تُعاني النساء والوسط القروي من إقصاء ما فتئت تتزايد حدته في المغرب يرمي بهما إلى هامش مسلسل التنمية، وهو وضعٌ بات اليوم يستوجب الاستدراك عبر إيلاء الاهتمام بهما في النقاش العمومي الجاري حول النموذج التنموي الجديد ورغم أن المغرب سعى في العقود الأخيرة إلى الاهتمام بالنساء والقرية عبر برامج عمومية عدة، إلا أن هذه البرامج لم تنجح في إلحاقهما بركب التنمية، بل زادت حدة تهميش المرأة، وزادت عزلة القرية التي ما زالت تحتضن 40 في المائة من سكان البلاد.
نساء غير مشتغلات
وبخصوص النساء، يبقى المؤشر الأكثر تجسيداً للإقصاء الذي يعانين منه هو معدل مشاركتهن في سوق الشغل؛ إذ تشير المعطيات الرسمية إلى أن هذا المعدل انخفض من 26.6 في المائة سنة 2008 إلى 21.8 في المائة سنة 2018 ويُلاحظ من معطيات رسمية للحكومة أن معدل مشاركة النساء في سوق الشغل يسجل مستويات أدنى من المناطق الحضرية؛ إذ بلغ 18.1 في المائة سنة 2018، ما يعني أن حوالي 82 في المائة من نساء المدن البالغات سن العمل لا يشاركن في النشاط الاقتصادي، وبالتالي لا يتوفرن على دخل خاص بهن.
وترجع عدد من الدراسات، من بينها دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ضعف مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي إلى عدد من العوامل؛ فبالنسبة للنساء أقل من 24 سنة يرجع ذلك إلى طول سنوات الدراسة، كما يشكل ثقل الأدوار المنوطة بالمرأة عاملاً يعيق مشاركتها في سوق الشغل وتتحمل المرأة عبء الأعمال المنزلية بشكل كبير؛ إذ يفوق الوقت الذي تخصصه لهذه الأعمال سبع مرات الوقت الذي يخصصه الرجل، ولذلك يبقى السبب وراء عدم خروج حوالي نصف النساء إلى سوق الشغل هو ضرورة قيامهن بشؤون المنزل ورعاية الأطفال.
وتُعتبر النساء في المغرب أكثر عرضة للبطالة من الرجال، بحيث بلغ معدل البطالة على المستوى الوطني 14.1 في المائة لدى النساء مقابل 8.1 في المائة لدى الرجال سنة 2018، ويرتفع هذا المعدل في الوسط الحضري إلى 23.9 في المائة مقابل 10.9 في المائة للرجال ويترتب عن هذا الوضع، حسب عدد من الدراسات، المزيد من الهشاشة الاجتماعية، لا سيما بالنظر إلى نقص استفادة النساء من آليات الحماية الاجتماعية، والنتيجة أن عدداً قليلاً منهن يستفدن من معاش التقاعد، بحيث لا تتجاوز نسبتهن من مجموع متقاعدي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 17 في المائة.
قرى معزولة
تجمع مختلف التقارير الرسمية على أن القرية تعاني العزلة ونقص التجهيز، وهو ما يجعلها لا تساهم بالقدر الكافي في تنمية البلاد رغم أنها تضم 40 في المائة من الساكنة المغربية التي تعتمد على زراعات معيشة مرتبطة بالأمطار. وبحسب آخر تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن البرامج والمشاريع المُنجَزَة لفائدة العالم القروي ظل تأثيرها دون انتظارات وحاجيات الساكنة القروية، ويتجلى ذلك في استمرار الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وضعف الولوج إلى الخدمات الأساسية بلغة الأرقام، نجد أن 3.5 ملايين مغربي لا يستفيدون من تزويد منتظم بالماء الشروط، ونحو 1.3 مليون شخص لا يستفيدون من الربط بشبكة الكهرباء. من جهة أخرى، نجد أن معدل الفقر متعدد الأبعاد يصل إلى 17.7 في المائة في القرى مقابل 2 في المائة في الوسط الحضري.
ويظل الفقر متعدد الأبعاد، الذي يعرفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بناء على الولوج إلى خدمات الصحة والتعليم والماء والكهرباء، ظاهرة قروية بالأساس؛ إذ يوجد 85.4 في المائة من الأشخاص المعنيين به في الوسط القروي وحين الحديث عن المناطق الجبلية، فإن الأمر يدعو إلى القلق بشكل كبير؛ ذلك أنها ما تزال تشهداً تأخراً كبيراً في مجال التنمية. فبحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مكامن ضعف النموذج التنموي الحالي، فإن نسبة الأمية بالمناطق الجبلية تناهز 47 في المائة مقابل 32 في المائة على المستوى الوطني.
أكثر من ذلك، تشير المعطيات الرسمية إلى أن دخل سكان المناطق الجبلية يقل مرتين عن المتوسط الوطني، كما تظل مساهمة هذه المناطق في التنمية الاقتصادية للبلاد محدودة جداً؛ إذ لا تتجاوز 5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي وفي نظر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن المؤهلات الاقتصادية التي يزخر بها العالم القروي لا يتم تثمينها بالقدر الكالي، ذلك أن "السلطات العمومية لا تبذل ما يكفي من الجهود من أجل تشجيع تنويع الأنشطة غير الفلاحية ودعمها، وهو ما شأنه أن يكرس ما تعانيه ساكنة العالم القروي من هشاشة وأوضاع صعبة".
ما العمل؟
يقتضي تحقيق طموح التنمية الإسراع بتغيير وضعية المرأة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجتمعية، وهو ما يحتم رفع معدل النمو لدى النساء عبر تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية وضعها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وأولى هذه الأهداف وضع إطار قانوني ومؤسساتي يضمن فعلية المساواة بين النساء والرجال، وثانيها تمكين النساء من شروط الولوج إلى مزاولة عمل مؤدى عنه وتوفير الحماية لهن في طريقهن إلى أماكن العمل وداخل فضاء الشغل، وثالثاً العمل على إبراز نماذج اجتماعية جديدة تجسد صورة النساء اللائي يتمتعن بالاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية.
ويمكن تحقيق الأهداف سالفة الذكر بإجراءات عدة، من بينها اعتماد آليات تحفيزية لتشجيع التمازج داخل المقاولة عبر النظام الجبائي وتقديم الدعم، مع العمل على تخصيص نسبة لا تقل عن 30 في المائة من مناصب المسؤولية في جميع مستوياتها للنساء كما ترد ضمن مقترحات المجلس ضرورة إخضاع الحصول على جزء من الدعم الحكومي المخصص للأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات لشرط تحقيق نسبة تمثيلية لا تقل عن 30 في المائة من النساء داخل هيئات القيادية. ولتمكين النساء من شروط الولوج إلى مزاولة عمل مؤدى عنه، يقترح المجلس إطلاق خطة وطنية لفتح دور حضانة عمومية أو داخل المقاولات في جميع أنحاء البلاد ونشر مؤشرات حول المقاعد التي تخصصها دور الحضانة في كل جماعة مقارنة بالحاجيات المسجلة في هذا المجال فيما يخص العالم القروي، فيتعين على الدولة تحقيق هدفين استراتيجيين؛ أولهما إدراج الخصوصية القروية في السياسة العمومية لإعداد التراب الوطني، وثانيها خلق فرص في الوسط القروي من خلال تطوير قطاعات جديدة محدثة للثروة ومناصب الشغل.
ويمكن أن يتأتى ما سلف ذكره من خلال وضع سياسة عمومية لتنمية العالم القروي واعتماد قانون إطار يراعي خصوصيته، وإصلاح الوضعية القانونية للعقار في القرى، لا سيما الأراضي الجماعية، والمضي قدماً في التحفيظ المجاني لجميع الأراضي التي يملكها صغار الفلاحين ويمكن في هذا الصدد أيضاً اعتماد آليات تحفيزية لتطوير قطاعات جديدة كالسياحة الإيكولوجية، وتثمين المنتجات الفلاحية والخدمات المتعلقة بالفلاحة والتجارة، ووضع مخطط لرقمنة القطاع الفلاحي، مع العمل على تحفيز الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الفلاحية (Agritechs) على التطوير في المناطق القروية. تُعاني النساء والوسط القروي من إقصاء ما فتئت تتزايد حدته في المغرب يرمي بهما إلى هامش مسلسل التنمية، وهو وضعٌ بات اليوم يستوجب الاستدراك عبر إيلاء الاهتمام بهما في النقاش العمومي الجاري حول النموذج التنموي الجديد ورغم أن المغرب سعى في العقود الأخيرة إلى الاهتمام بالنساء والقرية عبر برامج عمومية عدة، إلا أن هذه البرامج لم تنجح في إلحاقهما بركب التنمية، بل زادت حدة تهميش المرأة، وزادت عزلة القرية التي ما زالت تحتضن 40 في المائة من سكان البلاد.
نساء غير مشتغلات
وبخصوص النساء، يبقى المؤشر الأكثر تجسيداً للإقصاء الذي يعانين منه هو معدل مشاركتهن في سوق الشغل؛ إذ تشير المعطيات الرسمية إلى أن هذا المعدل انخفض من 26.6 في المائة سنة 2008 إلى 21.8 في المائة سنة 2018 ويُلاحظ من معطيات رسمية للحكومة أن معدل مشاركة النساء في سوق الشغل يسجل مستويات أدنى من المناطق الحضرية؛ إذ بلغ 18.1 في المائة سنة 2018، ما يعني أن حوالي 82 في المائة من نساء المدن البالغات سن العمل لا يشاركن في النشاط الاقتصادي، وبالتالي لا يتوفرن على دخل خاص بهن.
وترجع عدد من الدراسات، من بينها دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ضعف مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي إلى عدد من العوامل؛ فبالنسبة للنساء أقل من 24 سنة يرجع ذلك إلى طول سنوات الدراسة، كما يشكل ثقل الأدوار المنوطة بالمرأة عاملاً يعيق مشاركتها في سوق الشغل وتتحمل المرأة عبء الأعمال المنزلية بشكل كبير؛ إذ يفوق الوقت الذي تخصصه لهذه الأعمال سبع مرات الوقت الذي يخصصه الرجل، ولذلك يبقى السبب وراء عدم خروج حوالي نصف النساء إلى سوق الشغل هو ضرورة قيامهن بشؤون المنزل ورعاية الأطفال.
وتُعتبر النساء في المغرب أكثر عرضة للبطالة من الرجال، بحيث بلغ معدل البطالة على المستوى الوطني 14.1 في المائة لدى النساء مقابل 8.1 في المائة لدى الرجال سنة 2018، ويرتفع هذا المعدل في الوسط الحضري إلى 23.9 في المائة مقابل 10.9 في المائة للرجال ويترتب عن هذا الوضع، حسب عدد من الدراسات، المزيد من الهشاشة الاجتماعية، لا سيما بالنظر إلى نقص استفادة النساء من آليات الحماية الاجتماعية، والنتيجة أن عدداً قليلاً منهن يستفدن من معاش التقاعد، بحيث لا تتجاوز نسبتهن من مجموع متقاعدي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي 17 في المائة.
قرى معزولة
تجمع مختلف التقارير الرسمية على أن القرية تعاني العزلة ونقص التجهيز، وهو ما يجعلها لا تساهم بالقدر الكافي في تنمية البلاد رغم أنها تضم 40 في المائة من الساكنة المغربية التي تعتمد على زراعات معيشة مرتبطة بالأمطار. وبحسب آخر تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن البرامج والمشاريع المُنجَزَة لفائدة العالم القروي ظل تأثيرها دون انتظارات وحاجيات الساكنة القروية، ويتجلى ذلك في استمرار الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وضعف الولوج إلى الخدمات الأساسية بلغة الأرقام، نجد أن 3.5 ملايين مغربي لا يستفيدون من تزويد منتظم بالماء الشروط، ونحو 1.3 مليون شخص لا يستفيدون من الربط بشبكة الكهرباء. من جهة أخرى، نجد أن معدل الفقر متعدد الأبعاد يصل إلى 17.7 في المائة في القرى مقابل 2 في المائة في الوسط الحضري.
ويظل الفقر متعدد الأبعاد، الذي يعرفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بناء على الولوج إلى خدمات الصحة والتعليم والماء والكهرباء، ظاهرة قروية بالأساس؛ إذ يوجد 85.4 في المائة من الأشخاص المعنيين به في الوسط القروي وحين الحديث عن المناطق الجبلية، فإن الأمر يدعو إلى القلق بشكل كبير؛ ذلك أنها ما تزال تشهداً تأخراً كبيراً في مجال التنمية. فبحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مكامن ضعف النموذج التنموي الحالي، فإن نسبة الأمية بالمناطق الجبلية تناهز 47 في المائة مقابل 32 في المائة على المستوى الوطني.
أكثر من ذلك، تشير المعطيات الرسمية إلى أن دخل سكان المناطق الجبلية يقل مرتين عن المتوسط الوطني، كما تظل مساهمة هذه المناطق في التنمية الاقتصادية للبلاد محدودة جداً؛ إذ لا تتجاوز 5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي وفي نظر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن المؤهلات الاقتصادية التي يزخر بها العالم القروي لا يتم تثمينها بالقدر الكالي، ذلك أن "السلطات العمومية لا تبذل ما يكفي من الجهود من أجل تشجيع تنويع الأنشطة غير الفلاحية ودعمها، وهو ما شأنه أن يكرس ما تعانيه ساكنة العالم القروي من هشاشة وأوضاع صعبة".
ما العمل؟
يقتضي تحقيق طموح التنمية الإسراع بتغيير وضعية المرأة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمجتمعية، وهو ما يحتم رفع معدل النمو لدى النساء عبر تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية وضعها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وأولى هذه الأهداف وضع إطار قانوني ومؤسساتي يضمن فعلية المساواة بين النساء والرجال، وثانيها تمكين النساء من شروط الولوج إلى مزاولة عمل مؤدى عنه وتوفير الحماية لهن في طريقهن إلى أماكن العمل وداخل فضاء الشغل، وثالثاً العمل على إبراز نماذج اجتماعية جديدة تجسد صورة النساء اللائي يتمتعن بالاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن تحقيق الأهداف سالفة الذكر بإجراءات عدة، من بينها اعتماد آليات تحفيزية لتشجيع التمازج داخل المقاولة عبر النظام الجبائي وتقديم الدعم، مع العمل على تخصيص نسبة لا تقل عن 30 في المائة من مناصب المسؤولية في جميع مستوياتها للنساء كما ترد ضمن مقترحات المجلس ضرورة إخضاع الحصول على جزء من الدعم الحكومي المخصص للأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات لشرط تحقيق نسبة تمثيلية لا تقل عن 30 في المائة من النساء داخل هيئات القيادية.
ولتمكين النساء من شروط الولوج إلى مزاولة عمل مؤدى عنه، يقترح المجلس إطلاق خطة وطنية لفتح دور حضانة عمومية أو داخل المقاولات في جميع أنحاء البلاد ونشر مؤشرات حول المقاعد التي تخصصها دور الحضانة في كل جماعة مقارنة بالحاجيات المسجلة في هذا المجال فيما يخص العالم القروي، فيتعين على الدولة تحقيق هدفين استراتيجيين؛ أولهما إدراج الخصوصية القروية في السياسة العمومية لإعداد التراب الوطني، وثانيها خلق فرص في الوسط القروي من خلال تطوير قطاعات جديدة محدثة للثروة ومناصب الشغل.
ويمكن أن يتأتى ما سلف ذكره من خلال وضع سياسة عمومية لتنمية العالم القروي واعتماد قانون إطار يراعي خصوصيته، وإصلاح الوضعية القانونية للعقار في القرى، لا سيما الأراضي الجماعية، والمضي قدماً في التحفيظ المجاني لجميع الأراضي التي يملكها صغار الفلاحين ويمكن في هذا الصدد أيضاً اعتماد آليات تحفيزية لتطوير قطاعات جديدة كالسياحة الإيكولوجية، وتثمين المنتجات الفلاحية والخدمات المتعلقة بالفلاحة والتجارة، ووضع مخطط لرقمنة القطاع الفلاحي، مع العمل على تحفيز الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الفلاحية (Agritechs) على التطوير في المناطق القروية.
قد يهمك ايضا :
بنوك تلزم العملاء بتبادل البيانات مع السلطات الإدارية والقضائية
الأسهم العالمية تلتقط بعضًا مِن أنفاسها مع توقّف الخسائر التي مُنيت بها
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر