استقبل القصر البلدي في مرّاكش، نقاشات أدبية مسترسلة، بعد الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للصّحافة العربية في 2020، في متحف محمد السادس لحضارة الماء، وقال محسن جاسم الموسوي، رئيس لجنة التحكيم، إنّ هذه الأخيرة "ليست معنية بمن دخل ومن أقصي. بل هي معنية بمناقشة نصوص معينة، حَسَبَ مجموعة من المؤشرات"، بينما ذكر أنّ ليس لجميع أعضاء لجنة التحكيم وعي بنظرية الرواية، بل إنّ هناك تنوعا، يعبر عن القارئ أوّلا، للبحث عمّن يقدر على اصطياد مفاهيم معينة تجعل النص مختلفا عن غيره؛ وهو "ما أعطى تداخلا في الآراء، وجعلها تكمل بعضها البعض".
وتحدّث الأكاديمي عن "التغيرات التي حدثت داخل البنيات النظرية للرواية، لأسباب من بينها طبيعة وسائل الاتصال"؛ وهو ما أدّى إلى "تباين في طبيعة القراءة". كما بيّن أنّ "الكتابة لم تعد معزولة عن العالم، أو أنّها تربط بالإبداع فقط"؛ بل هناك حاجة إلى ارتقاء الروائي إلى مستوى معين يكون فيه واعيا بالعديد من التحولات وقادرا على جسّ نبضها، ويكون فيه واعيا بشكل شامل ودقيق بالعائلة والفرد والمجتمع الأكبر والدولة، دون أن يُحَوِّلَ الرواية إلى وثيقة.
وعقّب ياسين عدنان، عضو مجلس أمناء جائزة "بوكر"، على سؤال حول ما العمل تجاه نسيان الروايات التي لا تنتخب في القائمة القصيرة للجائزة ولا تظفر بالمرتبة الأولى، قائلا: "النسيان العام هو الذي كان قبل الجائزة. أما الجائزة اليوم فتُساهم، وتتيح الفرصة"، ثم زاد في صيغة مبالغة: "ولو كانت لجنة تحكيم أخرى لكانت الروايات المؤهَّلَة مختلفة".
في حين قال بيار أبي صعب، ناقد عضو لجنة التحكيم، إنّ الإنسان يجب أن يكون عضو لجنة تحكيم ولو مرّة واحدة، حتى يفهم خيمياءَها، ثم استرسل متحدّثا عن "هاجس الخوف من ظلم عمل من الأعمال"، وما تمثّله أعمال اللجنة من "مختبر صغير مغلق وسري، يخضع لاعتبارات اختلاف الحساسيات والرؤى والقراءات"، استمتع بجلساته وما ورد فيها من مطالعات.
بيار، الذي يرى أنّ "العلاقة بين الأدب تشبه علاقة بين محبَّين وغواية بين إنسانين، حيث يأتي النقد والتمحيص والعلم… بعد ذلك"، عبّر عن تحفّظه على "الشّراكة ببوكر" وزاد مؤكّدا أنّها "ليست وصاية للرجل الأبيض الكوبوي على غير المتحضر حتى يصير متحضرا".
وفي تعليق على أحد التدخّلات التي عدّدت روايات عربية قال إنّها مستلهمة من روايات غربية معروفة، عقّب الناقد اللبناني قائلا: "إنّنا كشعوب مستعمرة سابقا نحتاج عضويا إعادة إنتاج أعمال استعملت في الغرب لنستهلكها ونتجاوزها".
ومدح بيار أبي صعب سؤال لتلميذة مغربية، قدمته سابقا في ندوة الإعلان عن اللائحة القصيرة لـ"بوكر"، مفاده "هل ستنظّم جائزة تشجّع التلاميذ على كتابة الرواية؟"، ورأى في هذا السؤال أن "شابة مغربية تدعونا إلى الرهان على مستقبل آخر يراهن على الابتكار والأصالة في الآن ذاته"، قبل أن يستدرك قائلا: "وأنا من الناس القلقين من الغزو الحضاري، وأن نفقد ثقافتنا وحضارتنا ولغتنا، مستحضرا ما يقال حول أنّ "العربية لغة قديمة ومتحجرة".
واقترح الروائي بنسالم حميش، في مداخلة له، خلق جائزة تقديرية لتجارب روائية لم ترشَّح ولم تتقدَّم لنيل الجائزة، وقدّم مثالا بروائيين يتخوّفان من المشاركة هما أحلام مستغانمي وعلاء الأسواني؛ وهو ما علّق عليه ياسين عدنان، عضو مجلس أمناء الجائزة، بقول إنّ "هذه جائزة لا تشجيعية ولا تقديرية، وتتنافس فيها الروايات. وهناك جوائز تقوم بهذا المقام، وتُقدَّم عن مجموع الأعمال...". قبل أن يعقّب ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، قائلا إنّه سينقل إلى المجلس مقترح الجائزة التّقديرية؛ لأنّه مع أنّ "تنظيم الجائزة بشكلها الحالي بحاجة إلى عمل دؤوب؛ لكن لا يجب أن يمنع من النّظر في مقترحات جديدة".
ورأت ريم ماجد، صحافية مصرية عضو لجنة التحكيم، أنّها كانت الصوت الأقرب لصوت القارئ في اللجنة. وأضافت موضّحة أن عمل لجنة التحكيم ليس هو نقد وتشريح الروايات، وأنّ سبب عدم مناقشة دقائق الروايات هو "مراعاة عدم الدخول في تفاصيل الرواية حتى يمرّ القارئ بكل ما مررنا به من اكتشافات ودهشة".
وذكر أمين الزاوي، ناقد وروائي عضو لجنة التحكيم، إنّه من وجهة نظر سوسيولوجيا القراءة لاحظ منذ نشوء جائزة "بوكر" العربية، أي منذ ما يزيد عن عشر سنوات، بدأ الاهتمام بقراءة الرواية في المعارض، وطلبها في المكتبات، في مقابل ظاهرة سوسيوثقافية هي تراجع قراءة الكتاب الديني العادي، دون أن يعني هذا التوقّفَ عن قراءته.
ويعتبر الزاوي أنّ وجود الرواية على الرف أزاح الكتاب الديني قليلا وعوّضه، إضافة إلى "وجود الكتاب الفلسفي المتناول للظواهر الدينية والتاريخية الذي بدأ يأخذ مقروئية في العالم العربي". وزاد: كانت هناك أفواج تشتري الكتاب الديني بطريقة غريبة، وهذا انتفى أو قلّ على الأقلّ في مقابل الإقبال على الكتب السردية أو الرواية.
ويرى الأكاديمي الجزائري أنّ القائمة لقصيرة، المعلن عنها، متميزة من حيث الأجيال المختلفة ولو لم يأخذ ذلك بعين الاعتبار، إلا أنّه "ظاهرة صحية" و"مؤشّر إيجابي للرواية العربية بشكل عامّ"، وأضاف: هذه المجموعة فيها أجيال مختلفة، وجماليات مختلفة، لا روايات مختلفة فقط على مستوى البناء واللغة والهموم.
كما لاحظ الزاوي أنّ "الروائي العربي بدأ يدخل حضارة العين، أي أنّ النقرة والبصر اللذين نعيشهما الآن صارا ظاهرة موجودة في الرواية حتى على مستوى الأسلوب"؛ وهو ما يعني وفق قراءته أنّ "هناك تأثيرا للثقافة التكنولوجية في الاختيار والبنية والرسائل العلاقاتية والذاتية… وأنّ الروائي أيضا بدأ يدخل مجال الثقافة البصرية والاستفادة منها".
من جهتها، تحدّثت فكتوريا زاريتوفسكايا، مترجمة باحثة روسية عضو لجنة التحكيم، عن دور "جائزة بوكر" في ترويج الأدب العربي في الغرب وروسيا، وزادت قائلة: "لا بد أن للجائزة دوار كبيرا في هذا، فليس من الصدفة أن موجة ترجمة الأدب العربي الجديدة للروسية، تزامنت مع البوكر".
وذكّرت المترجمة الروسية بـ"التاريخ الطويل القصير" للترجمة إلى اللغة الروسية من العربية، وأضافت شارحة: "هناك بحر من الأعمال الأدبية العربية التي لم تترجم إلى حدّ الآن، وهناك خصوصية في تاريخنا -الروسي- لأن الترجمة ركّزت على الأعمال الدينية خاصة القرآن، ثم الكتاب الشيوعيين الذين لهم صلات قوية بالاتحاد السوفياتي".
ووضّحت المتحدّثة أنّ كل شيء جديد بالنسبة إلى القارئ الروسي حول العالم العربي؛ لأنّ عبر الرواية يتعرّف على زوايا وجوانب أخرى، ثم تأسّفت عن انقياد دور النشر وراء الاهتمام بالربح، وترجمتها الروايات بناء على نجاحها في الغرب، مع أنّ ليست هناك صلات مباشرة بين هذا وذاك.
في حين قال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء جائزة "بوكر"، إنّه سينقل إلى المجلس ما رآه من توفّق اختيار مراكش لإطلاق القائمة القصيرة للجائزة، ومستوى النّقاش المطروح وعمق العناية بها، وكبر حجم التطلّعات الموضوعة عليها، كما أكّد أنّه سينقل ما لمسه من "تقدير للجائزة نقدا وإعلاما ونشرا وترجمة".
تجدر الإشارة إلى أنّ اللثام قد أميط، بمدينة مراكش، عن القائمة القصيرة لجائزة "بوكر"، والتي ضمّت ستّ روايات هي: "ملك الهند" للبناني جبور الدويهي، و"الديوان الإسبرطي" للجزائري عبد الوهاب عيساوي، و"الحي الروسي" للسوري خليل الرز، و"فردقان" للمصري يوسف زيدان، و"التانكي" للعراقية عالية ممدوح، و"حطب ساراييفو" للجزائري سعيد خطيبي.
قد يهمك ايضا
الأميرة سلمى تزور متحف محمد السادس بالرباط
المغرب يستضيف النحات الكولومبي بوتيرو من خلال عمله الشهير "الحصان"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر