باحث يناقش دينامية التنظيمات الجمعوية ورهانات التنمية البشرية في المغرب
آخر تحديث GMT 22:37:14
المغرب اليوم -
وقوع زلزال شدته 5.1 درجة على مقياس ريختر قبالة ساحل محافظة أومورى شمال اليابان حزب الله يُعلن تنفيذ هجومًا جويّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة على قاعدة شراغا شمال مدينة عكا المُحتلّة استشهاد 40 شخصاً جراء مجزرة اتكبتها ميليشيات الدعم السريع بقرية بوسط السودان المرصد السوري لحقوق الإنسان يُعلن استشهاد 4 من فصائل موالية لإيران في غارة إسرائيلية على مدينة تدمر وزارة الصحة في غزة تعلن ارتفاعاً جديداً لحصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023 إغلاق سفارات الولايات المتحدة وإيطاليا واليونان في أوكرانيا خوفاً من غارة روسية منظمة الصحة العالمية تُؤكد أن 13 % من جميع المستشفيات في لبنان توقفت عملياتها أو تقلصت خدماتهاالطبية في القطاع الصحة في غزة تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي أعدم أكثر من 1000 عامل من الكوادر الطبية في القطاع عطل فنى يُؤخر رحلات شركة الخطوط الجوية البريطانية في أنحاء أوروبا وزارة الصحة اللبنانية تُعلن سقوط 3544 شهيداً و 15036 مصاباً منذ بداية العدوان الإسرائيلي على البلاد
أخر الأخبار

باحث يناقش دينامية التنظيمات الجمعوية ورهانات التنمية البشرية في المغرب

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - باحث يناقش دينامية التنظيمات الجمعوية ورهانات التنمية البشرية في المغرب

الرباط - المغرب اليوم

قال الباحث محمد الزعري إن “المغرب عرف، في العقدين الأخيرين، دينامية تنموية ملموسة على الصعيدين الوطني والجهوي؛ الأمر الذي مكن من تحقيق أثر متعدد الأبعاد”، مشيرا إلى أن “المغرب يعد مثالا على إمكانية حصول تغيير، على الرغم من التحديات الكبرى الذي شهدها العالم، سواء على المستوى الديمغرافي، السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي وحتى البيئي”.
وأضاف الزعزي، في مقال له تحت عنوان “التنظيمات الجمعوية ورهانات التنمية البشرية”، في سياق أطروحة للدكتوراه تحت إشراف الدكتورين مصطفى حدية وحميد بودار، أن “المغرب إذا كان يزخر بإمكانيات اقتصادية مهمة وجد محفزة ومشجعة على بلوغ تنمية متميزة، فإن بعض الإكراهات الكبرى ما زالت تواجهه؛ كالبطالة، والفقر، والتفاوت المجالي والإقصاء الاجتماعي”، مشددا على أنه “يبقى على المغرب العمل بجدية أكبر من أجل الحد من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية”.
وتطرق محمد الزعري إلى مجموعة من الجوانب المرتبطة بالتنمية البشرية بالمغرب، خاصة على مستوى واقعها ومؤشراتها بالمجالين الحضري والقروي، خاتما مقاله بطرف مجموعة من التساؤلات حول “مدى احترافية ومهنية الفاعلين التنمويين، وبالتحديد الفاعل الجمعوي بالمغرب”.
وهذا نص المقال:
لقد عرفت بلادنا، في العقدين الأخيرين، دينامية تنموية ملموسة على الصعيدين الوطني والجهوي؛ الأمر الذي مكننا من تحقيق أثر متعدد الأبعاد. إن بلادنا يعد مثالا على إمكانية حصول تغيير على الرغم من التحديات الكبرى الذي شهدها العالم، سواء على المستوى الديمغرافي، السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي وحتى البيئي.

وعلى الرغم من ذلك، تتسم الوضعية الراهنة بالتواضع، وبنظام تخطيط جد محدود ومركزي للغاية، وبضعف صياغة المشاريع التنموية وصعوبة إنجازها وعدم تحقيق أثر منها.

إن السياق العام للمغرب يتسم بكونه سياقا يعرف تحولا ديمغرافيا وما يفرضه ذلك من متطلبات وحاجيات اقتصادية واجتماعية. إن المرحلة فرضت على الدولة من خلال سياساتها العمومية التخطيط بشكل جيد وضمان ادماج اجتماعي، الأمر الذي طرح بقوة مسألة إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي والسياسات العمومية الحالية المرتبطة بالتنمية البشرية، الاقتصادية والاجتماعية. فبالنسبة للإكراه الديمغرافي وصلت بلدنا العتبة الأخيرة:

“يوجد بلدنا اليوم على عتبة المرحلة الأخيرة من النقلة الديمغرافية، ويشهد منعطفا في منحنى الاعتماد،؛مما يعني أن عدد الأشخاص الذين بلغوا سن العمل قد تجاوز عدد الأشخاص الذين يصغرونهم سنا أو يكبرونهم. ويشكل هذا الوضع فرصة ديمغرافية إيجابية، بل الفرصة المواتية التي يجب استغلالها؛ ذلك أن هذه الفرصة بمثابة إيراد ديمغرافي إيجابي من المفروض، إذا صحت فرضيات الديمغرافيين، أن يصبح متجاوزا في حوالي سنة 2038. من بين التحديات التي تطرحها هذه الفرصة الإيجابية الديمغرافية، هناك خطر ألا تكون السياسات العمومية في مستوى الاستجابة للانتظارات الاجتماعية للأجيال الصاعدة، إذ من اللازم أن توفر هذه السياسات لهاته الأجيال عرضا تربويا ذا جودة، وفرص شغل كافية من حيث العدد، وظروف عيش تمكن من التفتح والازدهار” (تقرير التنمية البشرية 2017، التفاوتات السوسيوـمجالية والتنمية البشرية، مساهمة في الحوار حول النموذج التنموي بالمغرب، خلاصة تركيبية-1، ص: 5).

هذه الساكنة أصبحت ساكنة بتطلعات جديدة، بنظرة أخرى للحياة وبحاجيات متزايدة؛ وذلك بالنظر إلى درجة انفتاحها ونسجها علاقات خارج إطار العائلة والدوار والحي والدولة، والذي سمحت به وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الولوج إلى الأنترنيت وكذا إلى مختلف القنوات الفضائية العالمية.

إذا كان المغرب يشكل استثناء لما أنجزه من إصلاحات هيكلية مهمة، وإذا كان المغرب يزخر بإمكانيات اقتصادية مهمة وجد محفزة ومشجعة على بلوغ تنمية متميزة، فإن بعض الإكراهات الكبرى ما زالت تواجهنا؛ كالبطالة، الفقر، التفاوت المجالي والإقصاء الاجتماعي. وعليه، يبقى على المغرب العمل بجدية أكبر من أجل الحد من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، وذلك حسب تقرير التنمية البشرية:

“ولكن هذا لا يلغي أن المغرب يشكل استثناء في منطقة تشهد في السنوات الأخيرة اضطرابات اجتماعية ونموا هزيلا؛ فقد دشن البلد سلسلة من الإصلاحات الهيكلية والتشريعية والسياسية والاجتماعية المهمة، حيث جعل من مسألة النهوض بحقوق الإنسان أمرا أولويا، ووضع مسألة المساواة في قلب السياسة الوطنية. كما بات مسلسل تعزيز دولة الحق والقانون والديمقراطية التشاركية واحترام الحقوق الأساسية للنساء ومبدأ المساواة من الأمور التي لا رجعة فيها والتي يؤكدها القانون السامي للبلاد. وبالفعل، فقد جرى تبني دستور جديد سنة 2011، وتبعه إطلاق أوراش إصلاح تستجيب للمطالب الاجتماعية وتؤكد مبدأ مساءلة السلطات العمومية” (تقرير التنمية البشرية 2017، التفاوتات السوسيوـمجالية والتنمية البشرية، مساهمة في الحوار حول النموذج التنموي بالمغرب، خلاصة تركيبية-2، ص: 5).

إن الغاية لا تنحصر في إيجاد حلول لكل هذه المعيقات التنموية؛ ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى ضرورة الوعي بمشاكلنا البنيوية واختيار أنجع السبل التي قد تمكننا من تحقيق آثار اجتماعية ملموسة؛ وذلك بالنظر إلى ما للموضوع، في حالة عدم الاهتمام بها، من تأثيرات على السلوكات الاجتماعية والتي لا يمكن التنبؤ بطبيعتها، بمظاهرها، بدرجتها وحتى مداها من جهة، أو إلى ما قد يؤدي إلى شروخات مجالية عميقة ومزمنة لدى ساكنة كل جهات المملكة من جهة ثانية.

كما كشفت مجموعة من الدراسات والتقارير حول التنمية بالمغرب المنجزة خلال العقدين الأخيرين عن بعض المؤشرات غير المرضية ومدى الركود التنموي الذي تعرفه بالتحديد بعض مناطق المغرب، والتي تجعله يحتل رتبا أخيرة في سلم الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة. ويرجع ذلك بالأساس إلى إقصاء الساكنة المعنية في مراحل تحديد الحاجيات والمشاكل التنموية والاجتماعية.

كل هذا فرض على المغرب وضع سياسات عمومية تهم التنمية البشرية بكل أبعادها وأخذ بعين الاعتبار كل الأخطار المحتملة، التحديات والتحولات المجتمعية، مما يطرح أمام بلادنا تحديا كبيرا، يتمثل في الاستهداف الاجتماعي والمجالي، لما له من صلة وطيدة مع تحقيق التوزيع العادل للثروة وتكافؤ الفرص.

وإذا ما أردنا تأمل واقع التنمية البشرية بالمغرب لا بد من الرجوع إلى مؤشراتها، وخاصة مؤشر التنمية البشرية الوطني الذي وضعه المرصد الوطني للتنمية البشرية. هذا المؤشر يضم كل من التعليم والصحة ومستوى المعيشة من جهة، و”الرفاه الذاتي” وإطار العيش ثم التماسك الاجتماعي والأمن البشري من جهة ثانية. وهذا ما عبر عنه تقرير التنمية البشرية لسنة 2017. كما لا بد من ملاحظة أن مستوى نمو المؤشرات التي تتدخل في تكوين مؤشر التنمية البشرية الوطني مستوى يعرف بعض التشتت وأن السياسات العمومية ذات الصلة ستستفيد إن هي انسجمت فيما بينها من أجل ضمان اندماجها والتقائيتها. (تقرير التنمية البشرية 2017، التفاوتات السوسيوـمجالية والتنمية البشرية، مساهمة في الحوار حول النموذج التنموي بالمغرب، خلاصة تركيبية3، صص: 8ـ 9).

وفي مجال التنمية البشرية، يسجل المغرب تأخرا يقدر بـ53 سنة عن فرنسا، وبـ48 سنة عن إسبانيا؛ ولكنه متقدم عن إفريقيا جنوب الصحراء بزهاء 25 سنة. أما من حيث تأخر المغرب عن باقي البلدان، فإنه قد بلغ اليوم مستوى مؤشر التنمية الذي كان يسجله العالم بداية الألفية الثالثة، أو المؤشر الذي كانت تسجله، في بداية أربعينيات القرن الماضي، النرويج، وهي البلد الذي بات يحتل اليوم المرتبة الأولى في ترتيب الدول حسب مؤشر التنمية البشرية. وفي هذا الصدد، فإن المغرب يتقدم قليلا على الدول ذات مستوى متوسط من التنمية البشرية، ويتقدم بكثير عن دول إفريقيا جنوب الصحراء (بحوالي 25 سنة).

وفي هذا السياق، سجل المغرب مؤشر 0.647 كمؤشر للتنمية البشرية؛ وهو يقل بكثير عن المتوسط العالمي، ويفوق بقليل عن متوسط البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة، الأمر الذي يجعل بلدنا يشهد تباطؤا يعرقل التحاقه بركب الدول المتقدمة، ويدفعنا إلى مساءلة فعالية السياسات العمومية ووقعها، وعلى الخصوص مؤشرات الصحة والتعليم والمعيشة (تقرير التنمية البشرية 2017، التفاوتات السوسيوـمجالية والتنمية البشرية، مساهمة في الحوار حول النموذج التنموي بالمغرب، خلاصة تركيبية، ص: 7).

يعتمد هذا التقرير تحليلا للتنمية البشرية بتبنيه زوايا متعددة الأبعاد؛ فمؤشر التنمية البشرية أداة قياس في تطور مستمر، غير أنه لن يستطيع أبدا أن يقيس مفهوم التنمية البشرية في أبعاده المتعددة قياسا أمثل. يجب إذن اعتباره كما هو، أي اعتباره أداة دينامية للقياس تتزايد دقتها تدريجيا، وليس بصفته مؤشرا ثابتا. وهكذا، فإن الهشاشة البشرية كانت تستعمل تقليديا لوصف مدى التعرض للمخاطر الطبيعية ولتدبير هذه المخاطر. ثم بات مفهوم التنمية البشرية أوسع وأصبح يشمل تراجع قدرات الأشخاص واختياراتهم. وعند تناول الهشاشة البشرية من زاوية التنمية البشرية، وليس من حيث خطر الوقوع ثانية في الفقر فقط. (تقرير التنمية البشرية 2017، التفاوتات السوسيوـمجالية والتنمية البشرية، مساهمة في الحوار حول النموذج التنموي بالمغرب، خلاصة تركيبية، ص: 7).

وفيما يخص القدرة البشرية والاقتصادية والاجتماعية على الصمود، فإن مظاهر التقدم الحقيقية لا تنحصر في منح الأشخاص حرية الاختيار وإمكانية التعلم والعلاج والتوفر على مستوى من العيش الكريم والإحساس بالأمن فحسب؛ بل إن الأمر يهم أيضا التأكد من أن هذه الإنجازات ذات طابع دائم، وأن الظروف المتوفرة كافية لدعم التنمية البشرية. ومن ثمة، بات من الضروري فهم القدرة على الصمود بمعناها الأوسع من أجل وضع السياسات والتدابير التي من شأنها الحفاظ على التقدم الذي يتحقق. وأخيرا، فإن تزايد التفاوتات، وخاصة بين المجموعات والمجالات الترابية، قد يؤثر بدوره على الاستقرار الاجتماعي، وقد يقوض على المدى الطويل مظاهر التقدم المكتسب للتنمية البشرية. ومن بين الأمور التي ينجم عنها هذا التزايد هناك نقص الحركية الاجتماعية ما بين الأجيال الناجم بدوره عن توزيع غير متساو للاستثمار في الرأسمال البشري. (تقرير التنمية البشرية 2017، التفاوتات السوسيوـمجالية والتنمية البشرية، مساهمة في الحوار حول النموذج التنموي بالمغرب، خلاصة6).

وعلى مستوى التفاوتات الجهوية ببلادنا، فنسجل، وحسب مؤشر التنمية البشرية الوطني، بأن جهة الدار البيضاء –سطات وجهة الرباط-القنيطرة هما اللتان تشهدان معدلات أكثر، في حين جهات درعة تافيلالت ومراكش أسفي وبني ملال خنيفرة بمعدلات أقل، ثم باقي الجهات. كما نسجل تباينا في مؤشرات التنمية البشرية في المجال الحضري والقروي. مع العلم أن كل الجهات استفادت من نمو التنمية البشرية ما بين 2015-2000. ولكن تبقى الخلاصة الأهم هي أن التنمية البشرية في المجالات الأقل تنمية أسرع بقليل منها في المجالات الأكثر تطورا؛ فحسب مؤشر التنمية البشرية الوطني، فينقصنا 65 سنة لنتمكن من تقليص هذه التفاوتات الجهوية، لتظهر لنا مدى أهمية متطلبات التنمية البشرية والمجالية في السياسات العمومية.

وللمزيد من الإيضاح، فقد أكد التقرير فيما يخص التفاوتات الاجتماعية:

فإن المناطق الحضرية التي تسجل مؤشر تنمية بشرية يبلغ0.714، كانت تسجل سنة 2015 مستوى تنمية البلدان ذات التنمية البشرية العالية. وعلى العكس من ذلك، كان مستوى مؤشر التنمية البشرية في المناطق القروية مشابها لمستوى البلدان ذات التنمية البشرية الضعيفة.

وحسب الجنس، فإن الرجال يستفيدون من مؤشر التنمية البشرية المسجل في البلدان التي تستعد للالتحاق بمجموعة البلدان ذات مؤشر التنمية العالي، والنساء في وضعية تناهز مستوى البلدان التي التحقت منذ وقت قصير بمجموعة الدول ذات مؤشر متوسط التنمية بشرية. (تقرير التنمية البشرية 2017، التفاوتات السوسيوـمجالية والتنمية البشرية، مساهمة في الحوار حول النموذج التنموي بالمغرب، خلاصة تركيبية 7، ص: 11).

وبالتالي، فالسياسات التنموية مطالبة بالعمل جديا على تحسين هذه المؤشرات وفي إطار انتقائية متميزة وتنسيق فعال. إن الأمر أصبح مصيريا لتفادي كل مظاهر الحيف الاجتماعي وما يمكن أن تنتج عنه من آثار وخيمة وسلوكات وظواهر اجتماعية منحرفة.

كما يستدعي الوضع الحالي إعادة النظر في الياته وإجراءاته التنظيمية بشكل يترجم رؤية إستراتيجية شاملة تتمركز حول الانتقائية، الاستشراف والاستدامة.

وهكذا، اعتمدت سياسة الدولة وخاصة القطاعية، استنادا إلى التوجيهات الملكية السامية، الدي أكد الدور المحوري للتنمية.

هذه السياسات القطاعية اعتمدت رؤية منهجية جديدة هدفت إلى مشاركة الفاعل الجمعوي، الذي هو تنظيم محوري من تنظيمات المجتمع المدني، مشاركة فعالة مؤسسة على مرجعيات تنموية ومقاربات علمية وآليات ملائمة في أفق تحقيق تنمية مجالية وأثر ملموس، فكان من الضروري تآزر مجهودات السلطات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني من خلال شراكات وتعاون مبني على الثقة وسياسة رابح رابح.

وهذا ما جاءت به خلاصات الحوار الوطني حول دور المجتمع المدني الذي قادته الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني المنبثقة عن انتخابات 25 نونبر 2011. وعليه، أصبحت للفاعل الجمعوي مكانة ودور مهم، فأصبح أكثر حضورا في الحوارات والنقاشات والاستشارات، خاصة بعد إطلاق الحوار الوطني حول دور المجتمع المدني بالمغرب.

وعليه، وحسب الباحثة فاطمة المرنيسي، فالوضع دفع إلى التسريع بتأسيس جمعيات وتحريك دينامية الجمعيات: فإن أجيال ما بعد التقويم الهيكلي وجدت نفسها مطالبة أكثر من غيرها بتحمل المسؤولية والمساهمة في تدبير الشأن العام، عبر تأسيس جمعيات غير حكومية، والأكثر من ذلك مطالبة بالخلق والإبداع وتنويع مجالات التدخل، من أجل تجاوز الأزمة المجتمعية العامة. وفي هذا السياق، ترى هذه الباحثة أن هذه الدينامية الجمعوية التي عرفها المغرب، منذ عقد التسعينيات، تعكس بداية وعي المواطن المغربي بحقيقة أن النقد لا ينبغي أن ينصب دائما على أداء الدولة لوحدها (برنامج التقويم الهيكلي)،  وأن المواطن أيضا يتحمل جزءا من المسؤولية فيما يحدث؛ لأنه أصبح اتكاليا ويراهن بشكل مطلق على الدولة، في الوقت الذي كان أسلافه ينتظمون ويبادرون في استقلال نسبي عن الدولة، لكن الدولة من جانبها قامت خلال سنوات الثمانينيات بخلق مجموعة من الجمعيات الجهوية، للقيام ظاهريا على الأقل بأنشطة ذات طبيعة ثقافية واجتماعية، تدخل في إطار مساعدة الإدارة في المجالات التي تعرف فيها خصاصا. (سوسيولوجيا العمل الجمعوي بالمغرب: ملاحظات أولية، فوزي بوخريص، أستاذ علم الاجتماع، عن جريدة الاتحاد الاشتراكي، الأربعاء 5 يونيو 2013).

هذا الوضع وبالنظر إلى السياق الدستوري، السياق السياسي والاقتصادي جعل الجميع يؤكد على قوة العمل الجمعوي كقوة اجتماعية مؤثرة ودافعة للتنمية المحلية ورأسمالا تنظيميا وبشريا بالمغرب وأداة من أدوات التنمية البشرية المحلية لبلدنا، بالنظر إلى الأدوار المتزايدة التي يطلع بها حاليا كرافعة للتنمية ببلادنا؛ مما جعل المجتمع المدني أمام تحديات وازنة عديدة، وينتظر منه أن يشكل دعامة لباقي المؤسسات ويساهم في حل إشكالات ومعضلات اجتماعية يقع حلها أساسا على عاتق الدولة. فالدولة والمجتمع المدني مطالبان بتذليل التوجسات المستقبلية التي قد ترهق الفعل الجمعوي ببلادنا أو قد تصنع منه فعلا جمعويا معطوبا.

ويمكن اعتبار سنة 2005 سنة فارقة، مع إعطاء الانطلاقة الرسمية لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. هذا الأخير أحدث تغييرا جوهريا في علاقة الدولة والقطاع العام مع الجمعيات. تعزز ذلك من خلال الدور الجديد الذي منحه دستور 2011 للفاعل المدني والذي أولى أهمية كبيرة للمجتمع المدني كشريك محوري في التنمية من خلال المشاركة في تنفيذ وتقييم السياسات العمومية. كما أشار بصريح العبارة إلى الدور الأساسي الذي يلعبه المجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية، وأكد على حقه في تقديم العرائض وملتمسات تشريعية والمساهمة في بلورة السياسات العمومية.

في هذا الإطار، برز النسيج الجمعوي بشكل واضح كأحد الفاعلين التنمويين، فأصبح تدخله واقعا لا يمكن تفاديه خاصة في المجالين التنموي والاجتماعي. وعليه، لا يمكن الحديث عن أية عملية تنموية التي هي من أهم مراحل نهضة كل مجتمع إلا بالإشراك والمشاركة الفعلية والفعالة لجمعيات المجتمع المدني على اعتبار أنها أبرز مكوناته وأهم روافده.

وفي هذا السياق، عرف النسيج الجمعوي المغربي تطورا ملموسا، كما وكيفا. تزامن ذلك مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية العميقة في المغرب.ويمكن تفسير ذلك من خلال مقاربة القرب التي ينتهجها هذا الفاعل الجمعوي، وعبر مقاربته التشاركية التي ترتكز على إشراك الساكنة في كل مراحل تدخلها، بدءا من استخراج الحاجيات وصياغة المشاريع وإنجازها وتقييمها.

وتلعب الجمعيات دورا مهما، سواء في مجال الترافع من أجل التغيير الديمقراطي أو في مجال عمليات التضامن وتقديم الخدمات لفائدة المناطق الأكثر عزلة في بلادنا. وقد تمكنت الجمعيات من ولوج مجالات جديدة من الحياة العمومية والتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، والانخراط المدني والتعليم والتضامن، فضلا عن اهتمامها بموضوعات ظلت إلى وقت قريب من باب الطابوهات التي لا ينبغي الاهتمام بها. (من بين القضايا التي كانت تعتبر طابوهات نذكر: الأمهات العازبات، السيدا، أطفال الشوارع… constitution_2011_Fr.pdf).

كما أن الدولة باتت تعترف بدور الجمعيات وتعتبرها شريكا أساسيا؛  ثم إن الجمعيات، شأنها في ذلك شأن الأحزاب السياسية والنقابات، تمت استشارتها خلال إعداد دستور 2011، علاوة على الإنصات إليها وتقديم مذكرات من طرف عدد منها.

وقد كرست العديد من فصول دستور 2011 دور الجمعيات وأهميتها في الحياة المجتمعية، ولا سيما الفصل 12، الذي يعترف بخبرتها ومشروعيتها في المشاركة في وضع وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية. فضلا عن ذلك، يعترف أيضا بدور الجمعيات عدد من الباحثين، ففي نظر عبد الله ساعف، فقد كان المجتمع المدني يقدم دائما “على القيام بمبادرات قصد تقديم المساعدة اللازمة إلى الساكنة المحتاجة، وهو اليوم يقوم بإنجاز مهام الخدمات العمومية”. (عبد الله ساعف، مسارات الحركة الجمعوية بالمغرب، تاريخ ودلالة، 2016)

وتعتبر الأطراف الموقعة على الميثاق المعتمد من طرف الجمعيات المشاركة في المناظرة الوطنية حول المجتمع المدني أن “القطاع الجمعوي يعد قوة ضرورية تلعب على المدى الطويل مهمة الاستباق والمساءلة. كما أنه رافعة للتعبير والتربية، وفاعل في التنمية والتماسك المجتمعي” (مشروع الميثاق بين الدولة والجمعيات والجماعات الترابية المصادق عليه خلال مناظرة حوار الرباط ببوزنيقة، دجنبر 2013). وأحيانا يلعب القطاع الجمعوي دور الحاضنة، حيث إن عددا من الفاعلين الجمعويين السابقين أصبحوا يشغلون مواقع المسؤولية في أجهزة الدولة أو في الأمم المتحدة. وأخيرا، فإن الجمعيات تساهم في ظهور النخبة السياسية، كما يشهد على ذلك العدد الكبير من أطر الأحزاب السياسية المنحدرة من الحركة الجمعوية.

وخارج المغرب، يعود اعتراف البلدان الأوروبية بأهمية دور الجمعيات إلى وقت طويل: “فقد تمكنت المنظمات غير الحكومية والجمعيات، التي برهنت على تضامن بدا ضروريا أكثر من أي وقت مضى للاستجابة للحاجيات الجديدة، من تطوير أنشطتها، وباتت محاورا أساسيا للسلطات العمومية. وهي في الوقت نفسه صاحبة مشاريع وفاعل اقتصادي وشريك للسلطات المحلية والجهوية، فضلا عن أن مشاركتها في وضع السياسات الاجتماعية أصبحت واقعا قائما في معظم الدول الأعضاء”. (13 L’Europe sociale. Brigitte Favarel-Dapas et Odile Quintin. Collection “Réflexe Europe”. La Documentation)

كما تحظى أهمية دور الجمعيات في العالم العربي باعتراف المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية والبنك الدولي، اللذين يعتبران “أن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية هي الهيئات الأولى القادرة على تحقيق الديمقراطية والتنمية في الدول”؛ وتذكر من بين خصوصياتها: “علاقاتها القوية بالمنظمات المحلية، وأساليب عملها التفاعلية، وأدواتها التشاركية، ومعرفتها الجيدة بالأوضاع المحلية، وقدرتها على الابتكار والتكيف، وقدرتها على تشجيع التوافق الشعبي وتعزيز التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص، وقدرتها على خلق فضاءات ديمقراطية والحفاظ عليها داخل الأنظمة الاستبدادية” (française, p. 131. In CESE français, 2008. Pour un statut de l’Association Européenne – LAURINE, Pierre, 2010.  Les associations de plaidoyer dans le processus de démocratisation en Egypte. Mémoire de master. Institut d’Etudes Politiques de Lyon.).

فعلى الرغم من هذه الأدوار التي يضطلع بها هذا التنظيم فإنه لا يزال يعاني من نقص ملموس على مستوى المواكبة العلمية والخاصة بتنزيل مشاريعه. إن الجمعيات اليوم تفتقر بالدرجة الأولى لفهم علمي وممنهج لبنيتها وكيفية اشتغالها وتناولها كتنظيم جمعوي يحتاج إلى الدراسة، فدراسة هذه التنظيمات اللاربحية بشكل عام من وجهة نظرنا أصبح ضرورة اجتماعية واقتصادية ملحة. وإن كانت دراسة التنظيم الجمعوي ليس بالأمر الهين في ظل النقص الكبير المسجل على مستويات عديدة؛ أولها على المستوى المفاهيمي والإحصائي لمحاصرة وفهم الظاهرة، فدراسة الظاهرة الجمعوية في المغرب لا يزال إلى يومنا هذا يعرف الاحتكار الرسمي للمعلومات المرتبطة بهذه الظاهرة، كما أشار إلى ذلك د. فوزي بوخريص في كتابه “مدخل إلى سوسيولوجيا الجمعيات”.

والواقع هذا الخصاص المسجل على مستوى دراسة الظاهرة الجمعوية لا يرتبط فقط بهواجس أمنية وبسيادة التمركز الشديد والاحتكار الرسمي للمعلومات المرتبطة بهذه الظاهرة، وإنما يتعلق كذلك بنقص في الوسائل والأطر المفاهيمية والمعطيات الإحصائية اللازمة لدراسة الجمعيات والتنظيمات التي لا تستهدف الربح عموما؛ الأمر الذي يستفز ويقود كل متدخل ببلادنا، بالنظر إلى كل إنجازات الدولة والسياسات التنموية العمومية، للوقوف وقفة تأمل عميقة بغية فهم كل التفاصيل المرتبطة بكل النتائج المسجلة على أرض الواقع والتساؤل حول إستراتيجيات السياسات العمومية والتنموية ودور جمعيات المجتمع المدني؟ حول نجاعة سياساتنا العمومية؟ وحول مدى ملاءمة مخططاتها ومشاريعها؟

كما يمكن التساؤل وبإلحاح حول مدى احترافية ومهنية فاعلينا التنمويين، وبالتحديد الفاعل الجمعوي، من خلال الأسئلة التالية: هل الجمعيات مؤهلة لذلك؟ هل لديها الموارد البشرية والتجربة الكافية؟ هل تشتغل بإطار قانوني مناسب وحديث؟ هل هي منظمة بما يكفي؟ هل لها نظام عمل مضبوط؟ هل لها موارد مالية قارة؟ هل لديها قدرة تكييف كافية؟ وما هو تأثيرها في دينامية التنمية وإحداث التغيير؟ ما هي قدرتها في خلق شراكات؟

وعليه، فكل هذه الأسئلة تبرر أهمية دراسة هذا التنظيم الجمعوي في المغرب من أجل فهم بنائها، نمط اشتغالها، إستراتيجيتها، مشاريعها، أنظمتها، أدوات صنع القرار، إدارة الموارد البشرية… إلخ.

قد يهمك ايضاً :

التشييد الإسمنتي يعرقل "البناء الدرامي" للمسرح الملكي في مراكش

مراكش تنتظر المسرح الملكي والتشييد الإسمنتي يعرقل "البناء الدرامي"

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باحث يناقش دينامية التنظيمات الجمعوية ورهانات التنمية البشرية في المغرب باحث يناقش دينامية التنظيمات الجمعوية ورهانات التنمية البشرية في المغرب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 07:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
المغرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
المغرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة " X3" الأنجح في سلسلة منتجات "بي ام دبليو"

GMT 06:01 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

"أولتراس الوداد" يطالب بدعم المدرب الجديد دوسابر

GMT 13:55 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

لاعب الجيش الملكي محمد كمال يعود بعد تعافيه من الإصابة

GMT 13:14 2018 الجمعة ,04 أيار / مايو

الكلاسيكية والعصرية تحت سقف قصر آدم ليفين

GMT 20:27 2018 الأربعاء ,02 أيار / مايو

اتحاد السلة يقصي الحسيمة والكوكب من كأس العرش
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib