كانت السينما، وما زالت، على الدوام، شكلاً من أشكال الفنون المعبرة عن المجتمع بكل قضاياه ومختلف شخصياته، بكل ما تحمله تلك الشخصيات من أحلام وأهداف ومعاناة مع الواقع، وكان للسينما العربية العديد من التجارب السينمائية الواقعية التي عبرت عن المجتمع بمختلف طوائفه. والمجتمعات مشتركة بين الرجل والمرأة، لذلك كان للسينما العربية، وخاصةً المصرية، اتجاه واضح للتعبير عن قضايا المرأة، وما تتعرض له من عقبات في محاولة من العاملين في مجال صناعة السينما، وكذلك تسليط الضوء على تلك القضايا، ومحاولة إيجاد حلول عملية لها على أرض الواقع.
تنوعت القضايا التي ناقشتها الأفلام السينمائية المصرية التي تعبر عن حياة المرأة، بدءاً من دورها زوجة وأماً وابنة، وصولاً إلى دورها امرأة عاملة، ومناداتها بالمساواة والتقدير الفعلي، والحق في اختيار أسلوب حياتها.
عمل المرأة
من أبرز تلك الأفلام كان فيلم «مراتي مدير عام» من بطولة كل من: صلاح ذو الفقار، وشادية، وعادل إمام، وجاء الفيلم من إخراج فطين عبد الوهاب، وناقش قضية المرأة العاملة والمتزوجة، وكيف لها أن توفق بين الحياة الزوجية والعملية، ويُعد فيلم «مراتي مدير عام» من أوائل الأفلام السينمائية التي ناقشت عمل المرأة ونجاحها في المجتمع. كما ناقش المخرج فطين عبد الوهاب أيضاً قضية عمل المرأة من خلال فيلم «الأستاذة فاطمة»، من بطولة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، والفنان كمال الشناوي، وتم عرضه عام 1952. ودارت أحداث الفيلم حول «فاطمة» التي تخرجت في كلية الحقوق، وقررت افتتاح مكتب محاماة، إلا أن خطيبها الذي جسد شخصيته الفنان كمال الشناوي يرفض عملها، حتى يتم اتهامه في جريمة قتل، وتدافع «فاطمة» عنه، وتكون سبباً لإثبات براءته لتأكيد فكرة الفيلم الأساسية بأن المرأة مثل الرجل في العمل.
حق التعبير
تنوعت طريقة إبراز قضايا المرأة في السينما المصرية، ولم تعتمد على تقديم تيمة واحدة، ففي عام 1969 تم عرض فيلم «شيء من الخوف» والمأخوذ من رواية الأديب ثروت أباظة ومن إخراج حسين كمال بعرض جديد لقضايا المرأة، وذلك من خلال بطلة الفيلم «فؤادة»، التي استطاعت بقوة شخصيتها أن تقف في وجه رجل متسلط وظالم مدافعة عن حقوق أهل القرية، وجاءت رسالة الفيلم واضحة بأنه باستطاعة المرأة أن تفرض شخصيتها وقوتها، وتجلب حقوق المستضعفين مثل الرجال.
قانون الأحوال الشخصية
مع فترة السبعينيات والتغيرات التي شهدها المجتمع المصري تغيرت أيضاً نوعية عرض قضايا المرأة في الأفلام السينمائية، التي إما طالبت بحقوق المرأة واستقلالها بحياتها، مثل فيلم «أريد حلاً» الذي قدمته الفنانة فاتن حمامة وعرض عام 1975، وكان الفيلم من أسباب تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر.
وناقش الفيلم الذي أخرجه سعيد مرزوق قضية طلب المرأة للطلاق حينما يستحيل العيش مع زوجها، من خلال شخصية «درية» التي تسعى إلى الطلاق من زوجها بعد استحاله استمرار العيش بينهما، وترفع قضية لتطلب الطلاق، ليتم عرض معاناة المرأة مع متاهات المحاكم والمشاكل التي تواجهها.
المساواة
هناك نظرة أخرى قدمت قضايا المرأة، مثل فيلم «أفواه وأرانب» الذي جسد معاناة سيدة بسيطة في مواجهة التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع المصري في ذلك الوقت. وعُرض الفيلم عام 1977، ودارت أحداثه حول شخصية «نعيمة» التي تعيش مع شقيقتها الكبرى وزوجها وأبنائها التسعة، وتكدح وتكافح في الحياة لتستطيع العيش، لتجد نفسها متزوجة من دون علمها عن طريق زوج شقيقتها بأوراق مزورة في استعراض لقضية استغلال المرأة. وجاء الفيلم من إخراج هنري بركات وبطولة كل من: فاتن حمامة، ومحمود ياسين، وفريد شوقي، ورجاء حسين، وأبو بكر عزت.
العنف ضد المرأة
مع الألفية الجديدة وظهور أبطال جُدد، وبشكل خاص من الفنانات، كان التعبير عن قضايا المرأة بشكل معاصر مع تغير القضايا والحياة الاجتماعية، وإن كانت بنسبة أقل من الأفلام التي قدمت خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي. ففي عام 2009، تم عرض فيلم «احكي يا شهرزاد» للكاتب الكبير الراحل وحيد حامد، ومن إخراج يسري نصر الله وبطولة منى زكي، وجاء الفيلم في إطار عرض لأكثر من قضية لقضايا المرأة تنوعت ما بين العنف ضد المرأة والاستغلال الجسدي والمادي وقضية الزواج بشكل عام، وأحدث الفيلم ضجة كبيرة عقب طرحه في دور العرض السينمائي إلا أنه يُعد من أهم الأفلام التي تحيزت لقضايا المرأة والتعبير عنها.
التحرش
في عام 2010، عُرض فيلم يُعد هو الأكثر جرأة في ذلك الوقت، وهو فيلم «678»؛ حيث ناقش الفيلم لأول مرة قضية التحرش الجنسي في المجتمع المصري بشكل عام، وعرض الفيلم القضية من خلال حكايات ثلاث سيدات من طبقات اجتماعية مختلفة لتأكيد الفكرة الأساسية بأنه لا يوجد مبرر للتحرش بالنساء، وبأنه شيء تتعرض له أي امرأة بأي طبقة كانت، وأياً كانت ظروف حياتها المعيشية. وجاء فيلم «678» واقعياً إلى حد كبير؛ نظراً إلى أن من قدموه ينتمون إلى مجموعة من الشباب السينمائيين بفكر مختلف وواقعية سينمائية تحاول فرض نفسها في ذلك الوقت، وهو أول عمل من تأليف وإخراج محمد دياب، بينما شارك في بطولته كل من: نيللي كريم، وماجد الكدواني، وبشرى.
الحرية
في عام 2016، قدمت كاملة أبو ذكري فيلم «يوم للستات»، من إنتاج الفنانة إلهام شاهين وبطولتها، إلى جانب نيللي كريم، وعدد آخر من النجوم، ومن تأليف هناء عطية. واستعرض الفيلم قضية الحرية لدى المرأة وعدداً من الأزمات التي تواجهها في أن تعيش حياتها بشكل طبيعي، من خلال فكرة بسيطة؛ حيث يتم افتتاح حمام سباحة بالقرب من إحدى المناطق الشعبية، وسعي عدد من النساء للذهاب إلى هناك، ومن خلال ذلك نرى حياتهم عن قرب.
المرأة بمنظور معاصر
عن اختلاف التعبير عن قضايا المرأة بلغة سينمائية بين الأفلام القديمة والمحاولات المستمرة في الأفلام الحديثة، وهل هناك بالفعل أفلام سينمائية تسعى إلى التعبير عن المرأة وأهمية دورها في المجتمع، يرى الناقد الفني محمود قاسم أن تقديم أفلام سينمائية عن المرأة يعد من أهم الموضوعات التي اهتمت بها السينما بشكل عام، وبأنه بوصفه ناقداً سينمائياً كان له العديد من المؤلفات التي ناقش من خلالها الأفلام السينمائية التي ناقشت موضوع المرأة.
وأكد قاسم خلال حديثهأنه على مدار الأجيال السينمائية المتعاقبة لم تختلف قضايا المرأة إلى حد كبير، ولا يوجد فرق واضح بين ما تناولته الأفلام السينمائية القديمة أو الحديثة، إلا أنه يرى أن الجيل الجديد من الشباب السينمائيين قدموا أعمالاً تستحق الاهتمام؛ نظراً إلى تقديمها قضايا المرأة بمنظور معاصر للحقبة الزمنية الحالية.
غياب البطولة النسائية
رأى الناقد طارق الشناوي اختلافاً كبيراً بين ما قُدم في الأفلام السينمائية بفترتي الستينيات والسبعينيات، وعما قُدم خلال السنوات الماضية، وأوضح الشناوي خلال حديثه لـ «سيدتي» أن الأمر يعود إلى سببين رئيسين: الأول، هو غياب البطولة النسائية بشكل عام، فلا توجد حالياً فنانة تقدم فيلم من بطولتها، مثل ما حدث في الأفلام السينمائية القديمة، وأغلب الأفلام تكون البطولة للرجل، وتعرض القضايا من منظور ذكوري، فيما تكون الممثلة بطلاً مساعداً في تلك الأفلام. وأكد الشناوي أن السبب الآخر يعود إلى وجود الرقابة التي تتحفظ إلى حد كبير لعرض تلك القضايا في السينما، وحينما يتم عرضها يكون بشكل قليل جداً لا يتناسب مع حجم القضايا الحقيقية للمرأة.
«حظر تجول» حصد 22 جائزة
خلال حديثها عن الأفلام السينمائية التي تناولت قضايا المرأة، أكدت الفنانة إلهام شاهين أنها مهتمة دوماً بتقديم الأفلام السينمائية التي تعبر عن قضايا المرأة، سواء من خلال التمثيل أو الإنتاج، وأوضحت أن آخر أفلامها وهو فيلم «حظر تجول» حصد ما يقارب 22 جائزة، وعُرِضَ في أغلب المهرجانات العالمية. وتقوم فكرة الفيلم الأساسية على قضايا المرأة؛ حيث إن بطولة الفيلم تعود إلى سيدتين لكل منهما قضايا مختلفة، وقبل ذلك كان هناك فيلم «يوم للستات»، الذي عرض قضايا المرأة من منظور أجيال مختلفة، وتلك الأفلام تؤكد أنه ما زالت هناك أفلام تتناول قضية المرأة وتعرضها للجمهور.
وعن اعتراض الرقابة على بعض الأفلام السينمائية التي تعرض قضايا المرأة، نفت الفنانة إلهام شاهين ذلك، موضحة أن هناك أسباباً أخرى وليست قضايا المرأة بشكل خاص، وأنها حينما أنتجت فيلم «حظر تجول» لم تواجه أي مشكلة مع الرقابة.
وعن غياب البطولة النسائية في السينما، أكدت إلهام شاهين أن هناك أفلاماً كانت من بطولة منى زكي، ومنة شلبي، وهند صبري وغيرهن الكثير. أما قلة الأفلام التي تجسد بطولتها فنانة فليس سببها امرأة، ولكن الأفلام السينمائية قليلة بشكل عام، وذلك يعود إلى تغير الإنتاج السينمائي بشكل عام، وعزوف الجمهور عن الذهاب إلى السينما بعد ظهور المنصات الإلكترونية والقنوات التلفزيونية.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر