بيروت – غيث حمّور
بيروت – غيث حمّور
بين التنكيك والتقنية من جهة، وإبداع في اللقطة وإدراتها من جهة أخرى، تندرج مهمة المخرج التليفزيوني في الأعمال الدرامية، ورغم أن النص هو المادة الأولية والأساسية في أي عمل درامي، فإن المخرج هو المترجم لهذه المادة إلى صورة، يختلف النقاد على حجم الدور الإبداعي في عمل المخرج التليفزيوني، مقارنة بالجانب التقني، وفي الوقت ذاته نجد أن مخرجي الدراما
"العرب" أيضًا يختلفون على هذا الحجم، وذلك يبدو جليًا في اللقاءات والتصريحات التي يطلقونها في مختلف وسائل الإعلام.
فبعض المخرجين يعتبرون أن الدور الإبداعي للمخرج هو الأساس في أي عمل درامي، ويرى هؤلاء أن السينماريو والحوار الذي يقدمه الكاتب يكون في معظم الحالات أقرب للنص الأدبي منه للنص التليفزيوني، ومهمة المخرج أن يترجم ويعيد صياغة النص والعلاقات والحبكات، ويضع النقاط على الحروف من خلال رؤيته الفنية والإبداعية، ويدلل المخرجون أصحاب هذا الرأي على الفارق الواضح بين النص على الورق وبين الصورة التي تظهر على الشاشة، ويضيفون بأن الحالة الإبداعية والرؤية الخاصة بمخرج العمل هي الطاغية على جميع الجوانب الإبداعية الأخرى في العمل التليفزيوني، بما فيها النص والتمثيل.
ويؤكد هؤلاء أن المسؤولية في نجاح عمل من فشله تقع على عاتق المخرج، الذي يتحمل ردود الفعل، ويكون خط الدفاع الأول، ومتلقي الضربات، من النقاد والمتابعين والمشاهدين على حد سواء.
من جهة أخرى، يَعتقد مخرجون آخرون أن الهوية البصرية التي يقدمها المخرج يجب أن تنبع من النص والحبكة والقصة، وفي كثير من الحالات يكون الإبداع في العمل لصالح كاتب النص والفكرة، فيما يكون دور المخرج في تحويل النص إلى صورة، إن كانت تحمل جانبًا إبداعيًا ما، فإنها في الأساس جانب تكنيكي وتقني متكرر.
فيما يذهب فصيل ثالث إلى القول أن كل ما يقال عن بصمة المخرج وأسلوبية إخراجية خاصة أمر غير حقيقي، وكل ما يقال عن درسة إخراجية أو شكل إخراجي لشخص ما، هو عبارة عن كلام في الهواء، ولا يمت للواقع بصلة، فدور المخرج التلفزيوني لا يتعدى كونه مديرًا تقنيًا.
أما الرأي الأكثر اعتدالاً فكان للبعض من المخرجين العرب الذين اعتبروا أن العملية الابداعية منقسمة بين المخرج والكاتب وحتى الممثل، والانسجام بين الثلاثة يخلق حالة إبداعية مقبولة للمشاهد، وتحمل البعد الفكري والإنساني والحياتي والاجتماعي في مضمونها.
وقد يكون التناقض في آراء النقاد مقبولاً في بعض الحالات، فالناقد يحكم على العمل بعد مشاهدته، ويكوّن رأيه بناءً عليه، ولكن التناقض والاختلاف بين المخرجين على حجم الإبداع في العمل التليفزيوني، مرفوض تمامًا، ويعكس حال الدراما العربية عمومًا، التي تعاني من التخبط في ما تقدمه من نتاج، وغياب الحرفية والمهنية، خاصة في ظل غياب المؤسسة الأكاديمية القادرة على تقديم المعلومة الصحيحة، والتوجيه الصحيح لقيادة دفة الأعمال التليفزيونية، فأن يقول مخرج إن الابداع حكر على المخرج، ويقول آخر إن الإبداع حكر على الكاتب، فيما يؤكد ثالث أن العملية مقسمة بين الكاتب والمخرج والممثل، ويصرح رابع بأن العمل التليفزيوني لا يحمل أي ابداع في الأساس، وهو عبارة عن تكنيكات فنية، فالأمر يدعو إلى التساؤل عن ماهية وطريقة تفكير مخرجينا، ويؤكد عدم الفهم الكافي لمهامهم وطريقة عملهم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر