأقمار الاصطناعية وعبر الإنترنت برامج عالمية كُبرى لاكتشاف وتبريز والدفع بمواهب، وعبقريات أحيانا. أهم هذه البرامج على الإطلاق برنامج: GOT TALENT [1] العالمي الذي أسسه القُطبُ Mogul، البريطاني رجل الأعمال والمنتج التلفزيوني ومُؤطر وحَكَمُ المواهب في الموسيقى وفنون كثيرة على الـمُستوى العالمي السيد سيمون كويل Simon Cowell [2] مؤسس ورئيس المدراء التنفيذيين لشركة British Entertainment Company Syco[3] التي شهدت افتتاح أكثر من 68 فرع امتياز لها عبر العالم.

حقق هذا البرنامج نجاحا لا سابق له في اكتشاف مواهب وقدرات، وأحيانا عبقريات، من كل الأعمار وفي كل البلدان التي وصلها. كان هذا النجاح متفاوتا بشكل كبير حسب الدول وتطور الحكم الجمالي فيها والخبرات التي راكمها فنانوه وأساتذته الكبار من جهة، كما كان هذا النجاح مرتبطا إلى حد كبير بمعايير اختيار الحكام وكفاءاتهم ونزاهتهم واستثنائية تجربتهم وصرامة عملهم وتعاملهم مع المرشحين من جهة ثانية.. كما ارتبط هذا النجاح من جهة ثالثة بمصداقية وقوة وملاءَمة وصدقية المعايير التي يُقَوِّمُون بها ما يقدم أمامهم من أعمال فنية متنوعة ومتعددة، بحيث لا يمكن تصور كفاءات عادية في كرسي الحُكم الجمالي الاحترافي عليها.

سيلاحظ الدّارِسُ النَّبِيه الذي يُتابع البرنامج الأصل المذكور كما هو معروض ببريطانيا أو بدول المملكة المتحدة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أن لجنة التحكيم ومعاييرها المتواضع عليها معايير عالية الاحترافية والنزاهة والصرامة، لذلك تجد نتائج عملها مبهرة وغالبا ما تغني وتطعم بقوة مجال الإبداع الفني بمستويات عالية ونخبوية ومدهشة القدرات والمهارات.

البرنامج نفسه تحت تسميات وصيغ تختلف إلى حد ما في العالم العربي لم تكن نتائجه بنفس المستوى ولا بنفس الايجابية. أقول بدون مواربة ولا تحفظ إن أسباب هزالة مردودية هذا النوع من البرامج في تلفزيوناتنا العربية وفي تلفزيوننا المغربي أساسا تعود إلى ضعف وعدم ملاءمة وتجزيئية وتبسيطية عناصر تصور البرنامج برمته، كما ترجع إلى طبيعة القيم المؤطرة للتصور العام الكامن لدى المنتجين لكل عناصر برامج مُماثلة: تصور لجنة التحكيم – معنى الكفاءة – معنى الفن والإبداع – معنى الموهبة ...

إن تصورا مثل هذا لبرنامج لاكتشاف المواهب لن تنتج عنه إلا لجانُ تحكيمٍ ضعيفةُ الخبرة والتكوين والتجربة والوعي الجمالي. تنتج عن كل ما سبق حتما معايير تقويم جمالي غير ملائمة وعاجزة عن التقاط الاستثنائي والمدهش والجريء إلا جزئيا، وهو ما سيشوّه كل شيء. أما تأطير القدرات والمَلكات الكامنة لدى المرشحين من قبل نفس أعضاء اللجنة فمن المنطقي أنه لن يكون مُثمِرا إلا نادرا.

نقول ما سبق والشاهد عندنا هو الكثير من الحالات التي أفرزتها برامجنا التلفزيونية، التي ذكرنا بعضها سابقا، ولم يبق لها أثرٌ أو أنها انضمت، ببساطة، إلى جوقة المؤثرين، (أغنياء الحرب – حرب الابتذال التي تعُم وتُغطي على الكفاءات الحقيقية)، وفناني عُلب الليل وأعراس "من يؤدي أكثر"، حيث معايير الفن تختزل ببؤس في المثير والسائد والمهيج أو: تشويه الأصيل والخالد.

فضائلُ اكتشاف المواهب

يخدم اكتشاف المواهب، كما كتبنا سابقا، الدولة والمجتمع، الفرد والجماعة والنخب والقيادات ويُمِدُّها بخلفٍ قوي وبطاقات شبابية خلاقة. لا يتحقق ما سبق إلا في مناخ اكتشاف يطبعه الجد والاحترافية والتخصص وصرامة المعايير من جهة، وتأطير قيم الإنجاز بالالتزام نحو قيم النبل والمواطنة والبعد الإنساني وتقدير قيمة المثابرة والاجتهاد والاستحقاق والتنافس الشريف من جهة أخرى.

إن اكتشاف المواهب عبر البرامج التِّلفزيُونية التي تحظى بمتابعة الملايين من المواطنين، الشباب والمراهقون منهم على وجه الخصوص، تعميق لتنشئة اجتماعية تحترم القيم وتجديدٌ للقيادات وتوسيع لخزَّان القُدوات والرموز، ومُساهمة في ضَمان الخَلَفِ في الصّناعات الفنية والثقافية بالبلاد.

إن اكتشاف المواهب، من جهة أخرى، مواصلَةٌ لبِناءِ وتكريسٌ للمكانة الرفيعة، التي كانت من قيمنا الأصيلة حتى الثمانينيات من القرن الماضي، التي كانت محترمة ومُقدِّرَةً للعلم والمعرفة والـمُثابرة وصيغ التجديد والابتكار وشجاعة اقتحام التجريب في أوساط الأجيال الصاعدة، التي شائع بينها اليوم الاستسهال والكسب السريع، بسبب أزمة القيم في المجتمع والأسرة كما تؤكد تقارير عديدة أشرنا إلى بعضها في هذا الكتاب سابقا.

إن اكتشاف المواهب أيضا تعميقٌ، في النفوس والذهنيات، لموقعٍ محترم وقوي وذي تأثير للثقافة في مواجهة التسلية والترفيه، حيث تمنحهما معقولية الإبداع والوظيفة الاجتماعية الملائمة والمنتجة التي هي منطقيا لهما.

إن اكتشاف المواهب من باب التكافؤ الاجتماعي، إحقاقٌ للحق وإشاعة للعدالة ومنح للمصداقية في النفوس الشبابية.. إنه زرعٌ لِمَعقوليّة الحياةِ الجَماعِيّة وتعميقٌ للإيمان بفعَالِيّة الـمُجتمع وأسباب وجوده النفعية فرديا وجماعيا من الناحية النفسية، وهو كذلك مُكمِّلٌ ومحرك رئيسي للحياة الاجتماعية. يمكن القول إن اكتشاف المواهب تصعيدٌ وتسامٍ بالطاقة السّلبية نحو إيجابية الإبداع والاجتهاد، وبالتالي تحقيقُ الذات وانفتاحٌ على التعدد والتنوع في الواقع، للمَتْحِ منه من أجل ابتكارٍ وإبداعٍ مُتجدّدِ الدماء ومُتَنَوّعِ الـمَساراتِ والـمَنابِع.

إن اكتشاف المواهب من منظور العمل السياسي والحقوقي والجمعوي، تطويرٌ مُمكنٌ للنخب ولتراكم الكفاءات وتجذيرٌ لقدواتٍ ولنماذِجَ رصِينةٍ؛ وبالتالي فإن اكتشاف المواهب ضمانٌ أكثر لمسارات تنمية قوية وقطعٌ للطريق على الاستسهال والوصولية والانتهازية الـمُدَمّرة للقِيَم وللنظام الاجتماعي.إن اكتشاف المواهب الجيدة والـمُشَرِّفَةِ أخيرا تعميق لإيمان الـمُواطنين بقيم المجتمع والدولة والغايات من وجودهما، ومن معقولية التقاسُمِ والتضامن والتضحية من أجل المصلحة العامة.

وقد يهمك ايضا:

قناة أبو ظبي تشكر التلفزيون المغربي بعد الديربي

العلمي يجتمع بمسؤولي التلفزيون المغربي بسبب الألعاب الأفريقية

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدريس القري يكشف كيف يمكن للتلفزيون المغربي تكريس المصالحة الاجتماعية إدريس القري يكشف كيف يمكن للتلفزيون المغربي تكريس المصالحة الاجتماعية



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:33 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تعتقل "دواعش" خططوا لشنّ هجمات في "رأس السنة"

GMT 16:33 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

منير الحدادي يوضح سبب عدم انضمامه المنتخب المغربي

GMT 08:20 2020 الأحد ,04 تشرين الأول / أكتوبر

"شلال الدرمشان" في الرشيدية يُمثّل "منفى اختياري للشباب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib