الدار البيضاء- جميلة عمر
تشكل الذكرى الــ40 للمسيرة الخضراء لحظة قوية لاستحضار الأمجاد التي طبعت هذه الملحمة التاريخية، التي ستظل منقوشة بمداد من ذهب في الذاكرة الحية للمغرب؛ حيث انطلقت في مثل هذا اليوم "6 تشرين الثاني/ نوفمبر" من العام 1975 حشود المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، ومن سائر ربوع الوطن في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاحتلال الإسباني، حاملين القرآن الكريم والأعلام الوطنية، مسلحين بقوة الإيمان والعزيمة الراسخة لإحياء صلة الرحم مع إخوانهم في الصحراء المغربية.
وكانت المسيرة من أجمل صور الحل السلمي، والدفاع عن القضايا الوطنية، وحدثًا مغربيًا فريدًا، ضرب من خلاله المغرب بقيادة ملكه الراحل الحسن الثاني أروع الدروس في التعامل الحضاري والقانوني الدولي لاسترجاع أراضيه.
وبعد صدور حكم محكمة العدل الدولية بلاهاي، والذي شكل اعترافًا بشرعية مطالب المغرب لاسترجاع أراضيه في الصحراء، وجه الملك الراحل خطابًا إلى شعبه من قصر البلدية في أغادير، أعلن فيه عن انطلاق المسيرة صباح يوم 6 تشرين الثاني العام 1975.
وتجمع نحو 350000 من المغاربة في مدينة طرفاية، جنوب المغرب، منتظرين إشارة بدء المسيرة من املك حسن الثاني لعبور الصحراء المغربية، وقد لوح المتظاهرون بالأعلام المغربية ولافتات تدعو لـ"عودة الصحراء المغربية"، وصور لملك المغرب والقرآن الكريم، كما اتُخذ اللون الأخضر لوصف هذه المسيرة كرمز للإسلام والسلام.
وأعطيت الانطلاقة الساعة الـ10 صباحًا فاتجه مغاربة وأجانب إلى الرمال الذهبية، وإخوانهم في الصحراء يرددون بدورهم شعارات الترحيب والاستقلال والحرية، واتجهت حشود المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، ومن سائر ربوع الوطن في مسيرة سلم نحو جدر الأصول المغربية.
وخلال جميع مراحل المسيرة تبين للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعبقريتهم في إنهاء الوجود الاستعماري بالالتحام والعزيمة والحكمة، حيث حققت المسيرة الخضراء أهدافها وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، سلاحها الإيمان والتمسك بالفضيلة وبقيم السلم والسلام في استرداد الحق والدفاع عنه.
وبعد الحدث العظيم تم في مدريد يوم 14 تشرين الثاني 1975 توقيع المغرب وإسبانيا وموريتانيا اتفاق استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية، وهو الاتفاق الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة وصادقت عليها الجماعة، التي أكدت في اجتماعها في العيون يوم 26 شباط/ فبراير 1976 مغربية الصحراء، وبذلك تم وضع حد نهائي للوجود الإسباني في المنطقة وتم احترام موقف سكانها المعبر عنه من طرف الهيئة الصحراوية الوحيدة ذات طابع تمثيلي حقيقي.
وقد تمت المفاوضات طبقًا للفصل الـ33 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الذي عقد عدة جلسات بطلب من إسبانيا بعد الإعلان عن المسيرة الخضراء، كما دعا مجلس الأمن في قراراته الأطراف المعنية إلى التحلي بضبط النفس والاعتدال وتجنب كل عمل من جانب واحد من شأنه تصعيد التوتر.
وأشار المجلس في قرار صدر في 6 تشرين الثاني 1975 إلى ضرورة التعاون مع الأمين العام للتوصل إلى حل سياسي متفاوض بشأنه، وقد أثبت هذا المسلسل أن المغرب كان ملتزمًا تمام الالتزام بالشرعية الدولية في استكمال وحدته الترابية.
وبعد 4 أيام على انطلاق المسيرة الخضراء بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل يضمن للمغرب حقوقه على أقاليمه الصحراء.
وخلال جميع مراحل المسيرة، تبين للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعبقريتهم في إنهاء الوجود الاستعماري بالالتحام والعزيمة والحكمة، حيث حققت المسيرة الخضراء أهدافها وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، سلاحها الإيمان والتمسك باسترداد الحق والدفاع عنه
والأكيد أن هذه المسيرة التاريخية الكبرى جسدت عبقرية الملك الراحل الحسن الثاني، الذي حرص على قيادة المسيرة بأسلوب حضاري سلمي فريد يصدر عن قوة الإيمان بالحق في استرجاع الأقاليم الجنوبية، لترتفع بذلك راية الوطن خفاقة في سماء العيون يوم 28 شباط 1976، مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري في الصحراء المغربية، حيث تلاها استرجاع المغرب في 14 آب/ أغسطس 1979 لإقليم وادي الذهب.
والمغرب اليوم تحت قيادة الملك محمد السادس، يواصل دفاعه المستميت عن حقوقه الراسخة وصيانة وحدته الثابتة، مؤكدًا للعالم أجمع إرادته القوية وتجنده التام للدفاع عن مغربية الصحراء وعمله الجاد لإنهاء كل أسباب النزاع المفتعل وسعيه إلى تقوية أواصر الإخاء بالمنطقة، خدمة لشعوبها وتعزيزًا لاتحادها واستشرافًا لمستقبل أكثر إشراقًا.
وهكذا، فإن المبادرة المغربية القاضية بمنح حكم ذاتي موسع للأقاليم الصحراوية في ظل السيادة الوطنية، ما فتئت تحظى بدعم متنامي من طرف المنتظم الدولي، لاسيما وأن جلّ المراقبين يعتبرونه آلية ديمقراطية لإنهاء النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، والذي يسعى خصوم الوحدة الترابية للمملكة لإفشاله بجميع الطرق المتاحة ضدًا على الحقائق التاريخية التي تشهد أن الصحراء كانت مغربية وستظل مغربية.
وأعلن ملك المغرب محمد السادس في خطاب ذكرى مرور 39 عامًا على المسيرة الخضراء أن "المغرب سيظل في صحرائه وأن الصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"، موضحًا أن الصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"، موضحًا أن ارتباط سكان إقليم الصحراء الغربية بالمغرب ليس وليد اليوم، بل تمتد جذوره في أعماق التاريخ.
وحسم العاهل محمد السادس أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لإقليم الصحراء الغربية أقصى ما يمكن للرباط تقديمه في المفاوضات لحل نهائي لأقدم نزاع في إفريقيا، كما دعا للكف عن ممارسة المزايدات ضد الرباط، والكف عن استغلال فضاء الحريات في المملكة.
وحل منتخبون قادمون من فرنسا أغادير، الخميس، للمشاركة في احتفالات الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، ومن بينهم نجوى الحيطي نائب عمدة مدينة افري، المشرف على قطاع الثقافة والمدينة الرقمية في بلدية المدينة الفرنسية، وسعيد لعتريس نائب عمدة مدينة كرينيي، المكلف بالأمن ومحاربة كل أشكال التمييز، سيقيمان في المغرب حتى 8 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري للمشاركة في الاحتفال بالذكرى الـ40 للمسيرة الخضراء، بالإضافة إلى 17 مسؤولاً آخرين بمختلف البلديات الفرنسية، والمنتمين لجمعية الصداقة الفرنسية- المغربية للمنتخبين.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر