كشفت ورقة بحثية منشورة في الموقع الإلكتروني للمعهد المغربي لتحليل السياسات إن "المغرب يفتقر إلى موارد الطاقة، ويعاني مشاكل اجتماعية واقتصادية مزمنة ونزاعًا إقليميًا طويل المدى على الصحراء، حيث يرى المغرب في الاتحاد الأوروبي مصدرًا رئيسيًا للدعم في مواجهة هذه المشاكل، وهو ما يعطي الاتحاد الأوروبي نفوذًا كبيرًا في المغرب، حتى مع مضي البلاد نحو تعزيز موقفها في هذه العلاقة".وأضافت الورقة التحليلية، المعنونة بـ "حصر النفوذ الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: المغرب"، أن "المغرب يعتمد على التجارة مع أوروبا ومساعداتها المالية ودعمها الدبلوماسي في قضية الصحراء، وهو يكن تقديرًا خاصًا لعلاقته مع فرنسا التي تعتبرها الملكية حليفًا ثابتًا لها".
وأوردت المقالة أنه "مع ذلك، تعتبر السلطات المغربية اعتماد الرباط المفرط على أوروبا نقطة ضعف، فللحفاظ على العلاقات التجارية ومواصلة تلقي المساعدات الثنائية من الاتحاد الأوروبي، كان على المغرب في كثير من الأحيان قبول قيود تجارية وانتقادات لوضعية حقوق الإنسان لديه من بعض الدول الأوروبية".
تبعا لذلك، أوضحت ياسمينة أبو الزهور، كاتبة المقالة، أن "هذا الأمر (الاعتماد المفرط على أوروبا) دفع صانعي القرار المغاربة في السنوات الأخيرة إلى تنويع قاعدة دعم البلاد، عن طريق تعزيز الروابط مع دول مجلس التعاون الخليجي وإقامة علاقات جديدة مع شركاء غير تقليديين مثل الصين وروسيا".
وتابعت: "يعود اعتماد المغرب الاقتصادي المفرط على أوروبا إلى وضع الاتحاد الأوروبي الخاص باعتباره شريكًا تجاريًا رئيسيًا للمملكة وأكبر مصدر للمساعدات الثنائية لها، حيث يُعتبر المغرب أكبر المستفيدين من مساعدات الاتحاد الأوروبي في حوض البحر الأبيض المتوسط، إذ تلقّى المليارات من اليورو من طرف كل من الآلية الأوروبية للجوار والبنك الأوروبي للاستثمار بين العامين 2014 و2017".
لكن على الرغم من أنّ المغرب ينظر إلى مساعدات الاتحاد الأوروبي والتجارة معه نظرة إيجابية، وفقَ الباحثة في العلوم السياسية، إلّا أنّ "حفيظته أثيرت بسبب الانتقادات الأوروبية لمقاربته في مجال حقوق الإنسان – لا سيما تلك المرتبطة بالقمع الذي أعقب الثورات العربية عام 2011 – ولرفضه إلى وقت قريب التفاوض حول قضية الصحراء"، تؤكد المتحدثة.
مسألة إثارة حفيظة النظام اتّضحت من خلال خطاب الملك محمد السادس في قمة مجلس التعاون الخليجي عام 2016، حسَب المقالة، وذلك في ذروة التوتر بين المغرب وبعض المنظمات الدولية (بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) حول النزاع الإقليمي، حيث أوضح أنّ النظام المغربي لن يقبل أي تدخل في سياساته الداخلية.
وأكدت الباحثة أنه "على الرغم من هذا التوتر، عملت الرباط على الحفاظ على علاقات طيبة مع الاتحاد الأوروبي إدراكًا منها أنّ الانتعاش الاقتصادي في المغرب يعتمد على التجارة مع أوروبا ومساعدات الاتحاد الأوروبي"، وزادت: "حتى في كلمته في القمة المشار إليها آنفًا، شدّد الملك على أنّ المغرب سيسعى إلى الحفاظ على شراكاته مع حلفائه الحاليين (مثل دول الاتحاد الأوروبي) رغم إقامة المغرب لتحالفات جديدة مع كلّ من روسيا والصين، ذلك أن هذه الشراكات الجديدة للمغرب تتيح له تعزيز موقفه التفاوضي تجاه أوروبا".
وبشأن المخاوف المتعلقة بالأمن والهجرة، لفتت الورقة، التي نشرت في الأصل على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أنه "في ظل ازدياد الاضطرابات الناتجة عن الثورات العربية في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، هيمنت المخاوف الأمنية المتعلقة بالإرهاب والهجرة وتفكّك الدول على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وشمال أفريقيا".
ويُعتبر المغرب منطقة نادرة من حيث الاستقرار النسبي في منطقة شديدة التقلّب، تضيف الباحثة عينها، ما سمح للمغرب بتقديم نفسه على أنه حليف موثوق به لأوروبا ووجهة آمنة للاستثمار، وكذلك باعتباره فاعلًا رئيسًا في حلّ أزمة التطرّف في شمال أفريقيا، ووقف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها على الأراضي الأوروبية (لا سيما في بلجيكا وفرنسا وإسبانيا)، وهو ما يمنح المغرب تأثيرًا إيجابيًا في تعاملاته مع الاتحاد الأوروبي وتعويض اعتماده على الدعم المالي والدبلوماسي الأوروبي.
واسترسلت الباحثة بأن المغرب يستخدم كذلك، "بصورة متزايدة، دوره في الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ولا سيما إسبانيا، لتعزيز موقفه في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، حيث يكنّ الكثير من المواطنين المغاربة احترامًا شديدًا لأوروبا – بالرغم من أنّ هذا الأمر بدأ يتغيّر حاليًا- فوفقًا لدراسة أجرتها دول الجوار الأوروبي بالجنوب (EU Neighbours South)، فقد انخفض معدل المغاربة الذين ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي نظرة إيجابية بنسبة 13 نقطة مئوية ما بين عامي 2017 و2018".
ورغم هذا الانخفاض، ما تزال لدى 59 بالمائة من المستجوبين نظرة إيجابية للاتحاد الأوروبي، حيث يربط الكثير من المغاربة المستجوبين الاتحاد بمفاهيم مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الفردية، كما يُعتبر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما في فرنسا وإسبانيا، من بين العوامل المساهمة في تعزيز المد الثقافي الأوروبي في المغرب.
فضلا عن ذلك، ترى أبو الزهور أن "الكثير من الشباب في المغرب يرسم صورة مثالية للحياة في أوروبا، ما يجعلها وجهة جذب رئيسية للمهاجرين من المغرب؛ كما أنّ نسبة المستجوبين في المغرب الذين يرون أنّ الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يؤدّي دورًا أكبر في بلادهم – من خلال التجارة والتنمية الاقتصادية والهجرة – أكبر من النسب في أي بلد آخر في منطقة المغرب العربي، حيث إنّ نسبة 71 بالمائة من المستجوبين المغاربة يرون أنّ الاتحاد الأوروبي له تأثير إيجابي على تنمية بلادهم. وفي هذه البيئة، يمكن للاتحاد الأوروبي تعزيز نفوذه الذي يتمتع به في المغرب من خلال برامج المساعدات الموجهة للمجتمعات المحلية".
صفوة القول لدى الباحثة إن "المغرب يدرك أنّه لا يستطيع الاستغناء عن التجارة والمساعدات الأوروبية، غير أنّ جهود تنويع حلفائه – من خلال تحالفاته مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول الإفريقية وكذلك الصين وربما روسيا – ستجعله أقلّ اعتمادًا على الاتحاد الأوروبي في المستقبل".
لذلك، سيظل دور المغرب في الحد من الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب يساهم في جعل البلد حليفًا مهمًّا للاتحاد الأوروبي، لكن احتمال مواصلة قبول المغرب لانتقادات الاتحاد الأوروبي لسجله الحقوقي أو نزاعه الإقليمي سيكون أقلّ – بالرغم من أنه من المحتمل أن يواصل اهتمامه بالتوصيات الخاصة باقتصاده طالما أنّه يتلقى تمويلات من الاتحاد الأوروبي، في حين ستظل العلاقات الفرنسية المغربية قوية، بل قد تعزّز باريس من نفوذها في المغرب..، تبعًا للوثيقة ذاتها.
وختمت الباحثة مقالتها بأن "النزاع على الصحراء سيظل خطًا أحمر بالنسبة للنظام المغربي في علاقاته مع أوروبا، حيث رحّب المغرب بقبول الاتحاد الأوروبي الواضح لهذا الواقع كما تبين ذلك من الموقف الذي تبنته في يونيو 2019 فدريكا موغريني ثمّ الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية"، خالصة إلى أنه "من شبه المؤكد أنّ النظام المغربي سينأى بنفسه عن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إذا رأى أنّهم يدعمون أي انتهاكات للسيادة الترابية للمغرب".
قد يهمك ايضا
بوريل يؤكّد في رسالة إلى أبو الغيط رفض الاتحاد الأوروبي لخطط إسرائيل
الاتحاد الأوروبي يمضي قدمًا في "خطة إنقاذ اقتصادية" بـ750 مليار يورو
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر