في سياق إقليمي ودولي يتسم بتنامي التهديدات الإرهابية والمخاطر الأمنية التي تفرض تضافر الجهود وتعزيز التنسيق بين الدول لمواجهتها، تستمر المملكة المغربية في تعزيز تعاونها الأمني والعسكري مع الولايات المتحدة الأميركية، الذي يندرج في إطار التحالف الإستراتيجي بين البلدين، حيث وقعا في الثاني من أكتوبر من العام 2020 اتفاقية تمتد لعشر سنوات من أجل تعزيز تعاونهما الأمني والعسكري، ورفع مستوى التنسيق بينهما في مواجهة هذه التهديدات.
في هذا الإطار، تجري القوات البحرية للحليفين الإستراتيجيين مناورات بحرية ثنائية في إطار مناورات “The Atlas Handshake 23-1″، حيث حطت المدمرة الأمريكية من طراز “IgnatiusUss Paul” السبت الماضي بميناء أكادير، إلى جانب فرقاطة “السلطان مولاي إسماعيل” التابعة للبحرية الملكية المغربية. وتعكس هذه المناورات المسار التصاعدي الذي تعرفه العلاقات العسكرية بين البلدين، وتهدف إلى “تعزيز الجاهزية القتالية للقوات المشاركة”، حسب ما أكدته السفارة الأمريكية في المغرب، في منشور في صفحتها على “فايسبوك”.
تعاون عسكري بعمق إستراتيجي
محمد شقير، خبير عسكري، قال إن “التعاون العسكري الأمريكي المغربي هو تعاون إستراتيجي متين، واتخذ منحى تصاعديا، خاصة بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة بين البلدين التي تمتد إلى غاية 2030، وتضم مقتضيات عديدة تهم استيراد الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، إضافة إلى تعزيز التعاون والتنسيق لمواجهة التحديات الإرهابية والجرائم العابرة للحدود”.
وأضاف شقير أنه “بحكم أن المغرب يعد من بين الدول الساحلية، إذ تمتد شواطئه لأكثر من 3600 كيلومتر، فمن المنطقي أن يشمل التعاون بين الرباط وواشنطن المجال البحري، نظرا لكون هذا المجال يعرف هو الآخر مجموعة من التحديات والتهديدات”، مشيرا إلى أن “الرباط وواشنطن شريكان في منظومة جغرافية واحدة، إذ ينتميان إلى المجال الأطلسي، وهو ما يجعل اهتمامهما منصبا على حماية هذه المنطقة المستهدفة بالعديد من أنشطة التهريب والاتجار البشر”.
ولفت الخبير العسكري عينه إلى أن “هذه المناورات البحرية المشتركة ليست الأولى من نوعها، بل سبقتها مناورات بحرية أخرى على امتداد السنوات الماضية، آخرها مناورات الأسد الإفريقي التي شمل برنامجها تدريبات بحرية بهدف تعزيز القدرات القتالية للدول المشاركة في هذه المناورات التي احتضنتها المملكة”.
وخلص شقير، في تصريحه لجريدة هسبريس، إلى أن “الرباط أضحت في صلب الاهتمامات والاختيارات الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، إن على المستوى الأمني والعسكري أو على مستويات أخرى، إذ أصبحت المملكة بمثابة البوابة البحرية الرئيسية لواشنطن نحو القارة الإفريقية، وبالتالي فإن أمريكا حريصة على هذا المستوى على تعزيز تنسيقها وتعاونه العسكري مع المغرب، حفاظا على مصالحها وعلى مصالح شركائها في هذه المنطقة”.
شراكة ضرورية وتموقع جديد
من جهته أورد هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “التعاون الأمني والعسكري المغربي الأمريكي انتقل خلال السنوات الأخيرة من تعاون تقليدي وروتيني يعزز الشراكة العبر-أطلسية إلى شراكة إستراتيجية متداخلة القطاعات الدفاعية والأمنية، وذات رؤية جيوسياسية من أجل تحقيق أهداف محددة لحماية المصالح المشتركة والحيوية للبلدين”.
وأضاف معتضد أن “تطور الشراكة الأمنية والدفاعية بين الرباط وواشنطن هو نتيجة التحولات الجيو-إستراتيجية التي تستدعي تقوية التحالفات العسكرية والأمنية من أجل مواجهة التصعيد الخطير للحركات الإرهابية عبر العالم، والتهديدات الإجرامية العابرة للقارات، بالإضافة إلى الانفلاتات الأمنية التي أضحت مترددة في العديد من الفضاءات، خاصة تلك المرتبطة بتواجد المصالح الحيوية للمغرب والولايات المتحدة الأمريكية أو تهدد أمنهما القومي”.
ولفت المتحدث عينه إلى أن “تعزيز القدرات القتالية وجاهزية البحرية الملكية المغربية بالنسبة لواشنطن يحقق توازنا دفاعيا حساسا بالنسبة لخريطة استتباب الأمن العبر-أطلسي، ومحورا عسكريا جد مهم في بناء منصات الدفاع المشترك والتكامل في المنطقة لمواجهة التهديدات العابرة للمحيط الأطلسي”.
وتابع الباحث ذاته شارحا بأن “البحرية الملكية المغربية تؤمن نافذة محيطية جد إستراتيجية على مستوى الساحة الدولية، فالموقع الجغرافي للمغرب يضع قواته البحرية أمام تحديات دفاعية من بين الأعقد على مستوى خريطة القوات البحرية الدولية، لأنها مجبرة ليس فقط على تأمين الممرات الأوروبية-الإفريقية، ولكن أيضا على الالتزام باليقظة الكاملة والمستمرة في مراقبة التحركات التي تتخذ من الممرات الأوروبية-الأمريكية، خاصة ذات الوجهة الجنوبية، ومن الفضاءات المجاورة للمغرب، مناطق التفاف وممرات للتهرب من مناطق المراقبة والدوريات الروتينية”.
وشدد الباحث في الشؤون الإستراتيجية على أن “مكانة المغرب في العقيدة العسكرية الأمريكية انتقلت من منظور الشريك والحليف التقليدي لواشنطن إلى الفاعل الموثوق به في إطار شراكة إستراتيجية، ليست فقط ضرورية، وإنما إجبارية في سياسة الدفاع الأمريكية على مستوى شرق الأطلسي وفضاء الساحل والصحراء وإفريقيا”.
وخلص المصرح لهسبريس إلى أن “التموقع الجديد لمؤسسات الدفاع والأمن المغربيين في الفكر الإستراتيجي الأمريكي يأتي بعد مسار طويل من التعاون المشترك بين البلدين، وخاصة بعد التحولات الجوهرية التي عرفتها مختلف الهياكل الأمنية والدفاعية المغربية، التي أصبحت تتربع على العديد من المنصات القارية والدولية على مستوى مؤشرات التنافسية المهنية والتدبير المؤسساتي، وهو ما أهلها لأن تصبح علامة تجارية ذات مرجعية في ميادين الدفاع والأمن الدوليين”.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر