بينما يستمر التفاعل المجتمعي مع مضامين التقرير الصادر عن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، دعا أساتذة جامعيون مغاربة إلى عدم تقديس ما جاء في “ديباجة” تقرير الفريق الملكي؛ لأن أي مشروع مجتمعي يجب أن يواكبه نقد وتحليل وتحفيز آليات التفكير من أجل تجويده.
وقال عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية ـ أكدال بالرباط، في ندوة نظمها مركز مغارب للدراسات في علم الاجتماع الإنساني حول “النموذج التنموي بين الكائن والممكن”، إن “الرؤية الجديدة للتنمية يجب أن تراعي مسألة الانتقال من مجتمع اجتماعي إلى مجتمع فرد كوحدة أساسية للتحفيز”.
وأوضح رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية فكرته قائلا: “لا يمكن أن نبني مجتمعا جديدا بلغة قديمة وبأفكار بالية مبنية على مجتمع الأمة والدولة، بينما الفرد غائب”، مبرزا أنه “يجب الاعتراف بالفرد، بجسده كفاعل أساسي داخل المدينة”، متابعا قوله: “ما زلنا نفكر بأن جسد الفرد هو ملك للدولة بينما هو ملك للفرد نفسه”.
وأضاف الأستاذ الجامعي ذاته أن “الانتقال نحو المجتمع الفردي مسألة أساسية لتحقيق البناء الديمقراطي، حيث إن الفكر الجماعي وصل إلى الباب المسدود. الديمقراطية لا تستقيم إلا إذا كان الفرد محررا في جسده وتفكيره”.
وفي قراءته لمضامين النموذج التنموي، ذهب بنخطاب إلى أن “الدولة اليعقوبية انتهى دورها، الدولة المركزية لا يمكن أن تقدم حلا لتدبير الشأن السياسي”، مبرزا أنه يجب إعطاء المجال الهامشي فرصته للتعبير؛ وذلك لتحقيق العدالة المجالية، وإدماج الهامش في التدبير، وتحرير الطاقات”.
واستطرد أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية ـ أكدال بالرباط في قراءته: “لا يمكن الحديث عن المستقبل دون الوقوف عند البحث العلمي، بحيث يجب تخصيص استثمارات لهذا المجال، نحن متخلفون في ميدان البحث العلمي، التجربة الفرنسية فاشلة”، مشددا على أنه “لا يمكن إنتاج بحث علمي ونحن غارقون في جحافل من أبناء الشعب في الجامعات”.
وقال: “المجانية تشكل عائقا أمام الابتكار والدفع بالجامعة نحو الأمام، إذ لا يمكن إنتاج معرفة علمية في وسط غير صحي، لا يمكن إنتاج المعرفة أمام 1000 طالب”.
هل لدينا مقومات القوة الإقليمية؟ أجاب بنخطاب بأن القوة الإقليمية هي تلك الدولة التي في استطاعتها أن تحول مواردها الاجتماعية والعسكرية إلى نفوذ دولي جهوي، متسائلا: “هل نملك هذه المقومات؟ نحن بعيدين عن هذا الأمر”.
من جهته، أكد عياد أبلال، الباحث في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا الثقافية، أن “التقرير غير نهائي، هو يعكس نموذجا تنمويا مع وقف التنفيذ”، مبرزا أن “هناك تصورا أساسيا للتنمية انطلق مع ابن خلدون وفكرة الدولة وموتها؛ فالتنمية مرتبطة بالدولة، وبالتالي موت الدولة هو موت للتنمية”.
وأوضح الأنثروبولوجي المغربي أن “التغيير مطلوب”، مبرزا أن الوعي الفكري في التنمية يترجم الحق في التفكير؛ بينما الوعي بالتغيير يترجم الثقافة السياسية لدى الشعوب بخصوص مسارات وممكنات التغيير دون السقوط في الفوضى والهدم، ثم هناك إرادة التغيير بالتنمية هل لدينا إرادة في التغيير والتنمية في المغرب؟”.
ووقف الباحث المغربي عند “إدارة التغيير والتنمية؛ وهي سياسة تظهر القدرة على التنظيم والتحليل، ويجب أن تتأسس وجوبا على العقد الاجتماعي”، لافتا الانتباه إلى أن كل نموذج تنموي رهين بمدى قدرة الشعوب في امتلاكها لرغبة التغيير.
وأضاف: “كل نموذج تنموي يبتغي التغيير الإيجابي رهين بتحويل الرغبة في التغيير إلى إرادة للتغيير؛ وهي إرادة قوة وإرادة من أجل القوة. وهذه الإرادة لا تكون ممكنة إلا بتوفر الوعي بالتغيير، وهي إرادة شعبية. كما أن الرغبة في التغيير تعكس الطلب الاجتماعي”.
وقال المتحدث ذاته إنه “كان على أعضاء النموذج أن يرسموا الخطوط العريضة للتنمية في المغرب من خلال ثلاث مراحل؛ ما بعد مرحلة الاستقلال إلى حدود السبعينيات، ثم مرحلة الثمانينيات والتسعينيات (مرحلة التقويم الهيكلي)، ثم مرحلة الألفية الجديدة (العهد الجديد)؛ وهو ما أغفله التقرير”.
وأكد: “يجب أن نستعرض التنمية في المغرب في ظل المخططات الخماسية لحكومة عبد الله إبراهيم، وهي مخططات كان تنهل من الفكر الاشتراكي، ومرحلة الانفتاح على السوق التي عكسته سياسة التقويم الهيكلي، ومرحلة تبني السوق وما فرضته من إصلاحات في الخوصصة ودعم القطاع الخاص.
وسجل عياد أبلال، في مداخلته، أن “حراس المعبد يحاولون جعل تقرير النموذج التنموي “مقدسا”؛ بينما يجب إخضاعه للتجويد والمناقشة”.
ورأى إدريس آيت لحو، أستاذ علم الاجتماع الترابي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية-مراكش، أن سنة 2011 كانت فرصة للمغرب من أجل أن يتبع نموذجا مبنيا على الجهوية الموسعة تنطلق من الفرد إلى المجتمع وليس العكس، داعيا إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة “يجب أن تتحمل المؤسسة مسؤوليتها في الفعل العمومي له مسؤولية. المسؤولية تعود إلى أقرب وحدة معنية، وهنا نقصد السكان”.
وقال المتحدث عينه بأنه “يجب الاعتماد على السلط الجهوية للاقتراح ومراقبة المشاريع الكبرى والتنفيذ”، مبرزا أن “هناك أزمة في كل قطاعات المغرب، حيث إن المشكل البنيوي يتعلق بـ”الثقة”، لافتا إلى أن الدستور هو الإطار المرجعي لهذا النموذج. كما أن المغرب دولة بسيطة غير قابلة للتجزيء مشروع الجهوية في خبر كان”.
وشدد على أنه “ليس هناك استقرار في السياسات العمومية كل تغيير / كل وزارة تأتي بسياسة جديدة ليس هناك استقرار في السياسة العمومية الترابية المتجذرة”.
وأكد الأستاذ الجامعي أحمد بوجداد أن “هناك “خلطا بين ما تقوم به الدولة وبين ما تستطيع الدولة القيام به، وفي السياسات العمومية نركز على ما تستطيع الدولة القيام به؛ فالدولة تقترح مخططات وبرامج لكن في التنزيل تكون هناك ميكانيزمات أخرى”.
وأشار بوجداد إلى أن تنزيل السياسات العمومية يتأرجح ما بين من يقرر وبين من ينفذ، ولا بد أن نأخذ بعين الاعتبار عددا من الفاعلين لهم مصالح وغايات”، مبرزا أن “الإدارات في المغرب تختلف؛ فهناك إدارة فيها كفاءات ولها إمكانيات، وهناك إدارة أخرى لا تتوفر على الإمكانيات. هذه الأبعاد يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في أي مشروع”.
وأوضح الأستاذ الجامعي أن “هذا التقرير يتقاطع مع المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وتقرير بنك المغرب والمعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية”.
قد يهمك ايضا:
بنموسى يدرس مستقبل المرحلة المقبلة مع الأحزاب المغربية
بنموسى يؤكد أن “المغرب لديه إمكانات واعدة تسمح بتحقيق طموح قوي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر