كشف رجال الإنقاذ الذين شاركوا في إغاثة المهاجرين الغارقين في واحدة من أسوأ الكوارث في منطقة البحر الأبيض المتوسط التي راح ضحيتها حوالي 900 شخص، عن اللحظات الأولى لعمليات الإنقاذ والتفاصيل التي اكتشفوا من خلالها قبطان السفينة التونسي محمد علي مالك (27عامًا) من بين عشرات الجثث التي حملتها الأمواج.
وأوضح الطبيب جوزيبي بوميلا من منظمة "فرسان مالطة" الساعات الثلاث الأولى التي بحث فيها عن أحياء بين مئات الجثث العائمة، قائلًا "كان الحادث كابوسًا وكانت مقبرة على وجه الماء، الجثث في كل مكان تنظر إليه، في البداية يبدو أنَّه لم يكن هناك أي أحد على قيد الحياة".
وأضاف بوميلا "كنا الساعة 01:00 بعد منتصف الليل وكان البحر مظلمًا، وفي ضوء الشعلة لم أرَ سوى متر أو اثنين أو ثلاثة حول الزورق؛ ولكن كان من السهل معرفة ما إذا كانوا ماتوا أم لا؟ لأنه عندما يموت الإنسان من الاختناق تتحول العينين إلى الون الأحمر، لقد وجدنا الكثير من العيون الحمراء، وجميعهم شباب، معظمهم كانوا في قمصان وملابس عادية وبعضهم كان عاريًا، ربما سحب التيار ملابسهم بعيدا'.
وأكد أنّه التقى بقائد السفينة وتعرف عليه من وجهه الشاحب، موجهًا سؤالًا إليه "هل أنت مهرب؟" فأجاب "لا، لا" ثم ضحك، مضيفًا ثم "سألناه ما هو اسمه لكن كان من الواضح أنه قد أعطى اسمًا خاطئًا في كل مرة يسأله أي شخص عن اسمه"
وتابع بوميلا "لذا رأيت أنه أحد المهربين على الفور، و كأنه مكتوب على وجهه، إذ أنَّهم دائمًا ما يكونون في وضع أفضل بكثير من المهاجرين الذين هم عادة مرهقين ومتعبين".
يُذكر أنَّ نحو 900 من الرجال والنساء والأطفال لقوا حتفهم بعدما واجه قاربهم صعوبات وانقلب قبالة السواحل الليبية، إلى الجنوب من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، بعد فترة وجيزة من منتصف ليل الأحد الماضي.
وأفادت الممرضة إنريكو فيتيلو العاملة مع منظمة "فرسان مالطة"، وتعمل على سفينة خفر السواحل؛ بأنَّ اثنين من المهربين المشتبه بهم قد أبقوا أنفسهم بمعزل عن باقي الناجين، قائلة "كنا نعلم أنهما كانا من المهربين، إنهما لا يريدان أن يكونا مع الآخرين، أرادوا مجرد البقاء بمفردهما، وعندما وضع أحد الرجال السود ذراعه على كتف الرجل التونسي دفعه فورًا عنه".
وكانت السلطات الإيطالية أوقفت التونسي محمد علي مالك وشريكه السوري محمود بخيت (26عامًا)، ووجهت إليهما تهمًا بالقتل الخطأ المتعدد والمساعدة على الهجرة غير الشرعية، مشيرة إلى أنَّهما ساهما في الكارثة التي حدثت بسبب اصطدام السفينة بطريق الخطأ بقارب صيد، منوّهة إلى احتمال أن تكون السفينة قد غرقت نتيجة الحمولة الزائدة من المهاجرين على متنها ما أدى إلى انقلابها.
وفي الوقت نفسه، ادعى أحد الناجين بأنَّ القبطان مالك كان في حالة سكر عندما اصطدمت السفينة، مضيفًا "كان في حالة سكر وكان يدخن الحشيش قبل أن يضرب القارب سفينة الحاويات البرتغالية"، وأضاف ناجٍ آخر أنَّ القبطان كان يضحك كأنه فاز على المهاجرين.
وذكر إبراهيم وهو شاب إريتري فقد شقيقين في هذه المأساة، أنَّ أحد أفراد الطاقم السوري استغل أولئك الذين اشتكوا، موضحًا "القبطان الآخر، السوري، ضربنا، تحديدًا أولئك الذين اشتكوا من ظروف الرحلة، في حين أنهم كلهم على حد سواء ضحكوا، وكان القبطان التونسي يقود السفينة مثل المجنون".
وتابع "كانوا رهيبين، مختلين، أحدهم قاد القارب كالمجنون، وحمل زجاجة و هو يمسك الدفة، استمر في التدخين والشرب والضحك". وذكر ناجٍ آخر " دفعنا 1000 دولار للمكان على سطح السفينة الأعلى الذي أنقذ حياتي".
واستطرد "كنا على السطح العلوي تقريبا 50 شخصًا، كان الآخرون في الطابقين الأسفلين، وعندما غادرنا أرادوا وضع المزيد من الناس على المتن ولكن في النهاية قرروا أن العدد كان كبيرا جدا ورحلنا".
وأضاف إبراهيم (20 عاما): "أنا أخاف من البحر الآن، إنّه رهيب ومجنون مثل تلك الليلة التي قتل فيها الجميع، بما في ذلك شقيقيّ، لم أتمكن من إنقاذهما لأني كنت مذعورًا".
وأوضح الدكتور بوميلا، أنَّ "رجلًا من حرس السواحل سمع صرخة صبي من مالي يتراوح عمره بين 18 أو 19 لا يعرف كيفية السباحة؛ لكنه كان متمسكًا بحزام النجاة، بينما شوهد الناجون الآخرون يتشبثون بالجثث بينما كانوا ينتظرون المساعدة من خفر السواحل المالطية والايطالية الذين جاؤوا لإنقاذهم في منتصف الليل".
وأشار أحد الناجين، إلى أنَّ جميع النساء والأطفال كانوا يجلسون تحت سطح السفينة لذلك حوصروا عندما غرقت السفينة، وذكر بعض الناجين أيضًا أنَّهم ماتوا مثل "الجرذان في أقفاص".
وأكدت التحقيقات أن السفينة المنكوبة أقلعت في بادئ الأمر من مصر ثم توقف على الساحل الليبي قرب مدينة زوارة لحمل المزيد من الركاب، ثم انطلق من ليبيا السبت وأرسل إشارة استغاثة قبل منتصف الليل بقليل على بعد 120 ميلًا إلى جنوب جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، حيث انقلب في وقت لاحق.
ولفت الدكتور بوميلا إلى أنَّ معظم الناجين وضحايا الكارثة كانوا شبابا وعدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 12 عامًا، موضحًا أنَّ الناجين الذين جاؤوا من مالي وغامبيا والسنغال والصومال وإريتريا وبنغلاديش، يُعالجون في مراكز احتجاز قرب كاتانيا على الساحل الشرقي لصقلية.
وقدَّر رئيس الوزراء المالطي سابقا أنَّ المهربين قد جمعوا حوالي 5 مليون يورو من بيع الأماكن على قارب المهاجرين اليائسين.
يُذكر أنَّ هذه المأساة حدثت بعد أيام فقط من تحطم سفينة أخرى توفي بها 400 شخص، وتعتبر الأسوأ في سلسلة من حوادث تحطم السفن المهاجرة التي أودت بحياة أكثر من 1700 شخص هذا العام، أي ما يعاد 30 ضعف الفترة نفسها من العام 2014.
وأعلن مسؤولون ليبيون أنهم أوقفوا عددًا من الزوارق المحملة بالأفارقة الذين يحاولون الوصول إلى السواحل الإيطالية في الأيام الثلاثة الماضية، واعتقلوا أكثر من 600 مهاجر.
وأوضح مسؤول كبير في إدارة الهجرة، أنَّ قوات الأمن في البلاد التي مزقتها الحرب قد اعتقلت نحو 70 شخصًا من الأفارقة في طرابلس حيث كانوا ينتظرون المهربين لوضعهم على متن قارب متجهة إلى لامبيدوزا.
وقال إنهم أوقفوا اثنين على الأقل من القوارب، واحد على متنه نحو 250 شخصًا من السنغال وغانا وإثيوبيا وجنسيات أفريقية أخرى، وآخر بالإثيوبيين والاريتريين؛ في الأيام الثلاثة الماضية قبل أن تبحر من السواحل الليبية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر