ترتبط مدينة مراكش بمسجد الكتبية، ويعود هذا الاسم إلى زمن بعيد يضرب في تاريخ حاضرة ارتبطت بدول عظمى منذ نشأتها مع المرابطين، إذ كان محيط هذا المسجد يعج بالكتبيين، الذين يعتنون بالكتاب وتسفيره، وظل هذا الارتباط حاضرا حتى لحظة الحماية مع مكتبات أحدثت مع الحركة الوطنية، التي كانت تجاهد على مستويات عدة، من أهمها محاربة الأمية وتثقيف المواطن وحمايته بتمكينه من المعارف والتنوير.
ومن بين هذه المكتبات المغربية ، التي لعبت دورا كبيرا في هذا السياق، مكتبة الشعب التي توجد بأحد أحياء المدينة العتيقة، الذي كان يضم أعيان مراكش وعلماءها، والتي لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين، لكن دورها كان يتجاوز حدود عاصمة النخيل إلى الإيمان بتحرير الأرض من المستعمر الفرنسي.
في قلب مقاطعة المدينة العتيقة مراكش توجد هذه المكتبة، على بعد أمتار من ساحة جامع الفنا، تنزوي في ركن حي من أحياء العهد السعدي، مما جعلها محجا سياحيا، لكونها أضحت من الموروث الثقافي، باعتبارها أول مكتبة بمراكش فتحت أبوابها عام 1941.
المهدي الكنسوسي، سليل عائلة العلم الذي نهل من هذه المكتبة في صباه، أطلق العنان لذاكرته، وإحدى أخواته بجانبه، إذ أوضح أن هذه المعلمة كانت فضاء للاطلاع على المجلات ومستجدات الحركة الوطنية، مضيفا “كان أعيان مراكش يجلسون بالقرب منها، رفقة محمد بن إبراهيم شاعر الحمراء، والمكي الصبان، ومحمد بن أحمد أكنسوس أحد أهم مؤرخي الدولة العلوية.
وفي حديث مع ، يضيف هذا الرجل المولع بحب حي “القصور” العتيق بمدينة مراكش، الذي يعد من أهم الأحياء التي تطفو فوق بحر من التاريخ، “كانت مكتبة الشعب شبيهة بناد أدبي للذين كانوا جزءا من دار المخزن، والرافضين للاستعمار الفرنسي، الذين تم إبعادهم من طرف إدارة الاستعمار، حيث كانوا يقرؤون الجرائد ويناقشون القضايا الوطنية والعربية، في الوقت الذي كان الحرفي مولاي قدور يهيئ لهم في الدكان المقابل الطنجية وكؤوس الشاي”.
وتعود بداية قصة هذه المكتبة، التي كانت محجا لأعضاء الحركة الوطنية، من قبيل: عبد الله إبراهيم ومولاي أحمد المنجزة وأبناء بنكيران، إلى عام 1941 مع آل الكتبي وآل العاصمي، المنخرطين في حزب الاستقلال، يروي نور الدين إيمان، الأستاذ الجامعي لهسبريس، مضيفا أن “المكتبة ساهمت في مقاومة المستعمر، لأنها قامت بدور التغطية على تحركات المقاومة، لذا تم نفي محمد بلحاج الكتبي وصديقه المهدي العاصمي من طرف الاستعمار إلى دمنات”
شكلت هذه المكتبة شريان الحياة بالنسبة لأبناء حي “القصور” العريق، الذي اكتسب هويته وتسميته، حسب الباحث الأدبي ومحب المدينة العتيقة محمد آيت لعميم، من تمركز رجالات المخزن فيه والطبقات العليا في الدول المتعاقبة على مراكش، فقصور ورياضات هذه الطبقات هي التي وسمت الحي ووهبته اسما، لذا كانت إلى جانب مدرسة “الفضيلة” للبنات معلمتين ثقافيتين سجلتا حضورا قويا لأحمد بلحسن العاصمي، الذي كان من الموقعين على وثيقة الاستقلال، وأخيه المهدي.
وكان لأحمد بلحسن العاصمي، والد الكاتبة والشاعرة المغربية مليكة العاصمي، التي ترعرعت في عائلة مراكشيّة عريقة عرفت بحب المعرفة، حب خاص لهذه المكتبة، التي قضى بها آخر لحظات حياته، حيث حمل منها إلى بيت أخيه المهدي بدرب “السانية” يوم 26 فبراير 1961، حين أعلن عن وفاة الملك محمد الخامس، حيث لم يعش بعد ذلك سوى أسابيع قبل أن تخرج روحه صبيحة 02 أبريل 1961، فكان موته بداية حياة جيل آخر سعى إلى بناء مغرب ما بعد الاستقلال، الذي يناضل اليوم ليجعل إفريقيا للأفارقة، تنزيلا لتعاون انطلق منذ خمسينيات القرن الماضي حين كانت المقاومة المغربية تنسق مع نيلسون مانديلا بجنوب إفريقيا.
لكن هذه القصة الجميلة لمكتبة المقاومة، التي كانت تقوم بالتمويه والتغطية على تحركات الوطنيين، أمثال مولاي أحمد المنجرة وعبد الله إبراهيم، انتهت بسقوط حائط برلين، الذي شكل لحظة فاصلة بين صراع الرأسمالية والاشتراكية، يضيف نور الدين إيمان في تصريحه لهسبريس، قبل أن يواصل قائلا: “كانت مكتبة الشعب رغم صغر حجمها تثير الاهتمام منذ التأسيس، لتعدد وظائفها كنقطة تواصل بالنسبة للوطنيين المقاومين، ووجهة لطلبة العلم بمدرسة ابن يوسف للتزود بالمنشورات، كما كانت متعهداً لتوزيع جريدة “العلم” بشكل حصري”.
وأدت هذه المكتبة الشهيرة ضريبة المقاومة، إذ كثيرا ما أغلقت أبوابها خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وكانت قبلة لعدة مثقفين غربيين أمثال الكاتب الإسباني خوان غويتصولو، العاشق لمراكش الذي توفي قبل سنوات، بعدما سجل أن هذه المعلمة أضحت فضاء لالتقاء مثقفين وكتاب وفنانين يجلسون بجانبها، ويناقشون قضايا معاصرة، مما جعلها تظل محافظة على دورها رغم حركة التمدن الحديثة، يختم نور الدين إيمان.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
17461 عنوانا في ست سنوات المكتبة الوطنية تصدر البيبليوغرافيا الوطنية
المكتبة الوطنية للمملكة تمكّن القراء من باقات إلكترونية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر