اقترح مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال إحداث دخل مالي قار للفئات الهشة في المغرب باسم "دخل الكرامة" بهدف محاربة اقتصاد حد الكفاف، أي السكان النشيطين في القطاعات غير المهيكلة والفلاحة الصغيرة.
وقال المركز، في ورقة أصدرها بهذا الخصوص توصلت بها هسبريس، إن "الحجر الصحي أبرزَ ظاهرة الفوارق الاجتماعية والمجالية بشكل مُخيف يثير القلق لكونها قنبلة موقوتة قد تأتي على الأخضر واليابس إن لم ينزع فتيلها والانزعاج من السياسات المتبعة وشجبها".
ولاحظ المركز سالف الذكر أن "الأحياء الشعبية تَجد صعوبات جمة في الالتزام الحجر الصحي التزاماً كاملاً؛ وذلك نتيجة الفوارق الاجتماعية والمجالية"، مشيراً إلى "إن ذلك ناتج عن عدة عوامل؛ منها بالأساس عامل الدخل الذي نعتبره أصل الداء".
وشددت ورقة المركز على أن "مستقبل مغرب ما بعد الجائحة رهين بقدرته على معالجة هذه الظاهرة بالشكل الذي يجتثها من جذورها؛ لأن التزام أحياء المركز لا فائدة منه إذا لم يكن مقروناً بالتزام أحياء الحزام، ما دام الفيروس ينتقل بين أحياء المدينة دون تمييز بينها".
وذكر المركز أن "أغلبية ساكنة هذه الأحياء لا خيار لها غير المشي في مناكب الأرض يومياً لكسب لقمة العيش لكونها لا تتوفر على دخل قار ومضمون، فهذه الساكنة تقتات من اقتصاد حد الكفاف الذي يشمل القطاعات غير المهيكلة والفلاحة الصغيرة".
ويقترح المركز في هذا الصدد التعاطي مع ظاهرة الفوارق الاجتماعية والمجالية على مرحلتين متداخلتين ومتكاملتين؛ المرحلة الأولى مرحلة مؤقتة، لها طابع استعجالي الهدف منها محاصرة الظاهرة حتى لا تتفشى أكثر ولا تتعمق أكثر في انتظار أن تعطي المرحلة الثانية ثمارها فتقلص الفوارق إلى حد يمكن اعتبارها طبيعية.
ويمكن تلخيص المرحلة الأولى، التي من المفروض أن تنطلق مباشرة بعد التخلص من الجائحة، في مراجعة السياسات العمومية وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني لتمكينه من امتصاص اقتصاد حد الكفاف بتوسيع قدراته على استيعاب الساكنة النشيطة وتمكينها من دخل قار ومضمون ومن تغطية اجتماعية ملائمة.
وتزامناً مع المرحلة الأولى تنطلق المرحلة الثانية المتمثلة في قرار دخل حد أدنى مضمون لكل الناشطين باقتصاد حد الكفاف يُعرَف باسم "دخل الكرامة"؛ "لأنه بدون دخل قار كاف لتحقيق استقلالية الفرد سيكون من الصعب ضمان الكرامة"، يُضيف المركز.
وأوضحت الورقة أن "هذا الدخل يُحدد انطلاقاً من بحث ميداني بهدف تقدير دخل متوسط شهري لكل فئة من الفئات العاملة باقتصاد حد الكفاف على أساس دخول كل واحدة منها. من هنا، يمكن احتساب دخل الكرامة إما على أساس متوسط الدخول المتوسطة لجميع الفئات أو على أساس متوسط الدخل المتوسط الأدنى والدخل المتوسط الأقصى".
ويقترح المركز أيضاً إمكانية مراعاة احتساب هذا الدخل بعض العوامل كالحالة المدنية للمستفيد؛ لكنه أكد أنه "لضمان فعالية دخل الكرامة لا بد من أن يقارب الدخل الإجمالي للمستفيد (مجموع دخله الشخصي ودخل الكرامة) أو يساوي 3000 درهم بالنسبة لسكان الوسط الحضري و2000 درهم بالنسبة للقرى".
وبالنسبة للمركز، فإن الهدف من "دخل الكرامة" هو التحفيز على تحسين أوضاع المستفيدين لإخراجهم من اقتصاد حد الكفاف وخلق مُناخ يساعد على التخفيف من الفوارق الاجتماعية والمجالية ودعم الطلب الداخلي لما له من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد برمته.
ويقتضي صرف هذا الدخل، حسب المركز، التقيد بمجموعة من الالتزامات حتى لا ينظر إليه كريع، من هذه الالتزامات حسب كل فئة من الفئات المستفيدة:
1ـ تخصيص مدة زمنية للقيام بأشغال ذات فائدة عمومية يعود للسلطات المحلية برمجتها وتحديد مدتها.
2ـ القبول بالتنظيم المجالي والحرفي من قبيل:
إحداث فضاءات عبارة عن أسواق تقليدية موزعة بشكل عقلاني على المجال الحضري، تجمع الفراشة والباعة المتجولين حسب برنامج يومي محدد يشرف عليه ممثلو هؤلاء بمساعدة السلطة المحلية
إعادة الاعتبار لـ"المْوْقف" كنقطة التقاء بين منهم في حاجة إلى من ينجز لهم أشغالاً محددة في الزمن ويد عاملة يتعذر عليها اللجوء إلى الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل باعتبارها من فئة "طالب معاشو".
تنظيم الحرف الصغرى (الرصاصي والكهربائي والميكانيكي…) في إطار شبكات أو تعاونيات أو مقاولات في منتهى الصغر أو جد صغيرة.
القبول بالتوفر على محاسبة مبسطة لاستخلاص ما ينتج من قيمة مُضافة.
3ـ تمكين أطفال المُستفيدين من الجنسين من الدراسة وعدم اللجوء إلى تزويج القاصرات.
4ـ الانخراط في تكوين ملائم والانضباط في محاربة الأمية بالنسبة لمن لم يحالفه الحظ في التمدرس.
وبالإضافة إلى ما سبق، يقترح المركز أن "يُصاحب العمل بدخل الكرامة توسيع الخدمة العسكرية من جهة، ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الشباب المؤهل للقيام بها، وإطلاق الأشغال الاجتماعية الكبرى من جهة أخرى لتشغيل شباب اقتصاد حد الكفاف".
وتروم هذه الأشغال، وفق تصور الورقة، إلى فك العزلة عن العالم القروي من خلال بناء الطرق وتوفير البنية التحتية الاجتماعية من مستشفيات ومدارس وملاعب للقرب، وتأهيل المدن الصغرى والقرى مجالياً اعتماداً على اليد العاملة، وتأهيل مساكن سكان الجبال وتكييفها مع المناخ.
ولتمويل ذلك، يرى المركز أنه لا بد من الإسراع في إعادة النظر في تنظيم القطاع الاجتماعي؛ لأن ما يرصد له من أموال لا ينعكس على ما يحقق من نتائج، عبر مراجعة أولوياته لاعتماد دخل الكرامة كأحد أولوياته الأساسية وإعادة هيكلة أدواته المؤسساتية.
وإلى جانب إصلاح القطاع الاجتماعي، أورد المركز مصادر أخرى لتمويل دخل الكرامة؛ منها على الخصوص تفعيل صندوق الزكاة، والمؤسسات الاجتماعية العمومية والخاصة، والهبات الخارجية والتبرعات الداخلية، ورسم تضامني تحدد نسبته في إطار تشاوري تؤديه القطاعات الأكثر ربحية كالبنوك وشركات توزيع المحروقات، ورسم تضامني يؤدى خارج الضريبة على الدخل عن الأجور التي تتجاوز 20 مرة الحد الأدنى للأجر.
كما يقترح المركز أيضاً فرض رسم بمبلغ 20 أورو يؤديه كل سائح إما عند الحدود بالنسبة مثلاً إلى القوافل السياحية وإلى أولئك الذين سيكون مقامهم خارج الفنادق وإما عند مغادرة الفندق، ورسم بمبلغ معين يُؤدى عند المشاركة في الصفقات العمومية.
قد يهمك ايضا
تطويق حي جديد في سلا خوفا من تحوله لبؤرة لانتشار "كورونا"
بنعبد الله يؤكد أن "الحجر الصحي" قوى علاقة المواطن مع الدولة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر