جميع البشر في سعي دائم في «مسارات» الحياة؛ لكن أبناء الطبقة الكادحة يكون لمساراتهم تفاصيل متعددة ومفردات حياتية مختلفة. وهي التفاصيل والمفردات التي التقطها الفنان المصري الشاب أحمد البدوي، ليقدمها تشكيلياً برؤية فنية معاصرة، تحمل جماليات وإشارات ورموز؛ لكنها تجتمع لتكشف لنا عن نمط حياة هذه الطبقة.
يضم معرض «مسارات» الذي يحتضنه «أوبونتو آرت غاليري» بالقاهرة المقبل، 45 لوحة، تسير في 3 مسارات مختلفة؛ لكن تظل الطبقة الكادحة هي الرابط بينها، فهي الطبقة التي يميل صاحب المعرض لها؛ حيث عايشها ورآها بعينه، كما تلبي ذائقته الفنية في التعبير عن الموضوعات المصرية البسيطة.
عن مساراته، يقول البدوي: «المسار الأول اخترت له ربة المنزل، فأعبر عن حالات مختلفة للحياة اليومية لها، فهي في سعي دائم لتدبير أمور دنياها بفطرتها النقية البسيطة، وقد أوجدتها في حالات نفسية مختلفة، مثل الترقب والدفء والسكون والهدوء والصخب، وفي أوضاع مكانية مختلفة، مثل مجاورة الباب والنافذة وحبال الغسيل، لكي ترمز لحالات معينة، أتنقل بها من لوحة إلى أخرى، لأبين كيف أن المرأة المصرية هي عمود للبيت في حضور الرجل أو غيابه».
ثمة عناصر ثانوية تظهر في هذا المسار؛ كالحبال البيضاء المشدودة، والتي تتراص عليها المشابك الخشبية التي توجد في كل بيت مصري، وتحمل بدورها ذكريات طفولية وتحكي عن تطور المنزل عبر الزمن.
«وزورق بالحنين سارَ أم هذه فرحة العذارى؟ آهٍ على سرك الرهيبِ وموجك التائه الغريبِ... يا نيلُ يا ساحر الغيوبِ»، انتقى صاحب المعرض هذه الأبيات من أنشودة «النهر الخالد» للشاعر محمود حسن إسماعيل، لكي يعبر بها عن المسار الثاني في أعماله؛ حيث قوارب الصيادين البسيطة، الساعين على الرزق في نهر النيل، فهم يلقون شباكهم وينصبون فخاخهم يومياً في انتظار ما يلقيه القدر لهم من رزق حلال، وهو المسار الذي اختاروه لأنفسهم وهم في تمام الرضا والتوكل على ربهم.
ولن يُجهد المشاهد في أن يكتشف الارتباط القوي بين الفنان ونهر النيل، فهو يعبر عن أمواجه بلونها الفضي الساحر، أو عن أشعة الشمس المنعكسة فوق مياهه كحبات اللؤلؤ المتناثرة.
في المسار الثالث بالمعرض؛ يمكن أن نلاحظ فكرة اجتماعية فلسفية، فرغم أنها لا تعبر عن البشر فإنها تحمل رمزية عنهم. اختار الفنان في هذا المسار أن يعبر عن قطعان الماعز والخراف، معبراً بهم عن ثقافة سلوك القطيع، أي اتباع سلوك الجماعة دون التفكير في منطقية هذا السلوك.
يقول البدوي: «قطعان الخراف والماعز تشبه بشكل كبير القطاع العام من البشر الذي يسير باتجاه واحد، متبعاً سياسة القطيع؛ لكن القليل هو من يأخذ موقفاً ومساراً ودرباً مختلفاً، ويأبى إلا أن يكون مميزاً». تنتمي أعمال المعرض إلى المدرسة الواقعية المعاصرة، التي اختارها الفنان منهاجاً له منذ دراسته الأكاديمية، يقول: «عكفت على التطوير في المدرسة الواقعية التقليدية طوال الفترة الماضية؛ حيث أحاول أن أقدم رؤى مختلفة، وأن أضيف لها بعيداً عن الواقعية المجردة، فلا أقدم فقط الصورة الحقيقية المطابقة للأصل، حتى لا يكون العمل تقليدياً».
تعد الألوان من أبرز العناصر التي يعتمد عليها الفنان، مقدماً أكثر من باليتة لونية، معللاً ذلك: «أخطط للوحة لونياً، وأفكر في الباليتة اللونية لكل لوحة على حسب الموضوع، وذلك لتقديم رؤية مختلفة للمشاهد، وبُعداً عن الروتينية».
في المسار الأول، يمكن أن نرى الأصفر مع البنفسجي، والبرتقالي مع الأزرق، وهو ما نتج عنه حالات لونية تخلق حالة من الحنين، وتعكس دفء البيوت المصرية، وتوصل أحاسيس المرأة في عدة مواضع. وفي المسار الثاني تم اللعب بالألوان بين القوارب لتظهر بحالات لونية مختلفة، لتدل على شخصيات الصيادين.
الإضاءة أيضاً أحد أبطال اللوحات، يتحدث عنها البدوي: «منذ سنوات دراستي ثم تخرجي وأنا مهتم بعنصر الإضاءة، وتأثرت بفنانيها الكبار، وفي لوحاتي الضوء عنصر أساسي، فقد ينفذ من الأبواب والنوافذ، حتى يجذب عين المشاهد، أو يخلق حالة من الغموض، وقد يتركز على بؤرة ما، مثل حالات المرأة وغسيل الملابس، أو على أشعار الأغنام والماعز».
فد بهمك ايضا:
مطالب لبنانية إلى إعلان حال الطوارئ لمواجهة تفشي فيروس "كورونا"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر