سيدي المجهول كوميديا بلمسة سوريالية عن فائض الأولياء الصالحين في المغرب
آخر تحديث GMT 20:50:07
المغرب اليوم -

عرض ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم في مراكش

"سيدي المجهول" كوميديا بلمسة سوريالية عن فائض الأولياء الصالحين في المغرب

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

فيلم "سيدي المجهول"
الرباط - المغرب اليوم

فيلم "سيدي المجهول" 2019 للمخرج المغربي الواعد علاء الدين الجم عبارة عن كوميديا اجتماعية عميقة بلمسة سوريالية ساخرة عن فائض الأولياء الصالحين في المغرب المعاصر (عرض الفيلم ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم في مراكش دورة ديسمبر/كانون الأول 2019). ولزيادة عمق الأحداث تم زرعها في أرض قديس مجهول. وقد عصرت كاميرا المخرج وحدة المكان إلى أقصى درجة ممكنة لتظهر قبة الولي فوق الجبل والشعب في السفح. يساعد المكان على تشكيل مناخ الحكاية بمصداقية. زرع المخرج ديكورا يخبر عن مهنة وطبقة وممارسة راسخة في المجتمع المغربي. ففي كل قرية ومدينة مغربية ولي يزوره ذوو العاهات ويتبرك به ويُخدم ضريحه ويدر أرباحا. لقد زرع المخرج فيلمه في تربة خصبة، زرعها فوق جبل، والجبل رمز لخشية الله. الزرع في أرضية قاحلة مضرّ بنمو الزرع وتطور الحكاية، من يزرع جيدا يحصد كثيرا. الأرضية كانت واعدة.

لتبرير التحول في المكان استخدم المخرج لقطة قطع غطت زمنا كبيرا، قطع برر به المخرج عودة البطل (أداء يونس بواب) إلى المكان نفسه لاسترجاع غنيمته. بعد العودة وجد البطل قبرا صار مركبا، قبرا تمأسس. ظهرت حوله نافورة مباركة وفندق وحارس... وحجاج. رغم هذا يخطط البطل لينتهك حرمة القديس. هكذا تحدد البطل وخصمه. يحث القديس على التقشف، بينما يحب اللص الاستمتاع بالحياة، وهو جاهز لفعل أي شيء في سبيل ذلك. لذا يوجد تناقض شامل بين نهج اللص ونهج الولي. هذه مقاربة تجعل الحبكة مشوقة. بفضل هذا العمق الاجتماعي اكتسبت الحبكة طرافتها.

في انتظار الانتقال إلى الفعل
يصل طبيب شاب إلى منطقة تعاني من فائض من الحجر وقلة المطر. يكتشف الطبيب مغربا يسير بإيقاعات جد مختلفة. يندهش مما حوله: تلفزيون من القرن الماضي وهاتف نقال قديم ومصباح غاز... شخصية الطبيب (أداء أنس الباز) من صلب الحكاية لأن الوظيفة الرئيسية للولي هي العلاج. يفترض أن هناك تنافسا بين المعالجين. تقليدي وحديث، لكن الفيلم يرسم للطبيب شخصية كاريكاتورية بئيسة.

منذ ظهور الطبيب تعطلت الحبكة الرئيسية التي تقوم باختبار معدن البطل. وقد ملأ المخرج هذا الزمن بحشوة غير مترابطة عبارة عن طرائف مختلفة عن الممرض والحلاق، وهذه شخصيات لا توجد صلة صراع أو تعاون بينهما وبين البطل.

في اللقطات التي يظهر فيها الطبيب والممرض كوميديا لا صلة لها بالحِبكة الرئيسية وهي التي تجعل الفيلم خفيفا لأنه يسمح للمتفرج المديني بالإطلالة من علٍ على المغرب غير النافع. يجري حوار كوميدي على حدود العبث، لكنه في المستوصف فقط. تفوق حسن باديدا في كل حركة يقوم بها، صنع "ليت موتيف" الفيلم وهو يسلم الدواء للطبيب بالحركة نفسها عدة مرات. التكرار يصير كوميديا، وقد رفع الممرض أداء الطبيب ليصير كوميديا ساخرة.

قبر تمأسس
لكن بعد ربع ساعة تعطلت الحبكة الرئيسية واشتغل المخرج على شخصيات هامشية مثل الحلاق والكلب وحارسه. عندما لا يعرض الفيلم الحلاق والممرض نرى لصين عملاقين يخافان حارسا نحيفا تلتف ساقاه حين يمشي، لذا لا يفعلان شيئا. ينتظران، ومع الانتظار يتولد الملل لأن السيناريو لم يستثمر الأرضية العَقَدية التي زرع فيها. بين الدقيقة 5 والدقيقة 90 لم نعرف معلومات جديدة عن البطل. لم يطور السيناريو شخصياته لتتغير بسبب أفعالها. لقد بقي البطل على حاله متجهما كما هو، بينما من حوله لا يتناولونه بالتعليق لشرحه. لقد ركز المخرج على شخصيات هامشية. وهكذا غلبت الحشوة على الحبكة، لذا سيتذكر المتفرجون الكلب وصاحبه والممرض والمساعد الغبي أكثر مما سيتذكرون البطل.

لقد احتفظت ملامح الممثل يونس بواب بشكل واحد طيلة الفيلم. حتى زمن السجن لم يغير شكله. بقي وجه الممثل على حاله طيلة الفيلم لا يتأثر شكله بالزمن ولا تتأثر نفسيته بالأحداث. طيلة الفيلم ينظر غاضبا بالملامح نفسها. أين التمثيل؟ أين التغير تبعا لفعل الزمن وتحول الوضعيات؟

شخصيات نمطية
على صعيد رسم الشخصيات يبدو القرويون متشابهين ومستسلمين جدا. لم يزرع المخرج بينهم وعيا معارضا ليجعل المتفرج يرى الواقع من زاوية جديدة. لذا فالسرد مونولوجي لا حواري. حتى الطبيب يبدو متعايشا مع الولي وسلبيا تماما كأن كل ما تعلمه ودرسه لم يساعده ليلاحظ مفارقة أن قبر القديس الذي ينافسه في علاج زواره يحتاج كلبا يحرسه (هذ طبيب بعيد عن شخصية إسماعيل خصم زيت "قنديل أم هاشم" للمصري يحيى حقي).

ينتهي الفيلم بتكرار حدث البداية نفسه. فالأولياء النكرات ظاهرة مغربية قديمة ذكرها ابن الزيات عدة مرات في كتابه "التشوف إلى رجال التصوف" 1220م. الولي أكثر من عظام في قبر. في المغرب آلاف الأضرحة معلوم ومجهول من فيها، لذا سماه المستشرقون ببلد الشرفاء. ما زال الكثير من المغاربة يعتقدون أنهم شرفاء يبصق بعضهم في يد بعض لتوارث البركة. وقد صدّر المغرب الكثير من أوليائه إلى مصر، وما زالت لهم بها قبب إلى اليوم. وبغض النظر عن حقيقتها أو زيفها، فالأضرحة المغربية مُدرة للدخل، ويحوم حولها شرفاء ولصوص ومتبركون كثيرون، خاصة في المغرب العميق، أما في مغرب المدن الكبيرة فقد تراجع سلوك زيارة الأولياء، لكن قداستهم راسخة في الذهنية السائدة.

للإشارة، فقد ظهر وزن الأضرحة في السينما المغربية مع فيلم "الزفت" 1984 للمسرحي الطيب الصديقي. فيلم مقتبس من مسرحية "سيدي ياسين في الطريق". وفيها تأتي الدولة الحداثية بمشروع تعبيد طريق. رسم المهندسون مسارها فاتضح أنه يجب هدم ضريح سيدي ياسين لتمر مكانه. هل تسمح القبلية المحافظة بهدم الضريح أو تنقيله لإنشاء طريق؟

القبيلة تقول: لا
في النهاية تم تغيير مسار الطريق. وهذا حل وسط. حصل المغرب على طريق ملتوٍ. يبدأ جنريك فيلم "الزفت" بلقطة لأرض قاحلة يهطل عليها مطر ولا تُنبت. تتراجع الكاميرا للخلف فيتضح أنها جمجمة شخص أصلع. واضح أن الزفت والجفاف في الدماغ لا في الأرض

يؤمل أن تحرر السخرية من فائض الأولياء المغاربة من ذهنية التسول (تعاون معانا الله يرحم الوالدين) التي زرعها فيهم محيط الضريح، خاصة أن السينما مصنع لإنتاج الأحلام الجماعية، وهي في سردها للمناقبية تتجاوز قوة النصوص المكتوبة. في هذا السياق قارن إريك هوبزباوم بين دور وسائل الاتصال الجماهيري وخرج بنتيجة: "لقد ساهم الفيلم السينمائي في إحداث تحول في أساليب الإدراك البشري بطريقة عميقة وابتكر الفيلم طرقا جديدة لرؤية وإقامة العلاقات بين الانطباعات الحسية والأفكار" (ص 358). وهذا ما منح السرد الديني آفاقا جديدة ليستمر في تأثيره.

قد يهمك ايضا :

عادل إمام يكشف السر في تأجيل عرض "فلانتينو" في رمضان

فيلم "آدم" يستعد لدخول القاعات السينمائية المغربية ابتداء من 15 كانون الثاني

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيدي المجهول كوميديا بلمسة سوريالية عن فائض الأولياء الصالحين في المغرب سيدي المجهول كوميديا بلمسة سوريالية عن فائض الأولياء الصالحين في المغرب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 17:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب
المغرب اليوم - «حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

GMT 11:20 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
المغرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
المغرب اليوم -

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل

GMT 14:45 2016 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

نور الشربيني بطلة جي مورجان للإسكواش للمرة الأولى

GMT 05:25 2015 الأربعاء ,14 كانون الثاني / يناير

11 حالة إغماء داخل مؤسسة تعليمية في تمارة

GMT 11:44 2014 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

عمر القزابري يحيي حفل تأبين الوزير الراحل باها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib