قدرت دراسة نشرها بنك المغرب وزن الاقتصاد غير المهيكل بالمملكة بحوالي 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام، على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة منذ سنوات؛ من قبيل تخفيف العبء الضريبي، وتسهيل الوصول إلى التمويل البنكي، وتسهيل الإجراءات الإدارية.ويأتي هذا التقدير في وقت سبق للمندوبية السامية للتخطيط أن أشارت إلى أن وزن الاقتصاد غير المهيكل سنة 2013 يناهز حوالي 11.5 في المائة.
أما صندوق النقد الدولي، فيشير إلى أن اقتصاد الظل يمثل 34 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب.الدراسة الجديدة الصادرة عن بنك المغرب، الأسبوع الجاري، أنجزها الباحثون كمال لحلو وهشام دغمي وفريدريش شنايدر بعنوان “وزن وتطور اقتصاد الظل في المغرب” تطرقوا فيها لتطور هذه الظاهرة في الفترة الممتدة من سنة 1988 إلى 2018.
واعتمدت الدراسة مقاربات عديدة لتقدير وزن الاقتصاد غير المهيكل، أخذاً بعين الاعتبار خصوصيات الاقتصاد المغربي؛ من قبيل هيمنة التعامل النقدي، وحجم القطاع الفلاحي، والتطور المالي.وتشير خلاصات الدراسة إلى أن الاقتصاد غير المهيكل في المغرب عرف ثلاث مراحل تطور؛ الأولى تمتد من 1988 إلى 1998، حيث كان يمثل حوالي 40 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وما بين 1999 و2008 انخفاض إلى ما بين 32 إلى 34 في المائة، لينخفض إلى 30 في المائة ما بين 2009 و2018.
ولا يزال وزن الاقتصاد غير المهيكل في المغرب كبيرا مقارنة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حيث يسجل فيه متوسط 17.2 في المائة، ويقدر في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحوالي 25 في المائة في المتوسط.
وذكر الباحثون أن الإستراتيجيات المنفذة منذ بداية سنة 2000 أدت إلى تحسين البيئة المؤسساتية والاقتصادية والمالية، وساهمت في تقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي بالمغرب؛ لكنهم أشاروا إلى أن استمرار هذه الظاهرة يتطلب إصلاحات هيكلية إضافية، لا سيما تلك المتعلقة بالتعليم والنظام القضائي والسياسة الضريبية وسوق الشغل.
وإلى جانب الآثار السلبية للقطاع غير الرسمي على الاقتصاد مثل هشاشة العمل وغياب شبكات الحماية الاجتماعية والتهرب الضريبي، فإن الأنشطة غير الرسمية تعيق إمكانيات النمو. كما أنها تحد من تراكم الرأسمال البشري الضروري لأي عملية تنموية، نظراً لأن العمل غير المهيكل يتميز عموماً بعدم احترام المقتضيات القانونية وغياب الحماية الاجتماعية، وبما أن اللجوء يتم إلى عمال أقل تأهيلاً فهم يقبلون على مضض كل الشروط.
إستراتيجيات مقترحة
يقترح الباحثون الثلاثة ضمن هذه الدراسة ثلاث إستراتيجيات من أجل خفض وزن القطاع غير المهيكل؛ الأولى تتمثل في “عدم فعل أي شيء” انطلاقاً من اعتبار القطاع مصدراً لخلق مقاولات جديدة يُمكن أن تصبح فيما بعد إلى مقاولات ناشئة.
وتشير الإستراتيجية الثانية المقترحة إلى “القضاء على القطاع غير المهيكل” من خلال سياسات تقوم على العقوبات؛ لكن هذا الخيار يبدي عليه الباحثون تحفظات، لأن تنفيذ هذه السياسة بطريقة متسارعة بدون تحديد الأسباب التي تدفع الناس إلى التحول إلى الاقتصاد غير الرسمي يمكن أن يؤدي إلى البطاقة والفقر والتوترات الاجتماعية.
أما الإستراتيجية الثالثة المقترحة، فتقوم على “دمج القطاع غير الرسمي” من خلال جعل الامتثال والتحول نحو القطاع الرسمي أكثر جاذبية، من خلال زيادة الفوائد والامتيازات المتاحة وتقليل التكاليف الضرورية لهذا التحول.
ويعتقد أصحاب الدراسة أنه من المناسب اعتماد سياسة “الجزرة والعصا” بالمغرب من خلال قيود وخصائص للقطاعات المعنية. واستناداً إلى الدروس المستفادة من التجارب الدولية، يفضل الباحثون تدابير دمج الاقتصاد غير المهيكل في القطاع الرسمي؛ من خلال إجراءات تحسين الإطار التنظيمي للشركات لكي يكون بسيطا ومناسبا لجميع مراحل حياة المقاولة، بدءا من إنشائها إلى خروجها من السوق.
وتؤكد الدراسة أن هذا التحديث المقترح للإطار القانوني للشركات يجب أن يشمل استخدام التقنيات الجديدة للمعلومات وتحسين جميع المؤسسات المعنية بالعمليات التنظيمية، بما في ذلك الحكومة والسلطات المحلية.
وتم الاستشهاد في الدراسة بتجربة البرتغال التي تعد واحدة من أفضل البلدان أداء من حيث إحداث المقاولات بفضل تقليل الوقت والتكلفة الضرورية لذلك. وقد بلغت هذه المكانة من خلال اعتماد خدمة تسجيل سريعة من خلال منصة رقمية تضم كل الإجراءات، بما في ذلك الضرائب والضمان الاجتماعي؛ وهو النهج الذي اتبعته بلدان أخرى مثل المكسيك والشيلي وإيرلندا.
وتقترح الدراسة أن يكون النظام الضريبي أداء لدمج القطاع غير المهيكل، من خلال نهج البساطة والتصاعدية وتقليل معدلات الضريبة وزيادة العبء الضريبي وفقاً لحجم الشركة؛ وهي سياسة نفذت بنجاح كبير في النمسا وكندا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا.
أما فيما يخص مشكل التداول النقدي، فيستشهد الخبراء الثلاثة بحالة اليونان التي نجحت في الحد من هذه الظاهرة، من خلال إجراءات بسيطة وفعالة عبر التشجيع على عدم استعمال الكاش. وقد حددت هذه الدولة، سنة 2015، الحد الأدنى من المبلغ النقدي الذي يمكن أن يحصل عليه اليونانيون.
وحسب الدراسة، فقد أدى الإجراء سالف الذكر إلى تغيير عادات المستهلكين؛ وهو ما تجلى من خلال إجراء كل يوناني في نفس السنة 20 معاملة في المتوسط عبر البطاقة البنكية مقارنة بـ8 فقط سنة 2014، وبلغ حجم التداول الناتج عن الدفع بالبطاقة حوالي 818 أورو لكل مواطن سنة 2015، مقابل 428 يورو سنة 2014.
أما بولندا فقد أنشأت سنة 2017 صندوقاً بقيمة 170 مليون دولار لدعم الدفع عبر الآليات الإلكترونية في القطاعات القائمة على النقد تقليديا. وقد نتج عن هذا الإجراء إنشاء 212 ألف محطة جديدة؛ وهو ما يمثل زيادة بـ90 في المائة، خصوصاً في الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم العاملة في قطاعات البيع بالتقسيط والفنادق والنقل.
قد يهمك ايضا:
بنك المغرب يضخ تسبيقات بحوالي 40 مليار درهم
"بنك المغرب" يضخّ تسبيقات بـ103 مليارات درهم لمدة 7 أيام
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر