بيروت - فادي سماحة
على طريقة الدوائر المقفلة في أكثر من ملف، يوغل لبنان في مساره السياسي الانحداري وسط مشهدٍ إقليمي يشي بتحولات كبيرة ولاسيما في ضوء المعطى الـ "قالِب للموازين"، المتمثّل في مؤشرات الانخراط العسكري الروسي المباشر في الملف السوري، وما يمكن أن يرتّبه من وقائع جديدة لن يكون الوضع اللبناني بمعزل عن تداعياتها.
ففي الشارع، يستمرّ "الكرّ والفرّ" بين مجموعات الحِراك المدني التي تستعدّ لموعد جديد مع تظاهرة مركزية دعت إليها عصر غد من نهر بيروت إلى "ساحة النجمة" في وسط بيروت، على أن يسبقها اليوم تحرك في ساحة "رياض الصلح"، وبين السلطة السياسية التي تُمسك بيد قرارًا حازمًا بمنْع كل مظاهر الخروج على القانون في الشارع، وتهديد مؤسسات ومقرات عامة، وتحاول باليد الأخرى سحب الذريعة الأساسية التي فجّرت الاحتجاجات، والمتمثلة بأزمة النفايات من خلال تمديد "فترة السماح لتطبيق" الخطة في شأنها الموضوعة من وزير الزارعة أكرم شهيب، "بالحوار" مع الجهات المعترضة على إقامة المطامر، في المرحلة الانتقالية الفاصلة عن تسليم زمام الملف إلى البلديات.
وفي حين واصل شهيب ومعه وزير الداخلية نهاد المشنوق أمس الجمعة لقاءاتهما وأبرزها الاجتماع الذي عُقد في "البيال" مع رؤساء البلديات والاتحادات البلدية في عكار وناشطين بيئيين وخبراء، في محاولة لوضع خطة شهيب لمعالجة النفايات الصلبة على السكة، بدا الحِراك الشعبي أمام تحدٍ فعلي عشية تظاهرتيْه السبت وغًدا الأحد، ذلك أن مصادر سياسية رسمت انطباعًا بان هذا التحرك "خرج من تجربة تظاهرة الأربعاء بندوب في صورته لدى جمهور كبير، وبرزت إشارات إلى انفضاضه عنه وخصوصًا بعد تَصدُّر مجموعات يسارية وشيوعية المشهد على وقع تشتُّت في خريطة الأهداف لهذه الحركة، التي يؤخذ عليها أنها "كبّرت الحجر" ولامست في بعض مطالبها السياسية (مثل الثورة على النظام) حدود اللا واقعية"، من دون إغفال الرسالة المعبّرة التي شكّلها
الصدام الذي وقع قبل ثلاثة أيام، أمام وزارة البيئة بين مناصرين للرئيس نبيه بري وناشطين في المجتمع المدني، ما عزّز المخاوف من إمكان انزلاق ساحات الحِراك إلى مظاهر الفوضى والتفلت الأمني.
ولا شكّ في أن ما سيفضي إليه تحرك الأحد في شكل أساسي، سيشكّل اختبارًا برسم الجولة الثالثة من الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري في البرلمان الثلاثاء، والذي بدا محاولة لتوفير إطار احتوائي للعناوين السياسية الخلافية وتكوين رافعة للحلّ الذي يُعمل عليه لأزمة النفايات، وسط اقتناع بأن ثمة حاجة لدى أطراف عدة لتمرير الوقت "على البارد" في لبنان، ريثما يتضح أفق المشهد السوري.
على أن هذا الحوار، يبدو بدوره أمام تعقيدات يتّصل جانب منها بملف الانتخابات الرئاسية ويرتبط الجانب الآخر بمسألة الأزمة الحكومية الناشئة في شكل أساسي من الخلاف على آلية اتخاذ القرارات وقضية العميد شامل روكز، صهر العماد ميشال عون الذي يصرّ على صيغة تتيح إرجاء تسريحه من المؤسسة العسكرية قبل يحال على التقاعد منتصف أكتوبر، عبر ترفيعه إلى رتبة لواء ما يضمن بقاءه سنة إضافية في الجيش ويُبقي تاليًا على حظوظه بتولي القيادة.
وبعد "الإنذار" الذي وجّهه عون إلى طاولة الحوار من خلال عزوفه عن الحضور شخصيًا إلى جلستها الثانية الأربعاء الماضي، وإيفاد صهره وزير الخارجية جبران باسيل مع التلميح إلى إمكان أن يستمر هذا العزوف أو يتطور إلى مقاطعة، لم يُحسم أي اتجاه سيعتمده عون ولاسيما يعدما خلصت الجولة الحوارية الثانية، إلى "دفن" مطلبه بانتخاب الرئيس من الشعب، فيما بدا أن دعوته إلى إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، يصطدم برفض خصومه وبعض الحلفاء، وسط إشارة لافتة عبّر عنها رفض بري حتى الساعة القفز فوق بند الرئاسة إلى العناوين الأخرى ومنها قانون الانتخاب، في موازاة ما نُقل عنه من انه "قدم الأربعاء الماضي اقتراحات محددة لحل، يبدأ من رئاسة الجمهورية أولا، ويشمل البنود الأخرى".
وجاء الأكثر إثارة في "معركة السقوف" المحتدمة، ذهاب بري في منطقه الرافض لـ"التهديد"، والموجّه إلى العماد عون، إلى حد قوله ردًا على سؤال عن عدم مشاركة زعيم "التيار الوطني الحر" في الجلسة الأخيرة "اتصل بي عون وابلغني انه لن يحضر وان الوزير باسيل سيمثله، ويفترض أن يشارك في الجلسة المقبلة، لأن استمرار غيابه قد يفتح الباب أمام احتمال سلوك الآخرين هذا المنحى، عندها لا يعود مبرر للحوار وسأتخذ عندها قرار مواصلة الحوار أم لا"، مضيفًا "أنا لا أضع مسدسًا في رأس احد لأجبره على الحضور".
ولم تتوان أوساط سياسية في بيروت عن اعتبار "شد الحبال" على طاولة الحوار، انعكاسًا للغموض الذي ما زال يلف التسوية التي يجري العمل عليها في قضية العميد روكز، وتحديدًا لجهة تعيين ثلاثة أعضاء جدد في المجلس العسكري بعد ترقيتهم إلى رتبة لواء ومن بينهم روكز ليصبح عدد المجلس 8 وليس خمسة.
وفي حين يحتاج مثل هذا المخرج إلى قرار من مجلس الوزراء، تتقاطع المعلومات عند أن التسوية التي قيل أن "حزب الله" وتيار "المستقبل" يدفعان في اتجاهها، ما زالت تعترضها تعقيدات يتم تقاذُف المسؤوليات عن الطرف الذي يقف وراءها، بين معطيات تشير إلى اعتراضات عليها من قيادة الجيش لما يمكن أن ترتّبه من تداعيات على البنية الهرمية للمؤسسة العسكرية، وبين معلومات تتحدث عن رفض حازم من فريق الرئيس السابق ميشال سليمان، ولاسيما وزير الدفاع سمير مقبل، وذلك على خلفية المعيار الذي سيتم اتخاذه للترقيات في ظل وجود العديد من الضباط برتبة عمداء الذين يستحقون الترقية ويسبقون روكز في الأقدمية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر