تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع، ليل السبت، قرارا يدعم خطة طموحة لحل الأزمة في سورية وإنهاء الحرب الدائرة في هذا البلد منذ قرابة خمس سنوات.
وينص القرار على أن تجرى "في مطلع كانون الثاني/يناير" مفاوضات بين النظام السوري والمعارضة "حول عملية انتقال سياسي تنهي الحرب في سورية". ورحب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بتبني القرار، معتبرا أنه يرسل "رسالة واضحة إلى كل المعنيين بأنه حان الوقت لوقف القتل في سورية". وإذ أكد كيري أنه ليست لديه "أي أوهام" في شأن صعوبة تنفيذ هذه الخطة الطموحة، أشاد بهذا "القدر غير المسبوق من الوحدة" بين الدول الكبرى بشأن ضرورة إيجاد حل للأزمة في سوريا.
من جهته، رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بـ"أول قرار يركز على السبل السياسية لحل الأزمة" السورية، مشددا على أن "هذه خطوة بالغة الأهمية تتيح لنا المضي قدما" نحو حل ينهي النزاع. وأكد الأمين العام أن الأمم المتحدة "مستعدة" لأداء دورها في تنظيم مفاوضات السلام والإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار المنصوص عليه في
القرار.
ويطلب القرار من الأمم المتحدة أن تعد ضمن مهلة شهر "خيارات" لإرساء "آلية مراقبة وتحقق" من حسن تطبيق وقف إطلاق النار. كما يطلب منها أن "تجمع ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة من أجل أن يبدآ مفاوضات رسمية حول عملية انتقال سياسي في شكل عاجل، على أن تبدأ المباحثات في بداية كانون الثاني/يناير 2016"، وكذلك فإن القرار يشير إلى أن مجلس الأمن "يؤكد على دعمه لإعلان جنيف" الصادر في حزيران/يونيو 2012 بشأن الانتقال السياسي في سورية و"يصادق على تصريحات فيينا".
وإضافة إلى المفاوضات بين النظام والمعارضة ووقف إطلاق النار، نصت خريطة طريق فيينا على تشكيل حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر وإجراء انتخابات
في غضون 18 شهرا، وأتى هذا القرار ثمرة مباحثات طويلة وصعبة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والولايات
المتحدة).
وفجرت مسألة تصنيف "المجموعات الإرهابية" أجواء الاجتماع لـ "المجموعة الدولية لدعم سورية" بسبب غضب الوفد الإيراني جراء اقتراح "إحدى الدول وضع فيلق القدس على لائحة الإرهاب"، بعدما اتفق الوزراء على ترحيل "عقدة" الخلاف على مصير الرئيس بشار الأسد، بالتزامن مع مفاوضات شاقة بين الوزراء المشاركين والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن على مشروع قرار دولي يتضمن برنامجاً زمنياً لحل الأزمة السورية ووقف النار وسط إدخال روسيا تعديلات على المشروع، في وقت جدد المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية رياض حجاب في ختام اجتماعها في الرياض، أمس، أن "السوريين لن يتنازلوا عن محاكمة نظام الأسد، وكل رموزه الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب".
وقدم الأردن لائحة إلى الاجتماع الوزاري في نيويورك بالاقتراحات التي تلقاها من الدول المعنية بالتنظيمات التي يجب أن تصنف "إرهابية" في سورية، وأن عدد هذه التنظيمات المقترحة وصل إلى 167، بينها "فيلق القدس" و "حزب الله"، فيما اقترحت تركيا إدراج "حزب الاتحاد الديموقراطي" بزعامة صالح مسلم إليها. وقال دبلوماسيون إن "الوفد الإيراني انفجر غاضباً عند الاطلاع على اللائحة التي جمع فيها الأردن كل المقترحات التي تلقاها من الدول المعنية عن التنظيمات في سورية التي يجب أن تصنف إرهابية"، وأن "الاجتماع علق بعد ذلك لأكثر من ساعة". وأضافت أن "موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل تمثل بالاعتراض على إدراج حزب الله أو أي حزب لبناني آخر في قائمة التنظيمات المقترح تصنيفها إرهابية".
وقال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة إن الأردن "طُلب منه التنسيق والمساعدة في التوصل إلى فهم مشترك في من يجب أن يصنف منظمات إرهابية". وشدد على أن اللائحة التي قدمها الأردن "هي مصفوفة تعكس مواقف الدول ومجمعة من مقترحات الدول وليست لائحة أردنية ولا تعكس موقف الأردن". وأضاف: "أعتقد أنه ستكون هناك خطوات متابعة لهذه اللائحة التي يجب أن تكون منطلقا للمشاورات" حول المنظمات التي يجب أن تصنف إرهابية "ونحن حققنا هذه الخطوة".
ونقلت وكالات أنباء روسية عن مصدر في وزارة الخارجية الروسية، أن الأردن سلم الجانب الروسي قائمة بنحو 160 تنظيما مشتبها بالتورط في النشاطات الإرهابية في سورية. وقالت مصادر روسية إن الأردن أدرج على رأس القائمة تنظيم "داعش" والجماعات التي تتبعه في كافة أنحاء سورية، كما ضمت القائمة "جبهة النصرة" وكافة كتائبها، و"جيش المهاجرين والأنصار"، و"فجر الإسلام"، و"جند الأقصى"، و"حركة نور الدين زنكي" و"لواء التوحيد"، و"كتائب أحرار الشام". وتناقلت مصادر إعلامية غربية وعربية قائمة أولية مسربة للفصائل التي صنفتها عمان إرهابية، وضمت العديد من الفصائل المتنوعة الحجم والانتشار، بينها "داعش"، و"جبهة النصرة" مع كتائبها 11 ، و"حركة أحرار الشام"، و"حركة نور الدين زنكي" و"لواء التوحيد"و"جبهة المهاجرين و الأنصار" مع كافة كتائبها، و"جند الأقصى" و"فجر الإسلام"، والعديد من الفصائل الأخرى.
إلا أن هذه المصادر نفسها لفتت الى أن "جيش الإسلام"، وهو أحد أهم وأكبر الفصائل المقاتلة في ريف دمشق، استثني من اللائحة، كونه يحارب تنظيم "داعش". ولم تتضمن اللائحة أيضاً "جيش الفتح"، وإنما بعض الفصائل المقاتلة ضمنه. وتتركز الخلافات تحديدا على "أحرار الشام" و"جيش الإسلام"، كونهما الأقوى بعد "داعش" و"النصرة"، وطالب الروس بإدراج "أحرار الشام" على اللائحة السوداء، كونها "تضم أكثر من ألف مقاتل أجنبي وتحمل إيديولوجيا جهادية والتي لها توجهات مشابهة للنصرة". ولموسكو عداواة خاصة مع هذه الحركة. فإضافة إلى الشيشاني أبو محمد الشيشاني ورفيق الدرب السابق لأسامة بن لادن أبو خالد السوري، الذي أطلق من السجون السورية في أواخر 2011 قبل أن يقتل في حلب، يبدو أن موسكو تصوّب تحديدا على سوري آخر من "أحرار الشام" كان محاربا قديما أيام الجهاد في أفغانستان وهو أبو حسن التبوكي الذي عاد إلى جسر الشغور بداية الصراع المسلح، والذي فجر أخوه ياسر الشعار نفسه في الهجوم على مترو الأنفاق في موسكو عام 2004.
وفي المقابل، ينقل الصحافي جورج مالبرونو في "لفيغارو" عن مسؤول سياسي خليجي قوله إن الجماعات المسلحة المعتدلة قليلة جدا، "لذا يجب دمج الجماعات الأخرى في العملية السياسية من أجل تحقيق وقف للنار". بدورها، تعتبر باريس أن "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" جماعتان معتدلتان، ويقول مسؤول فرنسي للصحيفة الفرنسية أن "ما يهمنا هو أن تنضم هذه المجموعات إلى العملية السياسية التي تدعو إلى دولة مدنية وديموقراطية، أحرار الشام وجيش الإسلام التزموا ذلك الأسبوع الماضي في مؤتمر الرياض، بالنسبة إلينا أن لائحة المنظمات الإرهابية هي اللائحة التي وضعتها الأمم المتحدة". وسط هذه المعايير المختلفة، بدا منذ الخميس أن الاتصالات تكثفت في محاولة لتذليل الخلافات. ويقول مالبرونو إن صيغة تسوية قيد الدرس، وهي تقضي باستثناء هاتين المجموعتين المسلحتين في مرحلة أولى من المحادثات المقررة في كانون الأول/ديسمبر بين المعارضة والنظام.
وانخرط وزراء الخارجية في محادثات بدأت عند الثامنة والنصف صباح أمس، حول مشروع قرار كان متوقعاً طرحه أمس في مجلس الأمن بعد الاجتماع الوزاري، إذ حاولت روسيا إدخال تعديلات عليه "لتقويض مرجعية بيان جنيف وتعويم مسار فيينا بدلاً منها"، بحسب أحد الدبلوماسيين. كما سعت روسيا إلى "تقويض مرجعية اجتماع المعارضة السورية في الرياض" ودمجه في لائحة أخرى من الاجتماعات التي عقدتها المعارضة السورية سابقاً في موسكو والقاهرة وسواهما.
ونشب خلاف آخر خلال المفاوضات على مشروع القرار لدى مطالبة روسيا بوصف العملية السياسية في سورية بأنها "تسوية سياسية" بدلاً من عبارة "الانتقال السياسي" في إحدى فقرات مشروع القرار. وفي شأن مرجعية العملية السياسية، اقترحت موسكو فقرة في مشروع القرار تنص على أن "مجلس الأمن يقر بيان جنيف، ويقر البيان المشترك لمجموعة فيينا في تشرين الأول/أكتوبر، والبيان المشترك لمجموعة فيينا في تشرين الثاني/نوفمبر كأساس لانتقال سياسي يقوده ويملكه السوريون بهدف إنهاء النزاع" و"يشدد على أنه يعود الى الشعب السوري تحديد مستقبل سورية".
وجاء في فقرات مشروع القرار أن المجلس "يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة من خلال مساعي مبعوثه الخاص ستيفان دي ميستورا الحميدة جمع ممثلي الحكومة السورية والمعارضة للانخراط في مفاوضات رسمية على تسوية سياسية في شكل عاجل لعقد المفاوضات في 1 كانون الثاني/يناير 2016 لإطلاق المحادثات، بناء على بيان جنيف، وفق ما أعلنه بيان فيينا في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015". ويعبر عن "دعمه لعملية سياسية يقودها السوريون وتسهلها الأمم المتحدة، لتؤسس ضمن مهلة 6 أشهر حكما غير طائفي وموثوقا وشاملا، ووضع جدول زمني وعملية لصياغة دستور جديد". ويعبر عن "دعمه لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بناء على الدستور الجديد خلال 18 شهرا تحت إدارة الأمم المتحدة، لتحقيق الحكم وبناء على أعلى المعايير الدولية من الشفافية والمحاسبة، بمشاركة كل السوريين المؤهلين للمشاركة بمن فيهم الموجودون خارج سورية، وفق ما هو منصوص في بيان فيينا2". و "يرحب باجتماع ممثلي المعارضة في المملكة العربية السعودية الذي أدى إلى تبني إطار مشترك وتشكيل لجنة عليا تحضيرا للمفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة على تسوية سياسية للنزاع بناء على بيان جنيف". وطالبت روسيا بصيغة بديلة عن الفقرة الأخيرة، بحيث "يأخذ (المجلس) علماً" بمؤتمر الرياض ومؤتمرات اخرى، ماسبب خلافاً كبيراً مع باقي الوفود العربية والغربية.
وفي جانب آخر من مشروع القرار، يعرب مجلس الأمن "عن الاعتراف بالرابط القوي بين وقف إطلاق نار وعملية سياسية موازية". ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة قيادة الجهود من خلال مبعوثه الخاص وبالتشاور مع الأطراف المعنيين، لتحديد أسس ومتطلبات وقف إطلاق نار وآليات متابعة دعم تطبيقه، ويحث الدول، وخصوصاً أعضاء مجموعة فيينا على دعم وتسريع كل الجهود لتحقيق وقف إطلاق نار بما في ذلك عبر الضغط على كل الأطراف لقبوله والتقيد به، بناء على بيان فيينا2".
في الرياض، قال حجاب إن "الهيئة العليا لقوى المعارضة تؤكد أهمية بناء الثقة، وحسن النيات من الطرف الآخر (النظام)، ولو أننا نشعر أنه لا يوجد طرف آخر أو شريك لإيجاد أية تسوية سياسية". وقال عضو الهيئة أحمد عسراوي لـ "الحياة" غن المجتمعين اقترحوا وفدا تفاوضيا من 15 شخصاً وحددوا "مرجعية" التفاوض، وهي "بيان مؤتمر الرياض وبيان جنيف".
وأمل وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي يشارك في الاجتماع، في توصل المجلس إلى اتفاق على قرار. وأضاف أن "الخطوة الأكثر أهمية التي نحتاج لإنجازها هي اتخاذ مزيد من الخطوات نحو وقف لإطلاق النار". لكن تفاؤل شتاينماير أضعفه المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، الذي شكك في إمكانية تمرير قرار. وقال تشوركين إنه "ليس متأكداً من إمكانية حدوث ذلك، لأن هناك للأسف بعض المحاولات المقصودة وغير المقصودة لتقويض وثائق فيينا". غير أن مصير الرئيس بشار الأسد يبقى العقبة الأساسية في وجه تسوية سياسية.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التقى، مساء الخميس، في نيويورك نظيره السعودي عادل الجبير لطمأنة المملكة بأن موقف واشنطن لا يتهاون مع الأسد. وتهدف مساعي كيري الدبلوماسية لخلق توازن يضمن بقاء موسكو والرياض ضمن العملية. وكانت الرياض استضافت الأسبوع الماضي مؤتمرا شاركت فيه مكونات سياسية وعسكرية للمعارضة قارب عدد ممثليها المئة، أبدت استعدادها للتفاوض مع النظام، مشترطة رحيل الأسد "مع بداية المرحلة الانتقالية". وفي واشنطن، حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال مؤتمره الصحافي الأخير قبل عطلة الميلاد، من مخاطر إرسال قوات برية إلى سورية والعراق لمواجهة تنظيم "داعش".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر