واصل الرحالة المُسلم الشهير ابن بطوطة أسفاره لمدة 27 عامًا,وقال "حزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور. وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا، ولقيت كما لقيا من الفراق نصبا وسني يومئذ اثنتان وعشرون سنة"...
هو محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي، الشهير باسم ابن بطوطة، ولد في 24 فبراير/ شباط عام 1304 في مدينة طنجة في المغرب, كانت عائلته معروفة بإنتاج القضاة الإسلاميين. وحصل ابن بطوطة على تعليم قوي في الشريعة الإسلامية. وهو ما ساعده خلال أسفاره لأن قدم نفسه كعالم مسلم ما دفع الناس في الأراضي الإسلامية إلى احترامه وحسن ضيافته، ومساعدته في رحلاته بالهدايا وأماكن الإقامة.
بداية رحلاته — الحج
يقول ابن بطوطة في كتابه الشهير "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار": "كان خروجي من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة، معتمدا حج بيت الله الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. منفردا عن رفيق آنس بصحبته، وراكب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازم. فحزمت أمري على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور. وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا، ولقيت كما لقيا من الفراق نصباً وسني يومئذ اثنتان وعشرون سنة".
و ذهب ابن بطوطة في رحلة إلى مكة لأداء فريضة الحج, في العام 1325 ، في سن الـ21، خلال رحلته، سافر عبر شمال أفريقيا ومصر حيث زار الإسكندرية والقاهرة. ويقول مؤرخون إن أسفاره أعطته رغبة قوية في مواصلة السفر ورؤية العالم بالإضافة إلى العديد من الملاذات في جميع أنحاء العالم الإسلامي التي كانت تهتم به كعالم إسلامي.
رحلة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي
و سافر ابن بطوطة خلال السنة التالية، من 1326 إلى 1327، عبر العراق وبلاد فارس. في عام 1328، شرع في رحلة إلى شرق أفريقيا حيث زار مدينة مقديشو الساحلية الصومالية. ومن هناك، استمر في رحلة إلى الجنوب واستكشف سواحل كينيا وتنزانيا المعاصرة.
رحلة إلى الهند
و رغب في السفر إلى الهند وأصبح قاضيًا إسلاميًا، لسلطان دلهي. وسافر عبر مصر وسورية، ووصل إلى الأناضول، أو تركيا الحديثة، نحو 1331. ومن هناك، عبر البحر الأسود إلى أراضي القبيلة الذهبية في ظل عهد أوزبك خان. وأثناء وجوده هناك، رحب به بصفته عالما بالشريعة الإسلامية.
و بقي ابن بطوطة لمدة عام أو عامين في بلاط أوزبك خان. كما أرسله أوزبك للسفر مع إحدى زوجاته في رحلة إلى القسطنطينية. وأثناء وجوده في القسطنطينية، تمكن ابن بطوطة من استكشاف المدينة ورؤية آيا صوفيا. كما يقال أنه التقى الإمبراطور أثناء وجوده هناك. وكتب ابن بطوطة لاحقًا أنه فوجئ بالعدد الهائل من الكنائس داخل المدينة. كانت القسطنطينية واحدة من المدن الكبرى غير المسلمة التي زارها العالم الإسلامي.
اقرأ أيضاً : انطلاق المهرجان الدولي الثقافي ابن بطوطة في طنجة
دلهي
و واصل العالم الإسلامي، في العام 1333، الذي كان الآن بعيدًا عن المنزل لمدة ثماني سنوات، رحلته وعبر السهول في وسط آسيا. ووصل إلى دلهي عن طريق أفغانستان في 1334 ورحب به في عهد محمد بن توغلوك، سلطان دلهي.
عمل ابن بطوطة كقاض إسلامي لمدة 7 سنوات. خلال هذا الوقت، تزوج وأنجب. في البداية، استمتع بوقته في دلهي، ولكن بعد فترة بدأ يشعر بالقلق من السلطان الذي كان معروفا عنه تنفيذ عقوبات قاسية. على سبيل المثال، كان السلطان يرمي أعدائه بشكل منتظم إلى الأفيال.
الهروب من دلهي والرحلة إلى جزر المالديف
و كان ابن بطوطة لديه فرصة لمغادرة قصر السلطان في عالام 1341، طلب محمد بن توغلوك من ابن بطوطة الذهاب كمبعوث إلى البلاط الإمبراطوري الصيني. هذا أثار دهشة ابن بطوطة. وأراد أن يخرج من دلهي، كان لا يزال جائعا للمغامرة.
قبل ابن بطوطة المهمة، وتوجه إلى الساحل الهندي ليأخذ سفينة حول جنوب شرق آسيا إلى ميناء تشيوانتشو الصيني. ولكن الرحلة واجهت مصاعب، وانتهى به الحال إلى تعرضه للسرقة والخطف، ونجا بأعجوبة وهو يرتدي فقط سرواله.
عندما وصل أخيرًا إلى الميناء، كانت السفن التي ينوي السفر على متنها قد انحرفت عن مسارها وغرقت. من خلال سلسلة من الأحداث المؤسفة، وجد ابن بطوطة نفسه في جزر المالديف. وقد رحب به سكان الجزيرة، وبقي في جزر المالديف للسنة التالية، مستمتعا بالبيئة الاستوائية وعمل مرة أخرى كقاض.
رحلة الصين
فكر ابن بطوطة في البقاء في جزر المالديف، لكن إقامته لمدة عام لم تكن هناك فردوسية بالكامل. عانى من الصدمة الثقافية منذ أن وجد بعض الأنماط والعادات والتقاليد لسكان الجزر مختلفة تمام عن بيئته.
و اختلف مع الحكام وقرر مواصلة رحلته إلى الصين. وبعد زيارة قصيرة إلى سريلانكا، انطلق ابن بطوطة من الطرف الجنوبي للهند حول جنوب شرق آسيا ليصل أخيرا إلى الصين في ميناء تشيوانتشو في عام 1345، بعد أربع سنوات من انطلاقه من دلهي. أثناء وجوده في الصين، كان ابن بطوطة يعشق المدن هناك. وواحدة من المدن التي زارها كانت بكين. وكتب أنه زار القناة الكبرى التي تبدأ هناك. وقال ذات مرة إن الصين كانت واحدة من أكثر الأماكن أمانا والأكثر ملاءمة التي سافر إليها.
لم يكن كل شيء جيدا في الصين لابن بطوطة. كما أنه كان غير مرتاح للعادات غير الإسلامية للصينيين، ويشير إليهم في كتاباته على أنهم من الوثنيين والكفار. وعلى الرغم من هذا، بقى في الصين لعدة سنوات، يعيش في الغالب بين الجاليات المسلمة في الصين. وكان لا يزال معجب بالمدن الرئيسية في الصين. ووصف في كتاباته مدينة هانغتشو بأنها أكبر مدينة رآها على الإطلاق.
العودة للوطن
قضى الرحالة المسلم بضع سنوات في السفر إلى الصين قبل أن يقرر العودة إلى وطنه في طنجة. وعاد إلى مدينته الأصلية في عام 1349 ، بعد 24 سنة من انطلاقه لأول مرة. لكن عندما وصل، علم أن والداه قد ماتا.
و قرر ابن بطوطة السفر إلى الأندلس ثم تمبكتو قبل عودته إلى المغرب بشكل دائم في عام 1354. في تلك السنة طلب سلطان المغرب من ابن بطوطة تسجيل جميع رحلاته. وقد قام بذلك فعلا، بمساعدة كاتب، في وثيقة تحمل عنوان "هدية إلى أولئك الذين يتأملون عجائب المدن وعجائب السفر".
إرث ابن بطوطة
و يبدو أن ابن بطوطة عاش حياة هادئة إلى حد ما في طنجة كعالم شرعي إسلامي حتى وفاته في حوالي عام 1368. فربما، قرر أنه أكبر من أن يسافر مجددا.
و قطع ابن بطوطة ما مجموعه 75 ألف ميلًا وعبر ما يصل إلى 44 دولة في العصر الحديث. ولأن ابن بطوطة تعرض لكثير من ثقافات العالم الإسلامي، فهو الآن أحد المصادر الرئيسية للمعلومات التاريخية والثقافية عن الثقافات الإسلامية خلال تلك الفترة الزمنية. وقال مؤرخون إنه على الرغم من أن معظم الناس يفكرون في ماركو بولو عندما يفكرون في مسافر عالمي قديم، لكن يمكن القول إن ابن بطوطة منافس جدير على هذا اللقب.
قد يهمك أيضًا :
لوحة "زهور دوار الشمس" للفنان فان غوخ ممنوعة من مغادرة هولندا
عائدات مبيعات التحف و اللوحات الفنية تحقق مبالغ خيالية بثمانية أرقام
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر