مراكش_ثورية ايشرم
قدم المخرج الإيراني عباس كيروستامي، محاضرة سينمائية في إطار دروس "الماستر كلاس"، التي احتضنتها قاعة السفراء في قصر المؤتمرات، إثر فعاليات المهرجان الدولي للفيلم في مدينة مراكش في دورتها الخامسة عشرة التي انطلقت من 4 إلى 12 كانون الأول / ديسمبر الجاري، والتي عرفت حضورا مكثفا لمختلف الشخصيات والإعلاميين والنقاد السينمائيين، وضيوف المهرجان، وغيرهم.
وتميزت المحاضرة، التي ألقاها المخرج السينمائي المحترف عباس كيروستامي، بجملة من المعلومات الغنية والمميزة، لاسيما أنه يعد من أشهر عباقرة السينما الإيرانية، إضافة إلى كونه مرجعيا في محافل الفن السابع ليس فقط في إيران وإنما عبر العالم، رغم أنه دخل مجال السينما والإخراج بالصدفة، فقد تمكن من الوصول إلى مكانة مرموقة في هذا المجال، بعد أن كان يحلم بأن يصبح رساما، إلا أن القدر جعل منه مخرجا محترفا بعد توالي ثلة من المصادفات.
وانطلقت هذه المحاضرات الخاصة بدروس الماستر كلاس عام 2004، واعتادت مؤسسة الهرجان على برمجتها، والتي يلقيها كبار المخرجين العالميين ضمن فعاليات المهرجان، وذلك للإقبال الكبير الذي تحققه على مدى سنوات، والتي برمجت محاضرة المخرج الإيراني الذي انتقل من رسام غرافيك وإنجاز العديد من التصميمات الإعلانية الخاصة بمجموعة من الأفلام، واشتغاله في الإعلانات، وتمكن من توظيف الكاميرا بشكل جيد إلى العمل كمخرج يطل على هذا العالم بنظرة جديدة ومشرقة، وذلك من خلال إنجازه مجموعة من الأفلام غير المكتملة، كونه ضد الرؤية الأحادية الناجزة التي تعطي للجمهور المتلقي منتجا قابلا للاستهلاك، إذ يعطي فرصة للمشاهد لجعله شريكا في صناعة العمل السينمائي، وصناعة حياته بعد الخروج مباشرة من قاعة العرض.
كما أضاف المخرج عباس في محاضرته، أن الجمهور بالنسبة له هو مصدر مهم لرصد الأشياء، والتي غالبا ما يكون غير عالم بها أو حتى قاصدا إنجازها، فالجمهور يقدم ويعطي ويسأل ويتساءل، كما أنه يحذف ويضيف، وهذه من أهم الأسباب التي تجعله يتجنب فرض القراءة الوحيدة للعمل السينمائي المقدم للجمهور، حتى وإن كان واردا أن تتشابه الأفلام والحالات ومعظم المواقف، وتكرر المشاهد ومختلف التصورات، سواء في التاليف أو الإخراج، فأهم شيء يقتنع به هو تقديم الأفلام الجديدة المستقلة عن أعماله السابقة وأعمال الآخرين، فالتنوع هو الأساس في نظره.
وأكد عباس أن الشعر والرمز من الأمور المهمة في تكوين الصورة السينمائية، وتساهم في نسج الحوار وانسجام العناصر التي تنطلق من الموسيقى والمشاهد والمواقف التي تقوم بها الشخصيات، فهذه سمة بارزة ومهمة، ويعتمدها بقوة في أعماله السينمائية، والذي ينبه في هذه المحاضرة المميزة إلى أن تحقق مستوى الشعرية والرمزية لا يمكن أن يكون مرتبطا بعمل معين ومقصودا في حد ذاته أو بوعي مسبق، فالأمور تأتي بذوق وحس فني، لاسيما أن شعرية السينما لا يمكن التحكم فيها.
وأضاف المخرج الكبير، خلال محاضرته، أنه لا يهتم بالاختلافات الثقافية، فهو يجد نفسه في جميع ثقافات العالم وهذا ما يمكنه من تقمص جميع الشخصيات من مختلف الدول، فقد يجد نفسه متقمصا شخصية المخرج الياباني الكبير أوزو، إضافة إلى شخصية راعي بقر في أحد الأفلام الأمريكية، لذلك تبقى السينما هي العامل الوحيد الذي يوحد الكائنات البشرية مهما فرقتها ظروف وإحداث مختلفة ومتنوعة.
كما أنه يرفض أن يقدم النصائح والوصفات للشباب الذين يضعون بصمتهم في صناعة السينما لاسيما الجيل الجديد، إلا انه يمنح وصية لكل المخرجين الواعدين بالبحث عن الإلهام الذي يعد من الأمور الضرورية التي يستوحيها كل شخص من محيطه، إضافة إلى اتصافهم بالمراقبة الذكية والدقيقة التي تخول لهم التعرف واكتشاف مختلف التحولات الجارية في الحياة اليومية والإنصات إلى تلك النبضات النابعة منها التي تلهم الفكر والروح، مع اعتماد فكرة تقاسم التجارب مهما كانت وكيفما كانت مع الآخرين ومشاركتهم لتحقيق الذات والوصول إلى الأهداف المرجوة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر