تصريح العثماني، الذي وصفتْه سيدة مغربية عالقة في الخارج بـ"رصاصة الرحمة على آمالنا"، جعل المغاربة العالقين في الخارج، يفكّرون في خوض أشكال احتجاجية أخرى في حال عدم استجابة الحكومة لطلب إعادتهم إلى المغرب، حيث يعتزمون الاعتصام في المطارات، ومراسلة المنظمات الحقوقية الدولية.وكان المغاربة العالقون في الخارج استبشروا خيرا، بعد تأكيد وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، قبل أسبوعين، أن عودتهم "حق طبيعي غير قابل للنقاش"، كما صرح لوكالة المغربي العربي للأنباء، لكن الخرجة التلفزيونية لرئيس الحكومة، مساء أمس، حين ربط عودتهم بفتح الحدود، بددت حلمهم بالعودة.
وتباينت آراء المغاربة العالقين في الخارج إزاء تصريح رئيس الحكومة، بين من اعتبر ما جاء على لسانه "صادما"، وبين مَن رأى أن حلّ ملفهم ليس بيد العثماني، إذ لا يستطيع أن يعلن أي قرار أو إجراء بخصوص هذا الموضوع.يقول منصف السعيد، وهو محام عالق بمدينة سبتة المحتلة، إن المغاربة العالقين بالخارج لم يكونوا ينتظرون من رئيس الحكومة أن يأتي بجديد بخصوص موضوع إعادتهم إلى المغرب، وإن كانوا يُمنّون أنفسهم بذلك، وزاد موضحا: "لأنه لا دراية له بهذا الموضوع، ونحن على يقين بأن مسالة حسم مصيرنا إنما هي بيد عاهل البلاد وليس أي جهة أخرى، ولذلك وجهنا إليه رسائلنا منذ البدء لنختصر الطريق".
واستغرب منصف السعيد تخلي المغرب عن 27 ألفا من مواطنيه العالقين في الخارج، مضيفا: "لقد اكتشفنا أن الوطن ليس بيتا للجميع، فالبيت لا يُمنع عنه أهله ولو في حالة طارئ صحي أو أي ظرف كان. ونستغرب أشد الاستغراب أن يصدر هذا السلوك عن دولة كانت ستستضيف تظاهرة كأس العالم سنة 2018، وما تتطلبه من التكفل بالجماهير الوافدة من تنظيم ومبيت وأكل وتطبيب".تصريحات العثماني لم تُجابَه بانتقادات من طرف المغاربة العالقين في الخارج فحسب، بل إن بعض المواطنين الذين كانوا يرفضون عودتهم، بداعي أن الدولة ليست مستعدة لاستقبالهم، غيّروا رأيهم، واعتبروا أن المغرب الآن بمقدوره أن يعيد هؤلاء المواطنين إلى بلدهم، بعد أن عزز الطاقة الاستيعابية للمؤسسات الاستشفائية المخصصة لاستقبال المصابين بفيروس كورونا.
وسَخر عدد من المعلقين من تصريح رئيس الحكومة الذي قال فيه إن المغاربة العالقين في الخارج سيعودون إلى المغرب بعد فتح حدوده، معتبرين أن هؤلاء لا يحتاجون أصلا، آنذاك، إلى ترخيص من الحكومة ليعودوا إلى بلدهم، بينما وصفت فاطمة بنعدي، مواطنة مغربية عالقة في الخارج، ما جاء على لسان العثماني بـ"التصريح الكارثي".وقالت بنعدي في اتصال : "لو كنا نعرف أن فتح الحدود سيتم قريبا سنرغم أنفسنا على مزيد من الصبر، ولكن لا يوجد أي احتمال لفتحها في الأمد القريب. وحتى إذا فتح المغرب حدوده فهل الدول التي نوجد بها الآن ستفتح حدودها؟"، قبل أن تواصل بإحباط: "رئيس الحكومة أطلق رصاصة الرحمة على نفسيتنا المحطمة".
وأضافت المتحدثة ذاتها أن كثيرا من المغاربة العالقين في الخارج بكوْا عندما سمعوا ما صرّح به رئيس الحكومة في اللقاء التلفزيوني الذي بُث أمس على القنوات العمومية، مضيفة: "لقد وصلنا إلى مرحلة اليأس، وأُرهقنا بالتصريحات المتضاربة والمتناقضة الصادرة عن المسؤولين الحكوميين، ولم نعد نفهم شيئا مما يجري".يصل عدد المغاربة العالقين في الخارج، حسب المعطيات التي قدمها رئيس الحكومة، إلى 27 ألفا و850 مواطنة ومواطنا، ولا تتكفل السفارات والقنصليات المغربية بالخارج سوى بـ5700 منهم. وتقول فاطمة بنعدي إن التكفل جزئي، إذ إن نسبة كبيرة من المتكفّل بهم لا يحصلون سوى على مساعدات بسيطة، مثل المال لشراء الأدوية، كما أن المستفيدين منهم من الإيواء نسبة منهم يعيشون في ظروف غير مريحة.
خولة شفيق، ممثلة المغاربة العالقين في الخارج بجزر المالديف، اعتبرت أن معالجة الحكومة لهذا الموضوع "كتدلّ على أنها ما عندهاش علم بشنو واقع للمغاربة العالقين في الخارج، لأنه لو كان عندهم علم غادي ياخدو قرارات فصالحنا، اللهم إيلا كانوا ما مهتامّينش بنا أصلا".وتضيف خولة شفيق، التي تشرف على مجموعة للمغاربة العالقين في الخارج على فيسبوك، في تصريح لهسبريس، أنها تتلقى رسائل كثيرة من مغاربة عالقين في الخارج يواجهون صعوبات شديدة ويعيشون وضعا مزريا، منهم من يعيش مشردا في الشوارع، ولا يجدون حتى أماكن لتناول وجبة الإفطار، وزادت: "هناك من انتهى ما لديه من مال، وآخرون انتهت مدة صلاحية تأشيراتهم".
وفي وقت ربط العثماني عودة المغاربة العالقين بالخارج بفتح حدود المملكة، قالت خولة شفيق: "يستحيل الواحد يقدر يصبر حتى تحلّ الحدود، واخا يكون بنادم حيوان ما يمكنش تسمح فيه لهاد الدرجة"، مضيفة: "الحكومة تكرر نفس الوعود، كانوا كيقولو لينا صبرو معانا، وملي سالات هاد القصة، دبا ولينا في قصة حتى يفتحو الحدود".وكان موضوع إعادة المغاربة العالقين في الخارج من المواضيع الرئيسية التي ناقشها المجلس الحكومي في اجتماعه الأسبوعي، أمس الخميس، حيث قدم وزير الشؤون الخارجية عرضا بهذا الخصوص، وقال العثماني إن الحكومة تهتم بوضعيتهم، وإنه يتابع هذا الملف شخصيا، لكن التصريح الذي أدلى به مساء أمس أحبط المغاربة العالقين.
"ما يردده المسؤولون المغاربة جنون، وكأنهم يعتقدون أنهم يتحدثون مع مواطنين يعانون من خلل عقلي"، تقول فاطمة بنعدي؛ بينما قالت نبيلة، مهاجرة مغربية مقيمة بإسبانيا عالقة في المغرب: "نتأسف لهذا الوضع الذي نعيشه، سواء المغاربة العالقون في الخارج أو العالقون في المغرب".ورغم أن نبيلة تعاني بدورها بعد أن مُنعت من العودة إلى الديار الإسبانية حيث تقيم، تاركة أسرتَها هناك، فإنها تُبدي تعاطفا أكبر مع المغاربة العالقين في الخارج، قائلة: "حنا قلوبنا مع الناس اللي بقاو على برا، لأنهم جزء منا، واخا المغرب قطّع هاد الأجزاء من الجسم ديالو، والهضرة ديال رئيس الحكومة بحالا كيقول لهم غير بقاو تما حارْگين وولّيو مهاجرين غير شرعيين".
وبخصوص وضعية المغاربة العالقين في المغرب، قالت المتحدثة: "المغرب عمل واحد الشرخ كبير مع الجالية المغربية..وهاد الجرح ما غاديش يندمل بسرعة، غادي ياخد وقت طويل، وهاد الوقت غادي يعود بالضرر على الاقتصاد ديال المغرب، والحكومة خصها تاخد هادشي بعين الاعتبار، لأن الناس اللي كانوا كيديرو تحويلات وكيعاونو العائلات وكيديرو مشاريع في المغرب، غادي يفكرو ألف مرة قبل ما يرجعو للبلد ولا قبل ما يستثمرو فيه".
من جهته انتقد محمد بونوح، مواطن مغربي عالق بمدينة سبتة المحتلة، التصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة، "وإن لم أكن أنتظر منه شيئا"، يقول، مضيفا: "نحن لسنا ضمن أولويات الدولة، والنهار تبغي تدخّلنا غتدخّلنا، لأنها لا تحتاج إلى إمكانيات كبيرة باش ترجّعنا للمغرب".واعتبر بونوح أن من بين الأسباب التي جعلت الدولة تتراخى في الاستجابة لطلب المغاربة العالقين في الخارج، بإعادتهم إلى المغرب، ضعف مساندة الرأي العام الوطني لقضيتهم، قائلا: "قوة الدولة تتجلى في النخوة المغربية، واخا يكون غير مواطن واحد حاصل فالخارج خاص الدولة ترجعو، وخاص الشعب يوقف بجنبو حتى يرجع".
ويتكبد المغاربة العالقون في الخارج معاناة شديدة، لم تؤثّر عليهم وحدهم فحسب، بل أثرت كذلك على أسرهم التي تركوها في المغرب. "كاين اللي فقد الخدمة ديالو فالمغرب، وما بقاش عندو الفلوس باش يعيّش ولادو، وكاين اللي المشغّل ديالو تيطلب منو يرجع لخدمتو، ولكن ما نقدروش نرجعو، وكاينين نساء حوامل، منهم سيدة وضعت مولودها في باريس، ولم تجد من يساعدها سوى بعض المغاربة الذين جمعوا لها مساعدات"، تقول خولة شفيق.
وأضافت المتحدثة أن هناك مغاربة عالقين في الخارج يعانون من أمراض خطرة ومزمنة، كمرض السرطان، أو الفشل الكلوي، ويحتاجون إلى علاج مستمر أو الخضوع لحصص تصفية الدم في المغرب، متسائلة: "هاد الناس راهم بين الحياة والموت، واش حتى هوما غادي يتسناو حتى يفتحو الحدود".وفي وقت تتذرّع الحكومة بأن الوضعية الحالية لا تساعد على إعادة المغاربة العالقين في الخارج، يتساءل هؤلاء المغاربة: "هل المغرب أضعف من مصر والسودان وموريتانيا، التي أجْلت مواطنيها العالقين في الخارج؟".
في السياق قالت خولة شفيق: "الحكومة المغربية عطات صورة خايبة على المغرب. البراني كيشوفنا وكيضحك علينا. الجهود اللي دارت فالمغرب وفرحنا بها خسروها بخطأ بسيط وفادح، وما غاديش نسمحو فحقنا، ونطالب جلالة الملك باش يتدخل حيت الناس كتموت"، مضيفة: "حنا غادي نديرو وقفات سلمية وحضارية أمام القنصليات المغربية بالخارج، والمغرب ليس في حاجة لهادشي، حيت العالم غادي يضحك علينا أكثر، ولكن ما عندناش شي حل آخر".
ويسود وسط المغاربة العالقين في الخارج إحساس بالخذلان، عبرت عنه خولة شفيق بقولها: "هذا الجرح غادي يبقا فينا إلى يوم الدين، وما غانسمحوش للي دارو فينا هادشي"، مشيرة إلى أنها أيضا تعاني من مرض مزمن وتحتاج إلى متابعة العلاج لدى طبيبها في المغرب، لكن لم يُسمح لها بالعودة، مضيفة: "كنتاصلو بالقنصليات والسفارات وحتى هوما كيتشكاو، وكيقولو بأنهم كيصيفطو رسائل إلى المغرب ولا أحد يجيب".
وقد يهمك ايضا:
جبهة "البوليساريو" تصف خطاب تبون بـ"التاريخي" وتُهاجم تصريحات "بوريطة"
"عدم الانحياز" تتبنى الإعلان الختامي المتعلق بالاستجابة لمواجهة"كورونا"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر