يصادف اليوم الأربعاء 11/11 الذكرى السنوية الـ11 لاستشهاد الرئيس الفلسطيني المؤسس ياسر عرفات "أبو عمار"، حيث مثل رحيل المناضل والقائد الكبير "أبو عمار" في الحادي عشر من تشرين الثاني/ أكتوبر 2004، انتهاء مرحلة من أهم وأعقد وأغنى مراحل التاريخ الفلسطيني المعاصر.
ويعتبر الشهيد عرفات رمزًا لفلسطين شعبا وقضية، وقائدًا لثورة وشعب ناضل ويناضل من أجل الحرية والكرامة، كما امتاز بحنكته الواسعة وإرادته وصموده أمام كل التحديات، وحوّل الكثير من الانتكاسات إلى انتصارات سجلها التاريخ.
ولد "أبو عمار" في القدس في 4 آب/ أغسطس عام 1929، واسمه بالكامل "محمد ياسر" عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.
ودرس في كلية الهندسة في جامعة فؤاد الأول في القاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقًا.
وشارك عرفات مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الخمسينات، وأصبح ناطقا رسميا باسمها في 1968، وانتخب رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط/ فبراير 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري ويحيى حمودة.
وألقى الراحل عام 1974 كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة "جئتكم حاملا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".
وبصفته قائدا عاما للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قاد "أبو عمار" خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما قاد معارك الصمود خلال الحصار الذي ضربته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يوما انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة، وحين سأل الصحافيون ياسر عرفات لحظة خروجه عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية عن محطته التالية، أجاب "أنا ذاهب إلى فلسطين".
وحل ياسر عرفات وقيادة وكادر منظمة التحرير ضيوفا على تونس، ومن هناك بدأ استكمال خطواته الحثيثة نحو فلسطين، وفي الأول من تشرين الأول 1985 نجا ياسر عرفات بأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت منطقة "حمام الشط" في تونس، أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين.
ومع حلول 1987 أخذت الأمور تنفرج وتنشط على أكثر من صعيد؛ فبعد أن تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، أخذ عرفات يقود حروبا على عدة جبهات؛ فكان يدعم الصمود الأسطوري لمخيمات الفلسطينيين في لبنان، ويوجه انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال عام 1987، ويخوض المعارك السياسية على المستوى الدولي من أجل تعزيز الاعتراف بقضية الفلسطينيين وعدالة تطلعاتهم.
وبعد إعلان استقلال فلسطين في الجزائر في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1988، أطلق في الثالث عشر والرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان في الـ16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30 آذار/ مارس 1989.
وقّع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين عام 1993، اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض، في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى فلسطين، واضعا بذلك الخطوة الأولى في مسيرة تحقيق الحلم الفلسطيني في العودة والاستقلال.
وفي العشرين من كانون الثاني 1996 انتخب ياسر عرفات رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية.
وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في 2000 نتيجة التعنت الإسرائيلي وحرص ياسر عرفات على عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والمساس بثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول 2000، وحاصرت القوات الإسرائيلية عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية سميت بـ "السور الواقي"، وأبقت الحصار مطبقا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية.
رحل عرفات قبل عشرة أعوام بجسده، لكنه ترك إرثا نضاليا ومنجزات وطنية لا زالت قائمة تنهل منها الأجيال لمواصلة الكفاح من أجل التحرر وبناء أسس الدولة الفلسطينية، فأبو عمار لم يكن مجرد مقاتل يحمل بندقية، وإنما كان زعيما ملهما، أسس الدولة الفلسطينية العتيدة؛ بدءًا بدوائر منظمة التحرير التي عنيت بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والثقافية للشعب الفلسطيني، وانتهاءً بتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو/ أيار 1994على أرض الوطن بعد رحلة طويلة من النضال والكفاح المرير.
ظروف استشهاد عرفات لا تزال حتى يومنا هذا غامضة، والتحقيق الذي تجريه لجنة تحقيق وطنية مكلفة بهذا الشأن لا زال جاريا، رغم الإعلان في أكثر من مناسبة أن وفاة الرئيس ياسر عرفات لم تكن طبيعية بل نتيجة مادة سميّة.
وعرف عنه تواضعه وزهده عن الحياة وأخذ صفة الشخصية الشعبية القريبة من الناس فكما كان زاهدا في سكنه وفي ثيابه وفي حياته اليومية لقد كان الراحل أبو عمار زاهدا حتى في أكله وعاداته الغذائية، فقد عاش في منزل متواضع ولم يكن قصرا أما ثيابه فقد اقتصرت على الزي العسكري الذي لم يفكر يوما في تغييره، حتى أن البعض قال إن عددا منها كان مهترئا، أما بالنسبة إلى أكلاته فكان يحب أكل الشوربات الخفيفة والخضروات مقتنعا بأن عدد اللقمات القليلة تكفي الإنسان في ساعات عمله الطويلة التي قد تربط الليل بالنهار.
وأكد زكريا الهندي مسؤول المطبخ الرئاسي في عهد الرئيس الراحل أبو عمار، أن الرئيس الراحل كان بطبعه شخصية شعبية متواضعة تعيش مع الناس ولا تستطيع العيش من دونها، مشددا أنه كان يحب أن يرى الكثير من الناس حوله في كل الأوقات.
وفي عاداته الغذائية بين الهندي أن طعام الرئيس الراحل كان محدود جدا يؤمن أن اللقمات القليلة تكفي الإنسان حتى يستطيع الوقوف والنهوض رغم أن ساعات العمل كانت طويلة جدا قائلا: "كان الرئيس الراحل يستهلك طاقة كبيرة من السهر التي تحتاج إلى غذاء إلا أن طبيعة أكله كانت قليلة ولا يوجد بها خلط كثير في أنواع الأكل ويختار الأشياء الخفيفة لأنه كان يعاني من آلام في المعدة والقولون".
وبين الهندي أن الرئيس الراحل أبو عمار كان يطبب نفسه بنفسه من خلال تجرعه لوصفات الأعشاب المتنوعة التي كان يتناولها قبل الوجبات الغذائية وينتقي الوصفات الغذائية الخفيفة الصحية التي لا تؤثر على المعدة فكان يميل إلى الشوربات وصدر الدجاج وقطعة سمك والبطاطا المسلوقة والكوسا .
ولم يكن الراحل أبو عمار من الشخصيات التي تلتزم بمواعيد الأكل بحذافيرها بحيث يترك العمل ليأكل وبين الهندي أنهم كانوا يواجهون عدة مشكلات في تحديد موعد وتجهيز الأكل مضيفا: "كان الرئيس الراحل يهتم بالبرتوكولات على حساب الأكل والتغذية لا يكسر بروتوكول المواعيد حتى يأكل بل كان ينهي عمله وثم يفكر بالأكل".
كان الرئيس الراحل يحب شوربة العدس والخضار والبصارة وصدر الدجاج ولم يكن من النوع الأكول وغير متطلب لأصناف معينة حتى انه اصدر قرار أن يكون الأكل المقدم للجميع ذات صنف واحد حتى لو كان هذا الصنف لا يحبه كما يقول الهندي.
وأكد الهندي أن الرئيس الراحل لم يكن يحب الأكل لوحده إلا إذا كان مريضا في بعض الأوقات مبينا انه كان يحب أن تكون الطاولة مليئة بالناس من حوله ويشاركهم الوجبات ويقدم لهم بنفسه الطعام حتى يأكل الجميع من حوله فكأنه شبع.
وكان أبو عمار يحب أن يأكل في المكتب بمشاركة جميع من حوله مؤكدا الهندي أن الرئيس الراحل أبو عمار لم يكن يصل منزله لا في غداء أو عشاء حتى ساعة القيلولة كانت في المكتب وليست في بيته الشخصي مبينا أنه عادة ما كان يغادر المكتب عندما يغادر آخر مواطن من عنده ويوقن تماما أن جميع الناس غادرت.
يستذكر الهندي الرئيس الراحل ياسر عرفات، فيؤكد أنه كان صاحب مواقف إنسانية كان يلمسها بتقبيله لأيادي المرضى والأطفال، مبينا أن قضايا العقم والإنجاب كانت من القضايا السياسية لديه التي كان يحرص أن يقدم لها المساعدة حتى تستطيع جميع الأسر الفلسطينية إنجاب أطفال يدافعون عن القضية الفلسطينية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر