عيسى مخلوف في ضفافه الأُخرى سيرة الذات والآخر
آخر تحديث GMT 07:42:16
المغرب اليوم -
ريال مدريد يدرس ضم أرنولد من ليفربول في يناير القادم تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت وزارة الصحة اللبنانية تُعلن سقوط 3365 شهيداً و14344 مصاباً منذ بدء العدوان الإسرائيلي "حزب الله" يجبر طائرتين مسيرتين لقوات الاحتلال الإسرائيلي على مغادرة الأجواء اللبنانية أوكرانيا تعلن مسئوليتها عن اغتيال ضابط روسي في شبه جزيرة القرم جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم ببناء بؤر الاستيطانية وفتح محاور جديدة للبقاء أطول في قطاع غزة إرتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,712 أغلبيتهم من الأطفال والنساء منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي فرنسا تستنفر وتمنع العلم الفلسطيني قبل مباراتها مع إسرائيل خشية تكرار أحداث أمستردام حزب الله يُنفذ هجوماً جويًّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضية على مقر قيادة كتيبة راميم في ثكنة هونين شمال مدينة صفد مقتل مستوطنيين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين جراء سقوط صواريخ لحزب الله في نهاريا
أخر الأخبار

عيسى مخلوف في ضفافه الأُخرى: سيرة الذات والآخر

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - عيسى مخلوف في ضفافه الأُخرى: سيرة الذات والآخر

كتاب ضفاف أخرى
بقلم : دلال قنديل*

من يقرأ "ضفاف أخرى" يلمسُ سرّ عُمق المَدارك وابتعاد الكاتب عن المألوفِ من مبالغاتِ لغتنا والانبهار بالسائد. الشاعر والكاتب عيسى مخلوف يطلّ علينا بكتابه الجديد، مجيباً على أسئلة الشاعر العراقي علي محمود خضيّر، كمن يجمع حصادَ أيامٍ ويواصل الزرع.
الكتاب يتجاوز السيرة الذاتيّة ليصبح سيرة الآخر والعالم معاً، وليقدّم فصولاً من سيرة حياتنا والواقع الذي نعيش فيه. لذلك لا تأتي هذه السيرة لتستخلص مساراً وتجربة وإنما لتصبّ في خضمّ نتاج متواصل: مقالات ودراسات ومداخلات وكتب وترجمات وقراءات. نبعٌ معرفيٌ متنوّع ومتعدّد. وهو في ذلك ينحاز إلى الموضوعيّة والحسّ النقدي بلغة نلمس أناقتها وشفافيتها، وبحِرَفيّة العارف، بعيداً عن أيّ ادّعاء.
يكتمل النص بين سطور المراحل المنسابة زمنياً منذ الطفولة. أمّا المراهقة فحفلت بتجربة إنتاج مجلة ثقافية وتنظيم ندوات أدبية وترجمة قصائد منها قصيدة لبابلو نيرودا. كان بإمكان مخلوف ألاّ يعتمد على التسلسل الزمني في هذا النتاج طالما أنّ كلّ فصل من فصوله يؤلّف كتلة قائمة بذاتها تكشف عن غنى التجارب وموسوعيّتها وبعدِها الثقافي ذيّ الطابع الفكري والفلسفي.
يؤكّد هذا الكتاب على خصوصيةِ الكاتب من خلال إجاباته على أسئلة محفّزة جاءت مطوّلة في بعض مقاطعها. إجابات تزاوج، في مواضع كثيرة، بين النثر والشعر، مع التركيز على تحديات الواقع والمكاشفة التي تنطلق من الشكّ وإعادة النظر في المسلّمات والأفكار المسبقة. يقول: "حتى الآن لا تزال القوة هي التي تتحكّم في المصير، ولا نزال نشهد على عنف يأتي من عصور سحيقة على الرّغم من التقدّم الذي أحرزته البشريّة عبر الزّمن. كأن الحياة، لكي تبقى، لا بدّ من تآكل مستمرّ بين عناصرها ومكوّناتها. كأنها تأمرنا كلّ لحظة: ''فليأكل بعضُكم بعضاً''. ويضيف: "إنّ إستغلال الإنسان للإنسان واستغلاله للطبيعة لا حدود لهما".
في الفصل الأول يصف علاقته الأولى بالطبيعة: "المنحوتة الأولى التي رأيتها في حياتي ذلك الجبل في بلدة إهدن. لم يكن جداراً مغلقاً أمام عينَي الطّفل الذي كنتُ. كان مرآة ضخمة تعكس ألوان الشّروق والغروب. تتلوّن من الصباح الى المساء، ومن أول الليل حتى طلوع الفجر، بألوان فائقة الدّقّة في تدرّجاتها. يرتفع الجبل كموجة زرقاء عالية تحجب موجة أخرى زُرقتها أكثر تماهياً مع السّماء". ثمّ يتوقّف الكاتب عند لحظة مهمّة تركت أثرها في حياته تمثّلت في موت شقيقه وانعكاس هذا الموت على والدته التي تتفقد أنفاس أبنائها ليلاً لتتاكّد ممّا إذا كانوا لا يزالون أحياء، وكانت بذلك تخرّب، بدون دراية منها، نوم ابنها الذي كان لا يزال يومها في التاسعة من العمر.
من لبنان إلى فنزويلا، كانت الهجرة الأولى بسبب الحرب الأهلية، ومن كراكاس إلى باريس لمتابعة التحصيل العلمي. تجربة نلحظ أثرها في عمل مسرحيّ بعنوان "قدام باب السفارة"، وهو ينظر إلى الهجرة كونها "ملحمة يختلط فيها الواقع بالمتخيل، المأساة بالنزعة العبثية، وهي تعمّق السؤال حول قدرة الإنسان على مواجهة مصيره".
قراءة "ضفاف أخرى" رحلة في الزمان والمكان وفي الثقافات المختلفة. تجرّنا بشغف الى مراحل ثقافية متعدّدة المشارب، إلى شخصيات وقامات أدبية تابعنا نتاجها، ومنها الشاعر أنسي الحاج  الذي فقد والدته وهو طفل ما ترك عميق الأثر في نفسه، وحتى في علاقته بالمرأة والحبّ. في أحد الملاحق الثلاثة المثبتة في نهاية الكتاب، نسمع أنسي الحاج يقول: "أحياناً يخيّل إليّ أنّ الحب الذّي أكرّر وأعيد الكلام عليه هو غير الحبّ. هو ناتج سؤ تفاهم، بحث غامض في خضمّ أوقيانوس لا يعبأ. أي حب هذا الذي لا يتفق اثنان على تعريفه؟ هذا الذي يؤلم حتى الموت إذا تبودل ويؤلم حتى الموت إن لم يُتبادل؟". ومن لقاءات مخلوف في باريس، يستوقفنا لقاؤه مع محمود درويش الذي راح يقرأ في منزله قصيدته "الكمنجات"، ثمّ قصيدة "في الرحيل الأخير أحبك أكثر والكمنجات". تستوقفنا أيضاً العلاقة السجاليّة مع أدونيس، وحضور أسماء عدّة عربيّة وأجنبيّة من بينها محمّد أركون وعبد الرحمن الباشا وعبد اللطيف اللعبي وجورج شحادة وصلاح ستيتيّة وأسادور وبسّام حجّار وأمجد ناصر ونبيل الأظن، وأخيراً الشاعرة والفنانة التشكيلية إيتل عدنان: "المولودة في العام ١٩٢٥، المتربّعة على السنوات، لا تحصي الوقت، ولا تتذمّر من الأيام التي تمضي لأنها مأخوذة بشيء آخر: البحث عن جوهر الأشياء وعن سرّ الذات والكون. لكن هذا البحث الفلسفيّ والبحث الشّعريّ معاً لا يلهيانها، ولم يلهياها يوماً، عن أحوال العالم الراهن وقضاياه، وفي مقدّمها القضية الفلسطينية ووضع المرأة في العالم أجمع، وفي العالم العربي خصوصاً. مشغولة هذه النحلة برحيق الأزهار...".
بهذه العين الشفافة يمرّ عيسى مخلوف على صداقات ربطته بمبدعين. يستوقفنا أيضاً صقل الألوان بصمت وسط الصخب. يقول عن الفنان التشكيلي اسادور: "يعلو الصخب في مقهى''الفْلُور'' في حي ''سان جرمان''. تتردد أصداء الضحك في فضائه الدّافىء. رنين الكؤوس الحمر. دنوّها من شفاه النّساء المبتهجات أوّل السهرة، الشّفاه المنفرجة عن أسنان تزيدها الإضاءة لمعاناً. النُّدل، في وَزراتهم البِيضِ الطويلة، يروحون ويجيئون. في أيديهم الصواني المليئة والفارغة تتحرّك فوق الرّؤوس. رؤوس المقيمين في المدينة والغرباء الوافدين اليها بحثاً عن ذكريات، أو عن الطاولة التي جلس اليها، يوماً، إرنست همنغواي. أسادور القابع، كعادته، في إحدى الزوايا، لا دخل له بما يحصل حوله، بل إنه يبدو منزاحاً عن مكانه الذي لا وجود له خارج خطوط لوحته وألوانها. يأخذ قلماً من جيب سترته ويرسم خطّاً أوّل، يليه خطّ ثانٍ، على فوطة ورق أمامه على الطاولة. يرفع نظره عنها قليلاً، وسرعان ما يعود إليها كأنه يستنطقها. فهو لا يحتمل العيش بعيداً عن الأشكال التي ترتسم أمام عينيه، كالعنكبوت الذي لا بيت له خارج لُعابه. أسادور من قلّة من البشر الذين يمكننا، أثناء الالتقاء بهم، أن نتكلّم ونتحاور أو أن نبقى صامتين كأننا مع أنفسنا".
في موضع آخر من الملاحق، يعنون رسالته إلى صديقه عبّاس بيضون متحدّثاً عن الشعر، "الأكثر قوّة والأكثر هشاشة بين الكائنات". وممّا ورد في الرسالة: "كلّما إلتقينا كان بسّام (الشاعر الراحل بسام حجار) حاضراً بيننا". ويتابع مخلوف مستعيداً حادثتين جمعتهما، هو وبيضون، في مناسبتين مختلفتين: "نظرتَ الى الجموع نظرتك المعهودة حين تبدأ الكلام كأنك تقرأ على لوح أسود. تتكلّم وتستطرد. تتدافع الكلمات أمامك كأمواج متلاحقة، تذوب الواحدة منها في الأخرى. كان نظركَ يذهب أحياناً أبعد من الحاضرين، نحو حديقة "لوكسمبور" الماثلة وراء مربّعات الزجاج. وكنت كأنك تروي للشجر والبشر على السواء ما حلَّ بالشِّعر". وعن بسّام حجّار يقول مخلوف: "إنه الغريب الذي تراءى له الشَّجَن في كل شيء حوله: الغيمة والشجرة، الأواني المنزلية والستائر، الشرفات التي لا تفضي الى شيء، وضؤ النهار، تلك العتمة الأخرى".
أما عن لقائه بالكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس: "خرجتُ من الغرفة، وفي عينيّ عيناه المفتوحتان وتلك النظرة التي تذهب إلى الأمكنة التي لا تطاولها الأعين. ترافقني وأنا أسير في محاذاة "معهد الفنون" في اتجاه مقهى "بونابرت" تساؤلاته وعباراته التي لطالما ردّدها، قولاً وكتابة: "ماذا يمكن أن يحدث لنا أفضل من الزّوال والنسيان؟ ما همّني ما سيصير اليه إسمي طالما أنّ كتاباً في مستوى''ألف ليلة وليلة'' لا يُعرف من يكون كاتبه".
لا يتوقّف الكتاب فقط عند أوجه الثقافات المختلفة، بل يتناول أيضاً واقع العالم الراهن وتحدياته وما آلت إليه البيئة والهندسة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وأثر كلّ ذلك على الإنسان وعلى الإبداع. وهكذا يلازمنا الشعور بأنّ كل فصل من فصول الكتاب يصلح لأن يكون كتاباً.
لا يمكن لمن عَرفَ عيسى مخلوف الإنسان أن يفصلَ نتاجَه عن تلك الصورة المنحوتة بمعيار النقد الذاتي والتجرّوء على المحظورات. بعد متابعة عن بُعد لمقالاته الصحافية وبرنامجه الإذاعي الثقافي، وبعض نتاجه، التقيته في بيروت أثناء صدور الطبعة الثانية من كتابه "عين السراب" وأهداني نسخة منه، وتحسّرت على الزمن الذي فاتني قبل التواصل مع نتاج هذا الموسوعي الملهم ومساره الأدبي والإنساني الذي يقفز فوق الخلافات والأحقاد ليصوغ حياة تلامس زهد الفلاسفة وتغور في أسئلة التجربة المجدِّدة بلا قيود.

*دلال قنديل كاتبة وإعلامية لبنانية

 

قد يهمك أيضا

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

 

سلمان رشدي يكشف مقتطفات من روايته الجديدة عقب تعرضه للطعن

 

 

 

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيسى مخلوف في ضفافه الأُخرى سيرة الذات والآخر عيسى مخلوف في ضفافه الأُخرى سيرة الذات والآخر



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 09:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
المغرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
المغرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 07:08 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
المغرب اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:06 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل خبز الذرة للإفطار

GMT 16:46 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

الشوفان سلاح ضد السرطان

GMT 03:39 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دخول سيارتين قديمتين لـ"مرسيدس بنز" إلى المزاد العلني

GMT 07:11 2015 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع معدل التلوث جراء حرائق الغابات في إندونيسيا

GMT 19:47 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ميس حمدان تسجّل حلقة رائعة لبرنامج "بيومي أفندي"

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

GMT 22:37 2020 الإثنين ,18 أيار / مايو

وفاة رجل الأعمال السعودي صالح كامل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib