مراكش_ثورية ايشرم
لا يمكن أن تكون المدينة الحمراء مختلفة عن المدن المغربية في كل شيء دون أن يكون الاختلاف أيضا في الطقوس والعادات والتقاليد التي يمارسها سكانها استعدادا لاستقبال شهر رمضان ، والتي في أشياء وتتشابه في أشياء أخرى ، فأجواء رمضان في مراكش تشهد ذلك المزيج والتنوع الذي يجعلها مغايرة لباقي المدن وقد يكون ذلك راجعا لعدة عوامل أبرزها هو التحول الكبير الذي عرفته المدينة الحمراء في السنوات الأخيرة، لتصبح قبلة السياحة العالمية بامتياز إذ يحل فيها الزوار من كل الجنسيات ومن مختلف البلدان والديانات والأعراق إما للسياحة أو للاستقرار النهائي ، خاصة وان المدينة تفتح تلك الأبواب في وجه العموم وتستقبل كل من عشقها وعشق جمالها.
وبمجرد أن تطأ قدمك إحدى المدن المغربية تجد ذلك الصمت والسكون الكبير لا سيما في الفترات الصباحية ، حيث تجد المقاهي والمطاعم ومعظم المحلات التجارية والمرافق الترفيهية مقفلة والحركة شبه ميتة فيها ، وهذا يحدث عكسه في مراكش التي وصفت بالمدينة التي لا تهدأ ولا تنام ، لا سيما في السنوات الأخيرة حيث أصبح شهر رمضان يتزامن مع موسم الصيف الذي يعد من المواسم الأكثر حركة في العالم كله وهو الموسم الذي ينشط فيه المجال السياحي في المدن لا سيما مراكش التي تشهد ذلك الإقبال الكبير من طرف السياح الأجانب رغم ارتفاع درجة الحرارة في المدينة إلا أن ذلك لا يؤثر على القطاع السياحي بل يساهم بشكل كبير في إنعاشه ، مما يدفع العاملين وكافة الساهرين على هذا القطاع العمل طيلة الأربعة والعشرين ساعة في اليوم وحتى في شهر الصيام أيضا ، وهذا ما يجعل المدينة دائمة الحركة في كل شيء في أسواقها ومتاجرها ومحلاتها وحركة المرور التي تنطلق ابتداء من الساعة السادسة صباحا ولا تهدأ إلا بعد آذان المغرب لتنطلق من جديد بعد ذلك .
وبعيدا عن أجواء العمل والسياحة والحركة التي تشهدها المدينة في شهر الصيام ، لا يمكن أن يمر هذا الشهر الفضيل دون أن يمارس المراكشيون تلك الطقوس والعادات والتقاليد القديمة التي ربما تكون قد قلت أو اختفت بشكل نهائي في عدد من المدن المغربية ، والتي ما نزال نلمسها ونلاحظها مستمرة في مراكش ، حيث تجد تلك العلاقات الاجتماعية التي تجمع الأسر والعائلات والجيران والأصدقاء ما تزال قائمة في كل بيت مراكشي ، والتي تظهر وبلا منازع أكثر من المدن المغربية الأخرى التي باتت تفتقر لهذه العلاقات كالدار البيضاء والرباط ، وهي من الأمور التي يعتبرها سكان مدينة مراكش بالتوابل الخاصة التي تعطي نكهة مميزة ولا مثيل لها لهذا الشهر حيث تجد النساء يجتمعن قبل شهر رمضان في منزل واحد والقيام بمجموعة من الإعدادات الخاصة بهذا الشهر ، كإعداد أطباق الحلويات الخاصة برمضان والتي تتقدمها " الحلوى الشباكية " ثم أطباق " السفوف " أو كما يطلق عليه المغاربة " سلو " الذي يعتبر أيضا من الأمور المهمة على مائدة الإفطار المغربية .
ورغم مرور الزمن وتغير أحوال الناس والعيش الحياة السريعة والعصرية بشكل أكثر ، إلا أن العادات والطقوس القديمة ما تزال راسخة في قلوب وأذهان المراكشيون سواء كانوا كبارا في السن أو شبابا أو صغارا دون استثناء، إذ يتميز شهر رمضان في مدينة البهجة كما يطلق عليها المغاربة بسحره وعبقه الخاص، تجد الجميع بتلك البسمة التي ترتسم على محياهم بحلول شهر رمضان والفرحة الكبيرة تغمرهم بقيامهم بتلك الاستعدادات رجالا ونساء ، بتوفير الحاجيات التي تميزه التي تتميز باللمسة التقليدية ففضلا عن " الحلوى الشباكية " وأطباق " سلو " لا يمكن أن تنحصر مائدة الإفطار على هذه المواد فقط بل شهر رمضان في مدينة مراكش يحتاج إلى أكثر من ذلك ، فالطقوس تنطلق بأسبوع قبل حلوله ، إذ تجد الأسواق مزدحمة بالمنتجات والمعروضات المتنوعة والمختلفة والتي تعرض أمام لاختيار ما يرغبون فيه ، فكافة الأسواق تعيش ازدحاما وحركة اقتصادية منعشة وغير عادية ومختلفة تماما عن باقي شهور العام ، إضافة إلى حركة النساء التي لا تتوقف ولا تنتهي إلا بعد حلول الليل من تنظيف وترتيب وغسل لكافة أرجاء المنزل ومساحاته استعدادا لاستقبال الشهر الكريم وأجوائه الروحانية والدينية الخاصة التي تمنح الأفراد تلك الراحة والطمأنينة النفسية التي لا مثيل لها أبدا .
كما أن الأجواء والطقوس تتعدد وتتنوع إلا أن القاسم المشترك بينها وبين سكان المدينة الحمراء أيضا هو إعداد مائدة الإفطار الخاصة بشهر رمضان والتي تحتوي على كل ما لذ وطاب من المأكولات المغربية التي تتقدمها الشوربة المغربية الأكثر شهرة وهي " الحريرة الحامضة " التي بدت بعض الأسرة تستغني عنها في السنوات الأخيرة نظرا لكون رمضان يتزامن مع حلول فصل الصيف وهي تعد من الشوربات الساخنة التي يقبل عليها الأفراد في موسم الشتاء ، إلا من لا غنى له عنها فهو لا يمكن أن تكتمل مائدة إفطاره إلا بها ، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الأمور الأخرى التي تعتبر الفطائر والقطايف التي تسمى في اللهجة المغربية " بـ المسمن " و " البغرير " ، إضافة إلى طبق " المخرقة " وهو هي عبارة عن حلوى تقليدية تعتبر من أكثر الحلويات التي تكون على مائدة الإفطار والسحور كذلك ، فضلا عن مجموعة من الأكلات الأخرى التي يعتبر البيض المسلوق وصحون التمر أهمها هذا بالإضافة إلى تشكيلة من المقبلات وطواجن السمك وغيرها من الأكلات المميزة والعصائر المتنوعة والمشروبات المختلفة التي يعتبر الشاي أهمها وأولها والمشروب الذي لا يمكن أن تدخل بيتا مغربيا دون أن تجده على طاولة الإفطار إذ يعد من الأساسيات والمشروبات الرئيسية أيضا في رمضان .
ولا يخلو شهر رمضان من ممارسة مجموعة من الأنشطة المميزة والمتنوعة والتي لا يمكن أن تجدها بطقسها الخاص والمميزة عن المدن الأخرى إلا في مراكش ، والتي تنطلق بعد تناول وجبة الإفطار بالخروج إلى المساجد وأداء صلاة التراويح ككل المسلمين ، ثم التوجه ليس للمنزل وإنما للقيام بزيارة الأهل والأحباب والأصدقاء ومشاركتهم أروع اللحظات إما في منازلهم لمباركة شهر رمضان في أجواء تقليدية تنطلق من اللباس المغربية الذي وهو الجلباب المغربي الذي يعتبر قاسما مشتركا بين النساء والرجال والأطفال في هذا الشهر ، بتقديم مجموعة من الصحون الممتلئة بمختلف الحلويات والأكلات المغربية التقليدية ، أو التوجه إلى الحدائق العمومية التي تنتشر في المدينة والتي لن تجد فيها مكانا شاغرا بعد أداء صلاة التراويح حيث تتحول إلى ملاذ يقصده الزوار للجلوس والاستمتاع بأروع وأجمل الأوقات وتناول الأطباق المختلفة التي يعد طبق الطنجية أولها وأشهرها في المدينة الحمراء ، والاستمتاع بأجواء رمضان رفقة أناس تلتقيهم فقط أثناء تواجدك خارج المنزل وتتبادل معهم مختلف التهاني والتبريكات بحلول شهر رمضان الذي خلق الحركة في كافة دروب وأزقة وشوارع المدينة الحمراء ،والتي تتحول إلى أماكن لا تهدأ حركتها إلا بعد انتهاء رمضان .
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر