بلغة نقدية صريحة، يحصر العدد الجديد من مجلّة "المناهل" مجموعة من معرقلات البحث التاريخي بالمغرب، منتقدة الدينامية البحثية "الظّاهرية"، وضعف تقدير المجهودات المبذولة في الحقل البحثي الأكاديمي بالبلاد، معبّرة عن "قلق" يدفع إلى التساؤل حول "التوجّهات البحثية المستقبلية"، ممّا دعا إلى تخصيص هذا العدد التّاسع والتّسعين لتعميق البحث في "حصيلة الدّراسات التاريخية بالمغرب". معرقلات البحث التاريخي بالمغربتنبّه افتتاحية مجلّة "المناهل" إلى ما يخفيه تمخّض "دينامية بحثية ظاهرية" نتيجةَ تزايد عدد الجامعات
المغربية والتغيّرات المستمرّة في السياسات المتبعة في مخطّطات البحث العلمي وتكوينات الدكتوراه، رغم ما يظهَر من "ارتفاع غير مسبوق في أعداد الأطروحات الجامعية التي نوقشت، خاصة في العقود الأخيرة"، و"انتعاش نسبي عرفه مجال النشر مقارنة بمراحل سابقة". وتسجّل الافتتاحية التي أعدّها أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط خالد بن الصغير، والباحث المتخصّص في التاريخ خالد طحطح، ما رافق هذه "الدينامية الظاهرية" من "تفاوت ملموس على مستوى الحقب والمواضيع والقضايا المدروسة، وتسارع في
إيقاع مناقشات الرسائل والأطروحات الجامعية وأعدادها "دون توفّر غالبيتها على المواصفات العلمية المطلوبة".ويذكر المصدر فضلا عن ذلك "أطروحات في التاريخ لا يعتمد أصحابها في بناء فصولها ومعطياتها الأساسية إلا على استعراض ما جاء في دراسات سابقة، دون تحمّلهم، على غرار من سبقوهم، عناء استغلال أيّ وثائق تاريخية، لا مغربية ولا أجنبية"، ومع ذلك "سرعان ما تجد طريقها إلى النّشر دون مراعاة مضامينها لشروط الجودة العلمية والمصداقية، إلا بنسب ضئيلة".وتضيف الافتتاحية قائلة: "أمام غياب جهود المتابعات النقدية
لما يصدر من منشورات وكتب ومقالات في حقل التّاريخ، اختلط الغثّ بالسّمين، وغدت مسألة التمييز بين الجيّدِ والرّديء من الأعمال محيّرة للباحث، فضلا عن القارئ العادي". وحذرت من جانب خطير آخر، هو "عدم تعبير بعض الباحثين عن تقديرهم للمجهود المبذول من زملائهم، وتقليلهم من قيمة أعمال لم يكلّفوا أنفسهم عناء الاطّلاع عليها، ولم يتفاعلوا معها بالنّقد والملاحظة والتّوجيه والتّعقيب والتّوضيح"، وهو ما ترى المجلة أنّه "يعرقل بكلّ تأكيد تطوّر البحث التاريخي، ويقلّل من درجات تشجيع الطلبة والدارسين على الاهتمام به".
وتصفت الافتتاحية هذه الوضعية بكونها "لا تخلو من القلق"، و"تدعو إلى التساؤل بشأن التوجّهات البحثية المستقبلية أمام استمرارية هشاشة بنيات التأطير، وافتقار أغلب الجامعات لهياكل بحثية فاعلة وذات مستويات رفيعة"، أمام ما صارت إليه مؤسساتها من تكريس معظم جهودها، فيما يبدو، للتّدريس، دون اهتمام، إلا لماما، بالبحث العلمي الذي صارت مواضيعه وقضاياه المدروسة غارقة في طابعها الجهويّ الضيّق، بدعوى انفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعيّ"، في زمن "صارت فيه مظاهر العولمة ومحاولات الفهم والمقاربات البحثية والعلمية تنزع في اتّجاه ما هو شموليّ ومشترك بين الهوامش والمراكز، وبين المحلي والوطني، لتنتهي إلى ما هو عالَميّ".
وتضع افتتاحية مجلّة "المناهل" هذا العدد الجديد في إطار ضرورة الاهتمام بإخضاع هذه التجربة البحثية الحديثة في تاريخ المغرب لـ"النّقد الصّريح والمراجعَة البنّاءة"، وهو ما دفع إلى "إنجاز تقارير تقويمية بالغة الأهمية عن حصيلة البحث التاريخي بالمغرب على مستوى المواضيع والمضامين والخصائص"، قصد "تقييم صيرورة البحث ومساراته، والوقوف عند المنجزات ووضع اليد على مكامن الضّعف والثّغرات".
هموم تاريخية وفّرت مجلة "المناهل" التي يرعاها قطاع الثقافة في وزارة الثقافة والشّباب والرياضة عددها التاسع والتّسعين رقميا قبل إصداره ورقيّا، قصدَ تيسير قراءته لساكني المناطق النائية بالمغرب الذين لا تصلهم شبكات التوزيع، وللقراء باللغة العربية خارج المغرب، خاصّة في ظلّ ظرف الطّوارئ الصحية المفروضة للحدّ من آثار جائحة "كورونا".وتخصّص المجلة في عددها الجديد ملفّا خاصّا عن حصيلة الدّراسات التاريخية المغربية، بعدما عادت إلى المشهد الثقافي المغربي والعربي في عهد وزير الثقافة الأسبق محمد الأعرج، هي ومجموعة من المجلّات من بينها مجلة "الثقافة المغربية".
ويتضمّن هذا العدد سبعة عشر مقالا في ملفّ معنون بـ"إطلالة على حصيلة الدّراسات التاريخية المغربية"، نسّقه الباحثان خالد بن الصغير وخالد طحطح، حول واقع البحث الأركيولوجي في المغرب والمأمول منه، والكتابة التاريخية المغربية حول البيئة، وعوائق كتابة التاريخ العامّ، وتاريخ علاقات المغرب مع الدول الخارجية.كما يرصد هذا الملفّ حصيلة الدراسات الإفريقية بالمغرب، والإنتاجات التاريخية حول الغرب الصّحراويّ، وتاريخ النهضة اليابانية بعيون مغربية، وحصيلة البحث في التاريخ الديني للمغرب، وحصيلة المنجز في تاريخ الأقلية اليهودية المغربية، وحصيلة الدّراسات الأندلسية، وحصيلة دراسات الموريسكيّين بالمغرب، وعن الكتابة بمنهجية تاريخ العقليات في المغرب.
وتحضر في الملفّ مقالات بحثية تقارب مسار تفاعل الصّحافة والتاريخ في المغرب، والرواية وتخييل التاريخ، ومذكرات الزمن الرّاهن، وكتابة تاريخ النّساء بالمغرب المعاصر والرّاهن، ونقد مسالك البحث في تاريخ المغرب.ولا يقتصر العدد الجديد من مجلة "المناهل" على ملفّ حصيلة الدراسات التاريخية المغربية، بل تحضر فيه ترجمة حول "مفهوم التاريخ بين الانقطاع والاتصال" أعدّها عز الدين الخطابي، ومقالات متنوّعة حول قضايا تاريخية للمغرب، وبعض المعاني في الثقافة العربية الإسلامية، وقراءات في كتاب لعبد الإله بلقزيز أعدّها نبيل فازيو، وقراءة في أطروحة لزاهية خلافي أعدّها هشام البقالي.
قد يهمك ايضا
جامعة حلوان المصرية ضمن أفضل 500 جامعة عالمية بمجال الفيزياء
وزارة التربية المغربية تعلن اتخاذ إجراءات استثنائية للوقاية من "كورونا"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر