سيظهر القميص الأبيض لهيرفي رونار في المونديال، أخيرًا، هذا القميص العجيب، الذي يصر المدرب الفرنسي على ارتدائه في كل المباريات التي يقودها من دكة البدلاء، حيث توج باللقب الأفريقي مرتين، مع زامبيا ومع الكوت ديفوار، لكنه الليلة "أدى مهمته بنجاح" وأضاف إنجازًا جديدًا لسجل صاحبه الفرنسي، وكان فال خير به في تحقيق الحلم، رغم أن القميص الجميل بللته دموع فرحة مدرب المنتخب المغربي وعرقه بسبب شد الأعصاب ورطوبة الطقس في أبيدجان، التي احتضنت المواجهة بين الفيلة والأسود، واحترامًا لقوانين الطبيعة الغلبة كان للأسد المغربي الذي ضمن خامس حضور له بنهائيات كأس العالم.
الثعلب يعيد للأسود شراستها
وهو على دكة البدلاء، مرتديًا قميصه الأبيض الشهير، يبدو منتصب القامة، يحدق بعينيه البراقتين، بهدوء وتركيز وثبات، بحثًا عن حيلة يروض بها أسوده ليوقع في شراكه خصومه، هيرفي رونار، مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم، فرنسي أشقر، اختار، عن إصرار وعزيمة، المغامرة في الأدغال الأفريقية، اسمه رونار وهو والثعلب سيان، كلاهما داهية، كلاهما يعتمد على الحيلة واصبر للظفر بالغنيمة، ورغم أنه "ثعلب" عرف كيف يروض الأسود، في ظرف وجيز، في أدغال القارة السمراء، أيقظ فيها جانب الشراسة والبطش، بعدما تكاسلت لأعوام.
وحين وطأت قدمي الثعلب رونار، لأول مرة، القارة الأفريقية، للعمل مساعدًا لمواطنه كلود لوروا، في تدريب المنتخب الغاني، عام 2007، أدرك، ببصيرته ودهائه، أنه، أخيرًا، وجد ضالته، بعيدًا عن العمل في الظل، وأن الأدغال فسيحة أمامه، تناسب فكره وشخصيته ونظرته إلى الحياة التي تحتاج، هي الأخرى، إلى دهاء ومكر لقهر صعابها ومكائدها، وأدرك الثعلب، جيدًا، أن القدر منحه الفرصة التي طالما انتظرها بصبر وشغب منذ أعوامه الأولى في عالم الكرة، أو بالأحرى منذ أعوامه الأولى في درب المعاناة، حين كان يشتغل عاملًا للنظافة، ويضطر إلى العمل ليلًا نهارًا لتوفير وتأمين حاجياته وأسرته.
من جامع للقمامة إلى جامع للألقاب
حين رمي رونار بنفسه في مغامرة قيادة المنتخب الزامبي عام 2008، تنبأ له كثيرون بالفشل الذريع، وقال بعض المعارضين كيف نمنح عاملا للنظافة مهمة تدريب منتخبنا، وفي نهائيات أنغولا كان 2010، قاد النسور إلى الدور الثاني، وفي نهائيات 2012، في الغابون وغينيا الاستوائية، خلق الحدث، وقادهم إلى التتويج باللقب لأول مرة في تاريخ البلاد، على حساب الكوت ديفوار، في واحدة من أكثر المفاجآت إثارة في تاريخ الكان، وبعدها قال، في تصريح مثير، مرفقًا بابتسامته المعتادة، المغلفة بالسخرية: "كنت أجمع القمامة منذ ثمانية أعوام، وأنا الآن بطل أفريقيا، أجمع الألقاب ما رأيكم؟ كرة القدم ساحرة.. أليس كذلك؟.
وبعد عامين من تتويجه مع نسور زامبيا باللقب، سيرمي الثعلب بنفسه في مغامرة جديدة، وهذه المرة، في حضن فيلة الكوت ديفوار، وسينجح، مرة أخرى، في قيادتهم، وبامتياز جدًا، إلى اللقب، وبعدها، لم يبق شك لدى الأفارقة أن هذا المدرب الفرنسي، المميز بقميصه الناصع البياض، ليس ثعلبًا فقط، بل إنه ملك الغاب بشحمه ولحمه وقميصه، خبر الأدغال الأفريقية وخباياها وما وراءها.
ويقول كلود لوروا، عن مواطنه وتلميذه النجيب رونار: "لطالما كنت متيقن أنه سينجح في مغامرته، لقد اختار المغامرة في بحر هائج بدون وسائل نجاة، لكنه نجح في الغوض بامتياز، ومتأكد أيضًا أنه سيحصد مزيدًا من الألقاب، وسيصير المدرب رقم واحد في أفريقيا".
لوروا المعلم
,في مقابلة مع صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية، يستحضر رونار ظروف نشأته مع والدته التي عملت ما في وسعها لتوفر له حاجيات طفولته: "كما أنا فخور بها وأفتح ربها دائمًا، فهي أيضًا فخورة بي اليوم"، معبرًا عن اعتزازه بوالده الذي مهد له الولوج إلى عالم كرة القدم، لأول مرة، وهو في الخامسة عشر من عمره، حين قاده إلى مركز تكوين فريق كان، حيت كان يشغل مركز مدافع.
وتعذر على الفتى رونار إكمال مساره الكروي، بسبب إصابة تعرض لها مع فريق دراغونيا "1997-1998"، فقرر توديع عالم كرة القدم، والاشتغال عاملًا للنظافة، بموازاة مع دراسته التدريب، إلى أن تلقى دعوة مفاجئة من أستاذه لوروا، للعمل مساعدًا له في فريق شانغهاي الصيني، فرمى المكنسة، وطار لأول مرة خارج فرنسا، ومن تم حلق في عالم التدريب.
وأراد رونار، الاستقلال سريعًا بنفسه، وانفصل عن أستاذه لوروا، وطار، هذه المرة، إلى إنجلترا، للعمل مدربًا لفريق كامبريدج يونايتد، لكن البداية كانت صعبة، وغير موفقة، فتوصل، مرة أخرى، بمكالمة هاتفية من لوروا، للعمل مساعدًا له في تدريب المنتخب الغاني عام 2006، وكانت هذه المرة الأولى التي يتعرف فيها على أجواء الأدغال الأفريقية.
ولأن العزيمة والإصرار والتسلح بالقتالية من أجل النجاح، كانت سماته وطباعه في بداياته في الحياة، لا سيما وهو يشتغل عاملًا للنظافة، فقد حافظ رونار الثعلب على هذه الصفات وهو مدرب في أفريقيا، ففي تجربته مع المنتخب الزامبي، حول اللاعبين إلى وحوش مقاتلة فوق أرضية الميدان، استنادًا لما قاله أحد الصحافيين بعد التتويج باللقب القاري في 2012، هذا إلى جانب تميزه بالفطنة والذكاء والعين الثاقبة.
انتظروا الثعلب وقميصه الأبيض في روسيا
قبل انطلاق نهائيات كأس أفريقيا الأخيرة، توقع كثيرون فشل رونار مع المنتخب المغربي، وبالتالي نهاية نجاحاته في القارة، في ظل غياب مجموعة من النجوم عن تشكيلة الأسود، خاصة وأنه انهزم في مباراة إعدادية أمام فنلندا، وانهزم في المباراة الأولى في الكان أمام الكونغو، لكنه عاد من بعيد، وزرع في اللاعبين شحنة مليئة بالعزيمة والإصرار والروح القتالية، فنجح في تأهيل المنتخب إلى الدور الثاني لأول مرة منذ 13 عامًا، قبل الإقصاء بصعوبة أمام مصر، ويرى المتتبعون أنه لولا الضربة القاسمة التي تلقاها رونار بسبب غياب 5 عناصر أساسية عن المنتخب في الكان الأخير لكان أحرز اللقب، لكن ليس الثعلب دائمًا محظوظًا.
رونار، حقق حلمه وسيقود المنتخب المغربي للمونديال، لقد كان متيقنًا أنه لن يذهب إلى كأس العالم مع منتخب آخر غير المغرب، وهي حقيقة صرح بها يوسف حيجوب، وكيل المباريات الدولي وأحد مهندسي صفقة رونار مع الاتحاد المغربي، فقد اكدح يجوب أن رونار يرغب بشدة في تدريب الأسود، إنه يريد إبهار العالم مع هؤلاء اللاعبين الذين يتوفر عليهم المغرب، واكدح يجوب حينها أن رونار مستعد للمجيء مشيًا على أقدامه إلى المغرب في سبيل قيادة المنتخب المغربي..انتظروا رونار انتظروا الثعلب وانتظروا القميص الأبيض في روسيا بعد أشهر معدودات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر